كثيرون في المنطقة يتوقعون عودة التوتر الذي ساد عهد جورج بوش الإبن حين خاضت الولايات المتحدة وإيران حرباً خفية في العراق، وارتفع التوتر السني الشيعي في جميع أنحاء المنطقة وخاضت إسرائيل حرباً قاسية مع حزب الله حليف إيران في لبنان، إلا أن الولايات المتحدة تواجه اليوم إيران أقوى بكثير، استفادت من السنوات الست الماضية من الاضطرابات في العالم العربي، من أجل توسيع انتشارها وقدراتها العسكرية.
صحيح أن الاتفاق النووي الموقع عام 2015 حدّ من قدرة إيران على تصنيع سلاح نووي، وهو ما نفته إيران باستمرار، إلا أنها في الوقت نفسه طوّرت قدراتها الصاروخية على ضرب القواعد الأميركية والحلفاء في الشرق الأوسط وأقامت شبكة من التحالفات حوّلتها إلى اللاعب الإقليمي الأكثر قوة.
إيران الآن في ذروة نفوذها على قوس ممتد من طهران إلى البحر المتوسط، من حدود الناتو إلى حدود إسرائيل وعلى امتداد الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية، يضاف إلى ذلك أنه يأتمر بها عشرات آلاف الميليشيات الحليفة وجيوش بالوكالة يقاتلون في الجبهات الأمامية في سوريا والعراق واليمن.
وخلص معهد دراسات الحرب في تقرير له الأسبوع الماضي إلى أنه للمرة الأولى في تاريخها طوّرت إيران قوتها العسكرية التقليدية لكي تصل إلى مئات الأميال خارج حدودها، معتبراً أن هذه القدرة التي تملكها قلّه من الدول، ستغيّر على نحو جذري الحسابات الاستراتيجية وميزان القوى في الشرق الأوسط.
حلفاء أميركا من السنة العرب الذين انتقدوا تردد الإدارة الأميركية تجاه توسع النفوذ الإيراني يتطلعون لنهج أميركي يقوم أكثر على المواجهة. لدرجة أنه جرى تقزيم أي شكوك لديهم حول سياسة ترامب المعادية للمسلمين لمصلحة حماسهم لرئيس أميركي يعتقدون أنه سيردع إيران.
وقال الدبلوماسي السعودي السابق عبد الله الشمري "نحن سعداء جداً ومتحمسون لترامب الذي نتوقع منه أن يتعامل مع الإيرانيين كتهديد نظراً لتصنيعهم الصواريخ وتدخلهم في شؤون البلدان الأخرى".
بالرغم من ذلك فإن ما تنوي الإدارة الأميركية القيام به حيال إيران غير واضح. وفي ظل حضور إيران الممتد في جميع أنحاء المنطقة من الصعب أن نرى كيف يمكن لهذه الإدارة أن تغيّر الوضع بسهولة من دون زعزعة استقرار الحلفاء وتعريض الأميركيين للخطر وتقويض الحرب ضد داعش والإخلال بالتوازن الإقليمي الذي برز مع تراجع الإدارة الأميركية وفق ما يقول محللون.
لم تعط الإدارة الأميركية أي إشارة إلى عزمها إلغاء الاتفاق النووي لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إن الهدف هو احتواء الأنشطة الواقعة خارج نطاق الاتفاق مثل برنامج الصواريخ البالستية وما سماه أحد المسؤولين بـ"أنشطة زعزعة الاستقرار" للحرس الثوري ووكلائه.
حتى الآن اقتصر الرد الأميركي على اختبار إيران للصاروخ البالستي الأسبوع الماضي والهجوم على سفينة سعودية في البحر الأحمر من قبل الحوثيين في اليمن، على العقوبات التي أعلنتها وزارة الخزانة الأميركية ضد أشخاص وكيانات متورطة في البرنامج البالستي وتحريك البنتاغون المدمرة "يو أس أس كول" باتجاه السواحل اليمنية بما يشير إلى أن تسليح إيران للحوثيين قد يكون أول الأهداف الأميركية.
وفق محللين فإن إيران خلصت إلى أنه ليس من مصلحتها الانخراط في مواجهة مع إدارة جديدة لا يمكن التنبؤ بها. لكن مطلعين على السلوك الإيراني في المنطقة استبعدوا تنازل إيران عن مكتسباتها.
النائب في البرلمان العراقي موفق الربيعي الذي عمل لسنوات على سدّ الفجوة بين إيران وأميركا في بلاده، يقول إن العراق وإيران والولايات المتحدة يشكلون معادلة متوازنة جداً وعلى ترامب أن يتعامل مع ذلك بدقة متناهية.
إحدى الجماعات المدعومة من إيران والتي تقاتل حول الموصل هم كتائب حزب الله العراق الذين استهدفوا أيضاً الجنود والقواعد الأميركية في ذروة التوتر الإيراني الأميركي منذ عقد من الزمن. هؤلاء وفق المتحدث باسمهم جعفر الحسيني لن يترددوا في مهاجمة القوات الأميركية إذا ما حاولت الولايات المتحدة إضعاف دور إيران في العراق. يقول الحسيني إن المصالح الأميركية في العراق تحت مرمى نيراننا. ويمكننا مهاجمة قواعدهم كلما أردنا ذلك.
من الصعب أيضاً أن نرى كيف ستعمل الولايات المتحدة من أجل الحدّ من نفوذ إيران واسع النطاق الذي اكتسبته خلال الحرب في سوريا، هناك حيث قاتلت إيران وروسيا معاً من أجل بقاء نظام الرئيس بشار الأسد فيما تسعيان اليوم إلى تسوية إقليمية بالتحالف مع تركيا تستبعد أي دور للولايات المتحدة التي تراجع تأثيرها.
فتركيا تسيطر على الأجواء فوق سوريا وتمتلك تركيا نفوذاً كبيراً على المسلحين لكن إيران هي من يمسك الأرض من خلال الميليشيات الشيعية من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، التي زوّدت الجبهات بالقوة المقاتلة من شمال حلب عند الحدود التركية إلى هضبة الجولان المحاذية لإسرائيل جنوباً.
وفق مصطفى العاني مدير مركز الخليج للأبحاث في دبي فإن وعود ترامب بالحدّ من نفوذ إيران تتناقض مع رغبته المعلنة بالتعاون الوثيق مع روسيا في سوريا ودعم الأسد، لأن إيران هي حليف لهذين الاثنين، معتبراً أن "ترامب لن يكون قادراً على احتواء إيران في حال دعم الأسد. لا يمكن القيام بالأمرين معاً". وأضاف "إن الحل يكمن في الإطاحة بالأسد الذي حماه التدخل الإيراني" معرباً عن اعتقاده بأن احتواء إيران ليس بهذه الصعوبة لأنها تتعرض لضغط هائل جداً".
لكن حتى هؤلاء الذين يحتفلون بالتحوّل في السياسة الأميركية لا يبدون متأكدين جداً من ذلك.
المصدر: "واشنطن بوست"