خطاب حزب الله
عكس خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أول أمس في الذكرى السنوية للاستشهاد قادة حزب الله، كيف استطاع حزب الله توظيف الإمكانات "الإسرائيلية" لصالحه في أي مواجهة مرتقبة بينهما، الخطاب الذي يعد بذاته آلية من آليات القوة التي يمتلكها حزب الله ضد الصهاينة في إطار الحرب النفسية وباعتراف العدو قبل الصديق، أبرز مجموعة من النقاط ستفرض معادلات جديدة على العدو "الإسرائيلي".
خزانات الأمونيا
خطاب الأمين العام لحزب الله لفت إلى أن السفينة التي تنقل الأمونيا لفلسطين المحتلة تمثل خمس قنابل نووية وأن المقاومة قادرة على استهدافها أينما كانت، فالسفينة لا تستطيع أن تفلت من صواريخ المقاومة اللبنانية، فعلى افتراض أنه قد تم إفراغ خزان حيفا، على خلفية قرار لمحكمة "إسرائيلية" صدر يوم الأحد الماضي، تأمر فيه شركة حيفا للكيماويات، بإغلاق أكبر صهريج للأمونيا في "إسرائيل"، وهو الأمر الذي يعكس تخوف الكيان الصهيوني من تهديدات حزب الله لهذه الخزانات، فإن نصر الله قال إن خزان الأمونيا أينما أخذ فبمشيئة الله الحزب قادر على استهدافه، وإذا استطاعت تل أبيب تخبئة الخزان فالسفينة الناقلة للأمونيا لا يمكن تخبئتها.
وهنا على تل أبيب أن تأخذ تهديد حزب الله لسفينة الأمونيا على محمل الجد، ففي حرب تموز استطاع حزب الله تدمير أكبر قطعة بحرية في القوات البحرية "الإسرائيلية" وهي ساعر 5، فرغم أنها تعتبر كورفيت بسبب حجمها الصغير بعض الشيء فطولها يبلغ 85م وطاقمها يبلغ 71 بحارًا فقط، إلا أن تسليحها لا يقل عن تسليح أي فرقاطة حديثة بما في ذلك أجهزة التشويش والرادار وأنظمة الدفاع الصاروخي، ويعتقد أن صاروخ (نور) وهو نسخة إيرانية من السي-802 الصيني هو الذي تكفل بتدميرها، ومن مواصفات هذا الصاروخ السّرعة (فوق صوتية)، القدرة على التّشويش على رادارات العدوّ و تجنُّبها، تضليل الرّادارات، دقّة إصابة الهدف، التّوجيه الذّاتي، ويبلغ مدى هذا الصّاروخ حوالي 100 ميل بحري، وثمن هذا الصاروخ بخس إذا ما تمت مقارنته بكلفة ساعر الباهظة، فعلى سبيل المثال البارجة ساعر 6 الواحدة منها يبلغ ثمنها ما يقارب 110 ملايين يورو، هذا السعر وهي فارغة، أي من دون التجهيزات الحربية والإلكترونية الخاصة.
مفاعل ديمونا
يوجد في العالم اعتقاد سائد بأن "إسرائيل" هي سادس دولة في العالم تقوم بتطوير الأسلحة النووية عن طريق مفاعل ديمونا، حيث تتفاوت التقديرات لحجم الترسانة النووية "الإسرائيلية" بين 75 و400 رأس نووي، لكن حزب الله استطاع من خلال تطوير قدراته الصاروخية تحويل شمشون ديمونة إلى سلاح يهدد الوجود الصهيوني نفسه، حيث نصح نصر الله الكيان الصهيوني بتفكيك مفاعل ديمونة النووي، فالمقاومة قادرة على تحويل تهديد السلاح النووي "الإسرائيلي" إلى فرصة لصالح حزب الله في أي حرب مقبلة، فحزب الله قال إن هذا المفاعل النووي قديم ومنتهي الصلاحية، وبالتالي لا يحتاج إلى جهد صاروخي ضخم، والعدو يعلم جيدًا أنه إذا ما أصابت الصواريخ هذا المفعل ماذا سيحل بهم.
تهديد حزب الله للمفاعل النووي لا يقتصر على الصواريخ، فلحزب الله سلاح آخر يتمثل في الطائرات بلا طيار القادرة على اختراق المجال الجوي "الإسرائيلي" والوصول إلى المفاعل "الإسرائيلي"، حيث ذكرت صحيفة “معاريف” الإسرائيليّة أنّ طائرة مجهولة الهوية حلقّت فوق المفاعل النووي في مدينة “ديمونا” الواقعة، في صحراء النقب جنوبي الدولة العبريّة، ودارت في منطقة يحظر فيها الطيران، وأضافت الصحيفة العبريّة أن هذه الحادثة وقعت في العاشر من شهر مارس 2016، مدعيّةً أنّ الطائرة عادت، وغيرت مسارها بعد إطلاق عيارات تحذيرية في الهواء.
صحيفة “هآرتس″ العبرية قالت إنه من المرجح ضلوع منظمة حزب الله اللبنانية في الحادث، بهدف التجسس على مفاعل ديمونا الإسرائيليّ، وأضافت الصحيفة أنّ أحد التقديرات الإسرائيليّة هو أنّ حزب الله أرسل الطائرة بهدف جمع معلومات استخبارية حول مفاعل ديمونا النووي. والجدير بالذكر أن الطائرات بلا طيار قادرة على حمل الأسلحة والمتفجرات.
لواء جولاني
استطاع حزب الله تحويل القوة العسكرية للجندي الإسرائيلي التي تروج لها الماکنة الإعلامية الصهيونية على أنه قوة لا تقهر، إلى نمر من ورق، فاللواء الصهيوني “جولاني” يعرف باللواء رقم 1 في إسرائيل، وهو لواء مشاة ضمن الجيش "الإسرائيلي"، وأحد ألوية ما تسمى بـ”النخبة”، ولكن حزب الله استطاع كسر هيبته في حرب تموز 2006، وهو الأمر الذي أحدث انتكاسة قوية في نفسية الجندي الصهيوني ما زال يعاني منها حتى الآن، ففي خطاب نصر الله تعرض لهذه النقطة وقال: لواء خولاني "الإسرائيلي" الذي قيل إنه الأفضل في العالم فشل في دخول حي الشجاعية في قطاع غزة المحاصر عام 2014.
كما استطاع حزب الله تحويل نقاط القوة التي حاولت "إسرائيل" امتلاكها بإقحام مقاتلي حزب الله في الحرب السورية من خلال أدواتها الإقليمية وتموضع داعش والنصرة على الحدود اللبنانية إلى قوة للحزب نفسه لا ضعفًا، فباعتراف الصحف العبرية فإن المقاتل في حزب الله امتلك خبرة كبيرة في فنون القتال بجميع أنواعها بما في ذلك حرب الشوارع، كما أنه تمرّس على أسلحة لم يكن قادرًا في السابق على امتلاكها أو التعامل معها.
واستطاع حزب الله أيضًا وفي خضم الأزمة السورية ترتيب بيته في الداخل اللبناني، حيث قطع الطريق على الساسة اللبنانيين المناصرين للعدو الصهيوني عن طريق العمالة المباشرة له، أو غير المباشرة كترديدهم المستمر بضرورة نزع سلاح حزب الله لوصولهم إلى سدة الحكم، حيث ساند حزب الله، الرئيس اللبناني المقاوم، ميشال عون، للوصول لكرسي الرئاسة.
الميركافا
دبابة الميركافا هي إحدى نقاط القوة البرية لجيش الاحتلال "الإسرائيلي" التي حولها حزب الله إلى قطعة من الخردة، فعندما انتهت حرب تموز كانت المقاومة قد دمّرت 40 دبابة ميركافا أو 10% من الـ 400 دبابة التي شاركت في الحرب “وهي نسبة مدهشة”، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن حزب الله لم يستهدف الدبابات باستخدام طائرات الهيلوكوبتر أو المدرعات، بل باستخدام الصواريخ المضادة للدروع “كورنيت” بطريقة تتسم، حسب وصف أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين، “بالابتكار والدهاء الشديدين”، فثمن صاروخ الكورنيت ومنظومة إطلاقه الفردية قد لا يتعدى العشرة آلاف دولار، بينما ثمن الميركافا 4 على سبيل المثال ووفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية يبلغ 4.5 مليون دولار.
تجربة حزب الله التي يحاول أن ينقلها لجميع المستضعفين في الأرض في صراعه مع العدو الصهيوني تتلخص في أن إمكانات متواضعة كالصواريخ التي قد لا يتجاوز ثمنها آلاف الدولارات قادرة على إحداث فارق كبير في صراعنا الحتمي مع العدو"الإسرائيلي" إذا ما استهدفت هذه الصواريخ المناطق الحيوية داخله، كالمفاعل النووي وخزانات الأمونيا والمطارات ومنصات الغاز والسفن، وإذا ما تم إضافة عقيدة قتالية صحيحة وإرادة قوية عازمة على المضي قدمًا لتحرير المقدسات الدينية من دنس العدو الإسرائيلي.
* خالد عبد المنعم/ البديل