“.. نحيي الذكرى للاطلاع على التاريخ منذ انطلاق المقاومة وبدء تطور المقاومة والانجازات التي بدأت تسجلها.. نحن نحتاج الى ان نعود الى هؤلاء القادة لنتعلم الزهد منهم عندما تقدم الدنيا علينا ونتعلم منهم الشجاعة والحكمة عندما تواجهنا الصعاب والفتن وان نأخذ منهم الهمة العالية عندما يتعب البعض والإقدام عندما نقصر ونتعلم منهم ان نثق بالله وبمجاهدينا، نأخذ منهم الامل والبصيرة.. نرجع الى هؤلاء القادة لانهم مدرسة فكرية كاملة يجب التعريف بها والتعلم منها..”، بهذه الاستفاضة في كلمته في 16-2-2016 لخص الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله معنى إحياء ذكرى القادة الشهداء في كل عام.
انه قد يسأل سائل لماذا يقوم حزب الله بهذا الحشد السنوي والتحضير في الاعلام والسياسة وعلى المستوى التنظيمي في بلدات وقرى الوطن لإحياء ذكرى القادة الشهداء: سيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي شيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب والقائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية (الحاج رضوان)، والحقيقة ان المسألة تتجاوز موضوع الاحياء التقليدي لذكرى حزبية او التغطية الاعلامية العابرة او الكتابة الصحافية لمجرد الكتابة، لتكون أقرب منها الى محطة سنوية ثابتة لاستنهاض الهمم والتمعن في ما تحقق بفضل هذه الدماء في كل مسيرة المقاومة مرورا بشرح معنى الذكرى للاجيال الصاعدة وابراز معالم كل شخصية من هذه الشخصيات التي تحوّل كل منها لرمز في المقاومة والنضال بوجه العدو بمعناه الضيق في ارض المعركة وبمعناه الاوسع في مختلف جوانب الحياة، وصولا للتأكيد بالسير على هذا الخط دون كلل او ملل ايا كانت الصعوبات ومهما بلغت التضحيات.
ينهلون من مدرسة كربلاء..
وهنا في الاعادة ليس فقط إفادة للقارئ او المتابع، إنما فوائد جمى للجميع، حيث يمكننا التمعن بأهمية ان يكون القادة في طليعة المسيرة وفي مقدمة المندفعين للبذل والعطاء، وهم في ذلك يقتدون بسيرة العظام أبناء العظام وينهلون من مدرسة كربلاء الامام الحسين(ع) وجده النبي الاكرم محمد بن عبد الله (ص) وثلة من الاصحاب والاهل ممن وقفوا الى جنب الرسول في بداية الدعوة وضحوا في حين كان غيرهم يهرب من المواجهة بل كان كثيرون يعادون صاحب الرسالة الاسلامية ويؤذونه في نفسه واهله.
في الحديث عن القادة لا بد من التعريج على الشهداء لان هؤلاء القادة هم في مقدمة القافلة المباركة للشهداء حيث كانوا خير من ضحى وقدم كل ما لديه في سبيل الله والوطن، فمن هؤلاء من ضحى بنفسه فقط ومنهم من ضحى بنفسه وبزوجته وولده الصغير، بل منهم من ضحى بنفسه وأخويه وولده والمسيرة مستمرة ولا ندري من سيلحق بهذه القافلة النورانية لخير ابناء الامة -فمنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا- أيا كانت ساحات الجهاد والمقاومة والتضحية وايا كان الوجه الذي يلبسه العدو، وحول ذلك قال السيد نصر الله في ذكرى أسبوع الشهيد القائد مصطفى بدر الدين(السيد ذوالفقار) في 20-5-2016 “بالنسبة إلينا مقام الشهداء ودرجة الشهداء والشهداء، هذه المقامات والدرجات ترتبط بأولئك الذين يقتلون في سبيل الله عز وجل في مواجهة الإحتلال أو في مواجهة العدوان أو في الدفاع عن شعبهم وأهلهم وأمتهم ومقدساتهم وقيمهم ودينهم وقضاياهم المركزية وعن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يُقتلون وهم يواجهون مشاريع الهيمنة الاستكبارية الأمريكية والإسرائيلية على بلادنا وعلى منطقتنا.. هؤلاء هم الشهداء، سواء قُتلوا بيد إسرائيلية أو بيد أمريكية أو بيد تكفيرية أو بيد أي عميل يقاتل في الجبهة الأخرى..”.
وبالانتقال الى عامة الناس يمكن استطلاع آراء عينات من جمهور المقاومة للوقوف على معنى هذه الذكرى بالنسبة لهم ولماذا يحيوها وما السبب لاهتمامهم بها في كل عام؟ وكيفية تعبيرهم عن هذا الاهتمام؟ هل هو عبر المشاركة الشخصية والفعلية في فعاليات الذكرى في مختلف المناطق ام عبر متابعة البرامج الخاصة عن القادة الشهداء في وسائل الاعلام المختلفة او عبر المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الانشطة الممكنة في المدن والقرى اللبنانية؟
وجوانب التعلم من هؤلاء القادة تكاد لا تنتهي، فمن الشيخ راغب حرب نتعلم الزهد في الدنيا والرغبة في رعاية الايتام ورفع شأن القرى المستضعفة، بالاضافة الى رفضه اعطاء العدو الاسرائيلي اي موقف يعطيه “الشرعية” ولو الصورية لاحتلال الارض والاعتداء على قيم اللبنانيين عامة والجنوبيين خاصة، ومن السيد عباس نتعلم التواضع والقرب من الناس في يومياتهم وملازمة المجاهدين في لياليهم وفي مرابطاتهم على خطوط التماس وفي النقاط المتقدمة مع العدو دون ان يشغله كل ذلك عن متابعة الحياة الخاصة للمجاهدين في احتياجاتهم اليومية والقدرة على تجاوز صعوبات الحياة، اما من الحاج عماد فهو القائد الذي يعتبر باعتراف الجميع صانع الانتصارات الكبرى لهذه المسيرة ويكفي انه هو المؤسس لمقاومة عصرية عملها مؤسساتي احترافي متطور سبقت محيطها بفترات والتجربة التي تعيشها اليوم تؤكد حسن العمل المبدع الذي زرعه الحاج رضوان مع رفاقه وتلامذته من الشهداء والمجاهدين في هذه المقاومة، بالاضافة الى معانٍ لامتناهية يمكن استخلاصها في هذه الذكرى سواء على الصعيد الشخصي او الصعيد العام.
القادة في وجدان الناس..
حول ذلك قالت منال (لبنانية تعيش في بيروت) إن “إحياء ذكرى الشهداء مناسبة لتجديد العهد للوطن بالدفاع ومواجهة الأخطار التي تهدد الأمن والاستقرار الوطنيين من قبل العدو الاسرائيلي والجماعات التكفيرية”، واعتبرت ان “هذه الجماعات صارت اليوم أشد خطرا على الوطن من الكيان الغاصب بهدف استنزاف لبنان وإضعافه في سبيل مصلحة إسرائيل”.
أما آمال (وهي لبنانية من الجنوب تعيش في الضاحية الجنوبية لبيروت) فأكدت “كونهم شهداء فهم نالوا مرتبة وحصدوا ما لم يمكن لنا أن نعطيهم إياه من حقوق”، واضافت “أما واجبنا اتجاههم فهو الحفاظ على إنجازاتهم لا العيش على نشوة انتصاراتهم”.
من جهته، قال محمد (لبناني من الجنوب) إن “إحياء ذكرى شهدائنا دين علينا يستوفونه منا عندما نخلد أفعالهم ونحيي ذكراهم ومواقفهم والسير على خطاهم لأنهم منحونا الأمن والأمان في حياتهم وبعد استشهادهم”.
في حين يقول علي (لبناني في السبعين من العمر) “الحقيقة عندما كنا بعمليات للمقاومة في مطلع الثمانيات وحتى في التسعينات ما كنا نتوقع ان هذه المقاومة ستحقق كل هذه الانتصارات، ربما لاننا ما كنا نؤمن كما آمن هؤلاء القادة ان النصر قريب او اننا لا نملك حسن البصر والبصيرة كما هم”.
دورها، رأت جنى (فتاة لبنانية في 17 من العمر) ان “الحفاظ على مثل هذه المناسبات وبالتحديد هذه الذكرى تعزز الروابط الروحية بين أبناء وجمهور المقاومة وتزيد من وحدته”، واشارت الى ان “هذا الشعب يظهر كيد واحدة لا سيما في أوقات الشدة وهذا ما أظهرته تجربة حرب تموز 2006″، وأكدت ان “الاستمرار بإحياء هذه المناسبة يثبت الافتخار بالشهداء وعزم النية على السير على خطاهم في قتال العدو”.
أما ندى (فتاة لبنانية في 16 من العمر) فتعتبر ان “البعض اليوم يحملون السلاح لمناصرة الحق بوجه الظلم والسير على خط هؤلاء القادة بينما البعض قد يعبر عن تأييده لهذا النهج عبر الكلمة وعبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي أمست مدونة الناس وسبيلهم لايصال افكارهم”، واضافت “أنا أجد هذه الطريقة فعالة وأتّبعها”.
ودعا حسين (لبناني يعمل استاذ) لتسليط الضوء على سير وحياة هؤلاء القادة وان يتم عرضها بطريقة عصرية لايصالها في كل زمان ومكان لاكبر عدد ممكن من الناس وكي تؤثر في الفتيان والاجيال الصاعدة بشكل خاص من جهة وكي يتطلع كافة الناس على عظمة القادة بما يوفيهم بعضا من حقهم.
بقلم:ذوالفقار ضاهر
المصدر:المنار