الإمام الخامنئي: هذا هو الشيء الخطير الذي يواجهه اليوم العالم الإسلامي!

الثلاثاء 21 فبراير 2017 - 10:45 بتوقيت مكة
الإمام الخامنئي: هذا هو الشيء الخطير الذي يواجهه اليوم العالم الإسلامي!

تم صباح يوم الثلاثاء بتاريخ ٢١/٢/٢٠١٧ عقد  المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية حيث افتتح المؤتمر بكلمة لقائد الثورة الإسلاميّة الإمام السيّد علي الخامنئي أكّد فيها على أهميّة المقاومة ضد الكيان الصهيوني ونجاحها في استنزاف مشروع الاحتلال وتقويض أحلامه في المنطقة، كما ناشد سماحته الحضور بضرورة التيقّظ وعدم الغفلة عن الأخطار الناجمة عن وجود الکيان الصهيوني معتقداً أنّ هذا الأمر يستدعي من الجميع تأمين الاحتياجات الأساسية للشعب الفلسطيني المقاوم. كما حذر سماحة قائد الثورة الإسلامية من محاولات إضعاف مکانة القضية الفلسطينية والسعي لإخراجها من دائرة الأولوية.

فيما يلي النّص الكامل لکلمة الإمام الخامنئي في المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وتحياته على سيّد الأنام محمّد المصطفى، وآله الطيبين وصحبه المنتجبين

قال الله الحكيم في كتابه المبين: «وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ» وقال عزّ من قائل: «فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ»

في البدایة، أرى لزاماً عليّ أن أرحّب بکم جميعاً أيها الضيوف الأعزّة، رؤساء المجالس المحترمين، وقادة الجماعات الفلسطينية المتنوّعة، و أصحاب الفکر و الوعي والشخصيات البارزة في العالم الإسلامي، وسائر الشخصيات التحرّرية، وأن أحيّي حضورکم في هذا الملتقى القيّم.

إن قصّة فلسطين المکتظة بالغصص والحزن الممضّ لمظلومية هذا الشعب الصابر المثابر المقاوم، لتؤلم بحقٍ، أيّ إنسان تائق إلى الحرية والحق والعدالة، وتملأ قلبه بالأسى الکبير. إن تاريخ فلسطين زاخر بالمنعطفات والأحداث في ظل احتلالها الظالم وتشريد الملايين من أبنائها و المقاومة الباسلة التي سطرها هذا الشعب البطل. وإن بحثاً واعياً في التاريخ یبیّن أنه لم یواجه شعب من شعوب العالم  في أيّ فترة من فترات التاريخ مثل هذه المحنة والمعاناة والممارسات الظالمة، بأن یتعرض بلد بأکمله للاحتلال بفعل مؤامرة تتجاوز حدود المنطقة، و یشرَّد شعب من دياره وأرضه، لتحِلّ محله جماعة أخرى تأتي من مناطق شتی من العالم، مما یشکل تجاهلا لوجود حقيقي مع إحلال وجود زائف محله. بيد أن هذه تمثل صفحة ملوثة من صفحات التاريخ التي ستطوى کغيرها من الصفحات الملوثة بإذن الله تعالى وعونه، فقد قال تعالی: «إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» وقال: «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ».

يقام مؤتمرکم هذا في ظرف هو من أصعب الظروف العالمية والإقليمية. إن منطقتنا التي طالما کانت دعامة لشعب فلسطين في کفاحه ضد مؤامرة عالمية، تعيش هذه الأيام اضطرابات وأزمات متعددة. لقد أدت الأزمات التي تعيشها عدة بلدان إسلامية في المنطقة إلى تهمیش موضوع دعم القضية الفلسطينية والهدف المقدس في تحرير القدس الشريف. إن التفطن لنتيجة هذه الأزمات يجعلنا ندرك من هي القوى التي تربح منها. الذين أوجدوا الکيان الصهيوني في هذه المنطقة ليستطيعوا عن طريق فرض صراع طويل الأمد أن يحولوا دون استقرار المنطقة وتقدمها، يقفون اليوم أيضاً وراء الفتن القائمة، الفتن التي أدت إلى استنزاف طاقات شعوب المنطقة في نزاعات عبثية کي تحبط مساعي بعضها البعض، مما یوفر الفرصة لزیادة قوة الكيان الصهيوني الغاصب أکثر فأکثر بعدما أصیب الجمیع بالفشل. کما أننا نشهد مساعي الخيّرين والعقلاء والحکماء في الأمة الإسلامية الذين يسعون بإخلاص لحلّ هذه النزاعات. ولکن المؤسف أن مؤامرات الأعداء المعقدة نجحت، من خلال استغلال غفلة بعض الحکومات، في فرض حروب داخلية على الشعوب و تحریضها ضد بعضها البعض مما یقلل من تأثير مساعي هؤلاء الخيّرين للأمة الإسلامية. الشيء الخطير في هذه الغمرة هو محاولات إضعاف مکانة القضية الفلسطينية والسعي لإخراجها من دائرة الأولوية. على الرغم مما یوجد  بين البلدان الإسلامية من خلافات یکون بعضها طبيعية، وبعضها نتیجة لمؤامرات الأعداء، وبعضها ناجم عن الغفلة، إلا أن فلسطين لا زالت تمثل عنوانا من شأنه أن یکون ـ و یجب أن یکون ـ محورا لوحدة کل البلدان الإسلامية. إن من مکتسبات هذا الملتقى الکریم هو طرح ما یمثل الأولوية الأولى للعالم الإسلامي و لطلاب الحرية في العالم، ألا وهو موضوع فلسطين، وتوفير أجواء التعاطف لتحقيق الهدف السامي المتمثل في دعم شعب فلسطين وکفاحه المطالب بالحق والعدالة. یجب ألاتهمَل أبداً أهمية الدعم السياسي لشعب فلسطين و هذا ما يتمتع اليوم بأهمية خاصة في العالم. إن الشعوب المسلمة و المتحررة ـ علی اختلاف مسالکهم و اتجاهاتهم ـ یستطیعون أن يجتمعوا حول هدف واحد هو فلسطين وضرورة السعي لتحريرها. بعد ظهور علامات أفول الکيان الصهيوني و ضعف حلفائه الأصليين وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريکية، يلاحظ أن الأجواء العالمية تتجه شيئاً فشيئاً نحو التصدي لممارسات الکیان الصهیوني العدائية واللاقانونية واللاإنسانية، و لاشک أن المجتمع العالمي وبلدان المنطقة لم تستطع لحد الآن أن تعمل بمسؤولياتها تجاه هذه القضية الإنسانية.

لا يزال القمع الوحشي للشعب الفلسطيني مستمراً، وکذلك الکثير من المظالم الأخرى التي ترتکب ضده من قبيل الاعتقالات الواسعة النطاق وعملیات القتل والنهب، واغتصاب أراضيه وبناء المستوطنات فيها والسعي لتغيير ملامح وهوية مدينة القدس المقدسة والمسجد الأقصى وسائر الأماکن المقدسة الإسلامية والمسيحية فيها، وسلب الحقوق الأساسية للمواطنين. وهي ممارسات تحظى بدعم شامل من قبل الولايات المتحدة الأمريکية وبعض الحکومات الغربية، و للأسف لاتواجه ردود فعل عالمية مناسبة. إن الشعب الفلسطيني يفتخر بأنْ منّ الله تعالى عليه وحمّله رسالة عظيمة تتمثل في الدفاع عن هذه الأرض المقدسة والمسجد الأقصى. ولا سبيل أمام هذا الشعب سوى الحفاظ على مشعل الکفاح وهّاجاً بالاتكال على الله تعالى والاعتماد على قدراته الذاتية، وهذا ما قام به لحد الآن والحقّ يقال. الانتفاضة التي انطلقت الیوم في الأراضي المحتلة للمرة الثالثة لهي مظلومة أکثر من الانتفاضتين السابقتين، لکنها تسير متألقة و مفعمة بالأمل، وسترون بإذن الله أن هذه الانتفاضة ستسجل مرحلة مهمة جداً من تاريخ الکفاح و تفرض هزيمة أخرى على الکيان الغاصب. إن هذه الغدة السرطانية نمت منذ البداية على شکل مراحل إلى أن تحولت إلى البلاء الحالي، وينبغي أن يکون علاجها أيضاً على شکل مراحل حيث استطاعت عدة انتفاضات ومقاومات متتابعة ومستمرة تحقيق أهداف مرحلية مهمة جداً، وأن تسير إلى الأمام مزمجرة نحو تحقيق باقي أهدافها إلى حين تحرير کامل تراب فلسطين.

إن الشعب الفلسطيني الکبير الذي يتحمّل بمفرده الأعباء الثقيلة لمواجهة الصهيونية العالمية وحماتها العتاة، منح الفرصة ـ صابراً محتسباً، ولکن قوياً صامداً ـ لکل الأدعياء ليختبروا ادعاءاتهم ويجرّبوها. يوم طرحت مشاريع الاستسلام بشکل جادّ تحت طائلة الزعم الباطل الذي يدعو إلى الموضوعیة وضرورة قبول الحد الأدنى من الحقوق للحؤول دون تضييعها، منح الشعب الفلسطيني، وحتى کل التيارات التي کان قد ثبت لديها مسبقاً عدم صحّة هذه الرؤية، الفرصة لها. طبعاً أکدت الجمهورية الإسلامية في إيران منذ البداية على خطأ هذا النوع من الأساليب الاستسلامية ونبّهت إلى آثارها الضارّة وخسائرها الجسيمة. إن الفرصة التي منحت لمسیرة الاستسلام کان لها آثار مخرّبة على مسار مقاومة الشعب الفلسطيني وکفاحه، بيد أن فائدتها الوحيدة هي إثبات عدم صحة فکرة «الموضوعیة» هذه على الصعيد العملي. بل إن طريقة ظهور الکيان الصهيوني کانت بالشکل الذي لا يمكنه معها أن يكفّ عن نزعته التوسعية وقمعه وسحقه لحقوق الفلسطينيين، لأن وجوده وهويته رهن بالقضاء التدريجي على هوية فلسطين ووجودها، ذلك أن الوجود غير الشرعي للکيان الصهيوني لا يمکنه الاستمرار إلّا على أنقاض هوية فلسطين ووجودها. ولهذا فإن الحفاظ على الهوية الفلسطينية وحماية کل ملامح وعلامات هذه الهوية الحقيقية الطبيعية کان أمرا واجبا و ضروریا و جهادا مقدسا. و طالما يبقى عالیا صامدا اسم فلسطين وذکر فلسطين والمشعل الوضاء لمقاومة هذا الشعب الشاملة، فلن یکون من الممکن لأرکان الکيان المحتلّ أن تتعزّز.

مشکلة مشروع الاستسلام لاتقتصر علی أنه بتنازله عن حق شعب، يمنح الشرعية للکيان الغاصب، و إن کان هذا بحدّ ذاته خطأ کبيرا لايغتفر، إنما المشکلة في أنه لا یتلاءم إطلاقاً مع الظروف الحالية لقضية فلسطين، ولا يأخذ بنظر الاعتبار النزعات التوسعية والقمعية والجشعة للصهاينة. على أن هذا الشعب اغتنم الفرصة واستطاع إثبات خطأ مزاعم دعاة الاستسلام، وبالتالي فقد حصل نوع من الإجماع الوطني بخصوص الأساليب الصحيحة للکفاح من أجل استعادة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين.

والآن فإن الشعب الفلسطيني قد جرّب طوال العقود الثلاثة الماضية نموذجين متباينين وأدرك مدی ملاءمة کل منهما لظروفه. فهناك مقابل مشروع الاستسلام نموذج المقاومة البطولية المستمرة للانتفاضة المقدسة الذي أتی بمکتسبات عظيمة لهذا الشعب. وليس من دون سبب أنْ تقوم جهات مفضوحة اليوم بمهاجمة المقاومة أو إثارة الشکوک حول الانتفاضة، إذ لايتوقع من العدوّ غير هذا، لأنه يعلم علماً تامّاً بصحّة هذا الدرب و جدوائیته. ولکن نشاهد أحياناً بعض التيارات وحتى البلدان التي تدعي في الظاهر مواکبة القضية الفلسطينية ولکنها تريد في الحقيقة حرف المسار الصحيح لهذا الشعب، نشاهدها هي الأخرى تهاجم المقاومة. ذریعة هؤلاء هي أن المقاومة لم تستطع بعد عقود من عمرها تحقيق تحرير فلسطين، و بناء علی ذلک فإن هذا الأسلوب بحاجة إلى إعادة نظر! وينبغي القول في معرض الرد: صحيح أن المقاومة لم تستطع بعدُ الوصول إلى هدفها الغائي أي تحرير کل فلسطين، بيد أن المقاومة استطاعت إبقاء قضية فلسطين حيّة. لنتصور أنه لو لم تکن هناك مقاومة فما کانت الظروف التي کنا نعيشها اليوم؟ أهم مکتسبات المقاومة إيجاد عقبة أساسية أمام المشاريع الصهيونية. لقد تمثل نجاح المقاومة في فرض حرب استنزافية على العدو، بمعنى أنها استطاعت إفشال الخطة الأصلية للکيان الصهيوني وهي السيطرة على کل المنطقة. وفي هذا السياق ينبغي بحقّ تکريم مبدأ المقاومة والأبطال الذين بادروا إلى المقاومة خلال فترات مختلفة ومنذ بداية تطبيق مسرحية تأسيس الکيان الصهيوني، ومن خلال تقديم أرواحهم حافظوا على راية المقاومة عالية خفاقة، ونقلوها من جيل إلى جيل. ولا يخفى على أحد دور المقاومة خلال الفترات التي أعقبت الاحتلال، ومن المتيقن منه أنه لا يمکن تجاهل دور المقاومة حتى في الانتصار الذي تحقق في حرب عام 1973 و إن کان انتصارا بسیطا. ومنذ عام 1982 ألقيت أعباء المقاومة عملياً على عاتق الشعب في داخل فلسطين، إلّا أن المقاومة الإسلامية في لبنان ـ حزب الله ـ ظهرت هي الأخرى لتکون عوناً للفلسطينيين في دربهم الکفاحي. لو لم تکن المقاومة قد شلّت الکيان الصهيوني لشهدنا اليوم تطاوله مرة أخرى على أراضي المنطقة ابتداء من مصر إلى الأردن والعراق والخليج الفارسي وغير ذلك. نعم، هذا مکسب مهم جداً، بيد أنه ليس المکسب الوحيد للمقاومة، فتحرير جنوب لبنان وتحرير غزة يعدان هدفين مرحليين مهمّين في سياق تحرير فلسطين استطاعا تغيير مسار التوسّع الجغرافي للکيان الصهيوني إلى العکس. منذ بدايات عقد الستينيات هجري شمسي المصادف للثمانينيات من القرن العشرين للميلاد فصاعداً لم يعد الکيان الصهيوني قادراً على التطاول على أراض جديدة، وليس هذا وحسب بل وبدأ تراجعه بالخروج الذليل من جنوب لبنان، واستمر بخروج ذليل آخر من غزة. ولا أحد يستطيع إنکار الدور الأساسي والحاسم للمقاومة في الانتفاضة الأولى. وقد کان دور المقاومة في الانتفاضة الثانية أيضاً أساسياً وبارزاً، تلک الانتفاضة التي اضطرت الکيان الصهيوني في نهاية المطاف إلى الخروج من غزة. کما أن حرب الثلاثة وثلاثين يوماً في لبنان، وحرب الإثنين وعشرين يوماً، وحرب الثمانیة أیام، وحرب الواحد وخمسين يوماً في غزة، کلها صفحات مشرقة في ملف المقاومة تبعث على فخر واعتزاز کل شعوب المنطقة والعالم الإسلامي وکل إنسان تائق إلى الحرية في أرجاء المعمورة.

في حرب الثلاثة وثلاثين يوماً تم عملياً إغلاق کل طرق إمداد الشعب اللبناني والمقاومة البطلة في حزب الله، ولکن بعون من الله وبالاعتماد على الطاقة الهائلة لشعب لبنان المقاوم تکبّد الکيان الصهيوني وحاميه الأساسي أعني الولايات المتحدة الأمريکية، هزيمة فاضحة بحيث لن يتجرّأ بعدها بسهولة على الهجوم على تلك الديار. والمقاومات المتتابعة في غزة التي تحولت الآن إلى حصن منيع للمقاومة، أثبتت عبر عدة حروب متلاحقة أن هذا الکيان أضعف من أن يستطيع الصمود أمام إرادة شعب. البطل الأصلي في حروب غزة هو الشعب الباسل المقاوم الذي لا يزال يدافع عن هذا الحصن بالاعتماد على قوة الإيمان على الرغم من تحمّله الحصار الاقتصادي لعدة سنين. ومن الجدیر أن یقدَّر عالیا کل جماعات المقاومة الفلسطينية مثل سرايا القدس من حركة الجهاد الإسلامي، وکتائب عز الدين القسام من حماس، وکتائب شهداء الأقصى من فتح، وکتائب أبي علي مصطفى من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي کان لها جمیعا دور قيّم في هذه الحروب.

أيها الضيوف الکرام!

ينبغي عدم الغفلة أبداً عن الأخطار الناجمة عن وجود الکيان الصهيوني، ولذلك يجب أن تتوفر المقاومة على جميع الأدوات اللازمة لمواصلة مهامّها. وفي هذا المسار، من واجب کل الشعوب والحکومات في المنطقة وجميع طلاب الحرية في العالم تأمين الاحتياجات الأساسية لهذا الشعب المقاوم، فالأرضية الأساسية للمقاومة هي صمود وثبات الشعب الفلسطيني الذي ربّى بنفسه أبناءه الغيارى المقاومين. تأمين احتياجات شعب فلسطين والمقاومة الفلسطينية واجب مهم وحيوي ينبغي على الجميع العمل به. وفي هذا السياق يجب عدم الغفلة عن الاحتياجات الأساسية للمقاومة في الضفة الغربية التي تتحمل الآن العبء الأصلي للانتفاضة المظلومة. وعلى المقاومة الفلسطينية أن تعتبر من ماضيها، و تتنبّه إلى نقطة مهمة هي أن المقاومة وفلسطين أسمى وأهمّ من أن تنشغل هذه المقاومة بالخلافات التي تحدث بين البلدان الإسلامية والعربية، أو بالخلافات الداخلية للبلدان، أو الخلافات الأثنیة و الطائفیة. على الفلسطينيين وخصوصاً الجماعات المقاومة أن تعرف قدر مکانتها القيّمة ولا تنشغل بهذه الخلافات. من واجب البلدان الإسلامية والعربية وکل التيارات الإسلامية والوطنية أن تعمل لخدمة القضية الفلسطينية و أهدافها. فدعم المقاومة واجبنا جميعاً وليس من حق أحد أن يتوقع منهم توقعات خاصة مقابل المساعدات. نعم، الشرط الوحيد للمساعدة هو أن تصبّ هذه المساعدات باتجاه تعزیز قدرة الشعب الفلسطيني والمقاومة. الالتزام بفکرة الصمود بوجه العدو والمقاومة بکل أبعادها، یضمن استمرار هذه المساعدات. إن موقفنا تجاه المقاومة موقف مبدئي ولا علاقة له بجماعة معينة. أي جماعة تصمد في هذا الدرب فنحن نواکبها، وأي جماعة تخرج عن هذا المسار ستبتعد عنا. وإن عمق علاقتنا بجماعات المقاومة الإسلامية لا يرتبط إلّا بدرجة التزامهم بمبدأ المقاومة.

النقطة الأخرى التي ينبغي الإشارة لها هو الاختلافات بين الجماعات الفلسطينية المتعددة، فاختلاف التصورات بسبب تنوع الأذواق بين المجاميع حالة طبيعية ويمکن تفهّمها، وإذا بقيت عند هذه الحدود فقد تؤدي حتى إلى التآزر والتکامل وإثراء کفاح الشعب الفلسطيني أکثر. بيد أن المشکلة تبدأ عندما تتحول هذه الاختلافات إلى نزاع و - لا سمح الله - إلى اشتباک، وفي هذه الحالة سوف تحبط التيارات المتنوعة قدرات بعضها البعض وتسير عملياً في طريق يريده عدوها المشترك. إن إدارة الخلافات والتباين في التصورات والأذواق فن ينبغي على کل التيارات الأصلية استخدامه، وأنْ تنظم خططها الکفاحية المختلفة بحيث لا تضغط إلّا على العدوّ، وتؤدي إلى تقوية العمل الکفاحي. إن الوحدة الوطنیةعلى أساس الخطة الجهادية ضرورة وطنية لفلسطين يتوقع من کل التيارات المختلفة السعي لتحقيقها من أجل العمل وفق إرادة کل الشعب الفلسطيني.

وتواجه المقاومة هذه الأيام مؤامرة أخرى تتمثل في مساعي المتلبّسين بثياب الأصدقاء الرامية إلى حرف مسار المقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطيني ، لیستفیدوا من ذلک في صفقاتهم السرية مع أعداء الشعب الفلسطيني. والمقاومة أذکى من أن تقع في هذا الفخ، خصوصاً وأن الشعب الفلسطيني هو القائد الحقيقي للکفاح والمقاومة، والتجارب الماضية تدلّ على أن هذا الشعب بوعيه الدقيق للظروف يحول دون مثل هذه الانحرافات، وإذا ما سقط - لا سمح الله - تيار من تيارات المقاومة في هذا الفخ فإن هذا الشعب قادر، کما کان في الماضي، على إعادة إنتاج مستلزماته. إذا ألقت جماعة راية المقاومة أرضاً فمن المتيقن منه أن جماعة أخرى ستظهر من صمیم الشعب الفلسطيني لترفع هذه الراية عالياً.

لا ريب في أنکم أيها الحضور المحترمون سوف تتطرقون في هذا الملتقى لفلسطين فقط، فلسطين التي شهدت في الأعوام الأخيرة للأسف حالات تقصير في الاهتمام اللازم والضروري بها. ولا مراء في أن الأزمات القائمة في مواطن مختلفة من المنطقة و داخل الأمة الإسلامية جديرة بالاهتمام، بيد أن الباعث علی عقد هذا الاجتماع هو قضية فلسطين. ويمکن لهذا الملتقى أن يکون بحد ذاته نموذجاً يقتدى به ليستطيع کل المسلمين وشعوب المنطقة تدريجياً بالاعتماد على المشترکات فيما بينهم احتواء الخلافات، وأن يعملوا ـ من خلال حلّ کلّ تلك الخلافات واحداً واحداً ـ  على تعزيز الأمة المحمدية أکثر فأکثر.

وفي النهاية أرى من الضروري أن أتقدم مرة أخرى بالشکر لکم جميعاً أيها الضيوف الأجلاء على مشارکتکم القيّمة هذه. کما أشکر رئيس مجلس الشورى الإسلامي المحترم وزملاءه في الولایة العاشرة للمجلس على الجهود التي بذلوها من أجل إقامة هذا المؤتمر. وأسأل الله المنّان أن يوفقکم جمیعا لخدمة قضية فلسطين باعتبارها القضية الأهم في العالم الإسلامي ومحور وحدة کل المسلمين والأحرار في العالم.

سلام الله و رحمته على الأرواح الطاهرة لکل شهداء الإسلام، وخصوصاً الشهداء العظام الذين قدّمتهم المقاومة في مواجهتها للکيان الصهيوني، والتحية کذلك لکل الجنود الصادقين في جبهة المقاومة، ونبعث التحية أيضاً إلى الروح الطاهرة لمؤسّس الجمهورية الإسلامية الذي بذل أکبر الاهتمام بقضية فلسطين. نتمنى لکم التوفيق والانتصار.

والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 21 فبراير 2017 - 10:44 بتوقيت مكة