بعد 94 عاما من إلغاء النظام القَبَلي في محاكم البحرين قسرا، بعيد الإصلاحات البريطانية في العام 1923، يتّجه النظام القضائي في البحرين، لأوّل مرة لأن يكون تحت حكم العسكر بشكل مباشر، دائم ومقنّن.
ويقول نص المادة 105، المراد تعديلها، إنه "يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التي تقع من أفراد قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يمتد إلى غيرهم إلا عند إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يقررها القانون".
في حين يقول النص البديل المقترح إنه "ينظم القانون القضاء العسكري ويبين اختصاصاته في كل من قوة دفاع البحرين والحرس الوطني وقوات الأمن العام". وهو ما يعني إتاحة المجال للقضاء العسكري لمباشرة القضايا المدنية بدلا من القضاء المدني، وترك المجال للقانون من أجل تحديد نطاق اختصاصه.
المذكّرة الشارحة: الجيش أم الخوالد
وبحسب المذكرة الشارحة، والتي أعدتها هيئة التشريع والإفتاء القانوني، وبعث بها رئيس الوزراء البحريني إلى المجلس الوطني، فإن الهدف من التعديل بشكل صريح هو بسط سلطات الجيش ليمتد اختصاص القضاء العسكري فيشمل مطلق "الجرائم"، وزيادة التمكين للجهات العسكرية وتوسيع نطاق الأماكن الخاضعة لها.
وفي إشارة نادرة، قال التقرير الرسمي في تبريره للتعديل المطلوب، علنا، إن الجيش في حالة انتشار فعلي على أرض البلاد، وهو ما يمكن أن يفسّر مدى انخراط العسكر في إدارة الشئون الداخلية للبلاد، ومدى خضوع العديد من القرارات الأمنية والسياسية لهم.
وكان محللون غربيون قد ألقوا الضوء بشكل كبير على تصاعد دور فرع الخوالد من العائلة الحاكمة في إدارة شؤون البلاد، عبر قياداته الثلاثة، القائد العام للجيش المشير خليفة بن أحمد آل خليفة، وأخيه وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد، وابن أختهم وزير شؤون الديوان أحمد بن عطية الله، المسؤول عن فضيحة تقرير البندر.
وقد تم ربط المقترح بما قيل إن منطقة الخليج الفارسي والمنطقة العربية عامة تمر به من أزمات وتداعيات متلاحقة وتفشي ظاهرة الإرهاب ووقوع حروب إقليمية، حسب المذكرة.
بعد فشل الداخلية و"أمن الدولة": دولة بوليسية بقيادة الجيش
الصورة الكاملة للتعديل المقترح لن تكتمل إلا لاحقا بعد إقراره، وذلك بصدور قوانين من المجلس الوطني، أو مراسيم بقوانين من الملك مباشرة، لتنظم بالتفصيل سلطات القضاء العسكري من جديد.
ولكن حسب مختصين، فإن هذا التعديل قد يعني أن يكون للنيابة العامة أن تختار قضايا مدنية تقوم بتحويلها إلى القضاء العسكري، وأن يكون للقضاء العسكري أن يصدر أحكامه على المدنيين، وأن يقوم بحبسهم أو سجنهم في السجون العسكرية الخاضعة للجيش، وأنه في حالة وجود أحكام بالإعدام، فإن للقضاء العسكري أن يقوم بتنفيذها دون تدخل وزارة الداخلية.
وسينتج عن هذه التعديلات، بحسب المختصين، تسريع إجراء المحاكمات، وإحاطتها بالسرّية، وتغليظ العقوبات الصادرة عنها، وتقليص ضمانات الدفاع، والحق في الحصول على محاكمة عادلة، فضلا عن خلق أجواء حكم بوليسية أكثر ترهيبا من ذي قبل.
ومن الممكن أن يقتصر التعديل على النظر في قضايا "الإرهاب"، وذلك في مقاربة واضحة لفترة قانون "أمن الدولة"، الذي كانت القضايا السياسية فيه تخضع لمحاكم خاصة، منذ إنفاذ القانون بعد حل المجلس الوطني في العام 1975 وحتى إلغائه في العام 2001.
ويبدو أن مشروع الملك الجديد مؤشّر على إحباطه من قدرة الأجهزة الأمنية والقضائية الحالية على وقف دوّامة العنف والاضطّرابات في البحرين، ونيّته تحويل البلاد رسميا إلى حكم عسكري يطبق سلطاته بشكل غير مسبوق حتى على أجهزة القضاء.
وفضلا عن إطلاق صلاحيات جهاز الأمن الوطني ومنحه سلطات الاعتقال من جديد مؤخرا، بعد سحبها منه تنفيذا لتوصيات لجنة تقصي الحقائق، سيعمل التعديل الجديد على تغيير شكل النظام القضائي تغييرا جذريا يعيده إلى ما قبل إصلاحات العام 1923، لتدخل البحرين مرحلة يتوقع أن تكون أسوأ من مرحلة قانون أمن الدولة، الذي ظل قضاته من المدنيين، رغم كل الشكل البوليسي الذي كان يعمل به.
القضاء العسكري يحاكم انتفاضة 2011 وبسيوني ينتقده
وسبق للقضاء العسكري، في مارس/آذار 2011، أن عطّل أعمال النيابة العامة والقضاء المدني، وتولى جميع القضايا الأمنية والسياسية التي تشكّلت في أعقاب حملة القمع ضد الآلاف من تيار المعارضة من سياسيين وناشطين وعامة المواطنين الذين اشتركوا في احتجاجات انتفاضة 14 فبراير.
وانتقدت لجنة تحقيق مستقلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 الأحكام التي صدرت عن القضاء العسكري ومختلف إجراءاته القانونية، وسكوته عن ادّعاءات المعتقلين بتعرّضهم للتعذيب، وظروف السجن الوحشية التي عانى منها المعتقلون تحت سيطرة الجيش.
كما دعت لجنة تقصي الحقائق التي ترأسها البروفيسور شريف بسيوني إلى مراجعة دستورية مرسوم السلامة الوطنية الذي صدر عن الملك ليبيح للقضاء العسكري مزاولة هذه السلطات، إذ دعت إلى النظر في الطعن الذي قدّمه المحامون في هذا المرسوم، بناء على تقييد الدستور سلطات القضاء العسكري بالجرائم العسكرية، وعدم مدّها إلى القضايا المدنية إلا في إعلان حالة "الأحكام العرفية" وليس حالة "السلامة الوطنية".
لكن المحكمة الدستورية رفضت الطعن، وحكمت بدستورية المرسوم رغم كل ما أشكل عليه.
تعريف القضايا "الإرهابية"
ومنذ انتفاضة 14 فبراير/شباط 2011، بات من المعلوم أن القضايا التي يحمّلها جهاز الأمن البحريني مضامين "إرهابية" هي القضايا التي تتعلق بكافة أشكال الاحتجاجات السياسية بدءاً من التجمهر والخروج في مسيرات سلمية، وكافة أشكال المواجهات بين المحتجين السياسيين مع قوات الأمن من إلقاء الحجارة وإلقاء (المولوتوف)، وقطع الطرق بالحجارة أو إشعال إطارات السيارات، وكذلك إيواء مطلوبين سياسيين، أو حتى إسعاف مصابين من المحتجين السياسيين الذين يسقطون أثناء المواجهات مع قوات الأمن.
المصدر: مراة البحرين