ماذا بعد التمديد للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى؟

السبت 28 يناير 2017 - 13:29 بتوقيت مكة
ماذا بعد التمديد للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى؟

منذ استقلال لبنان سنة 1943 والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للطائفة الشيعية تتنازعها معادلة التوازن بين مختلف الطوائف اللبنانية بحيث بقي الشيعة على الأطراف مهمّشين اقتصادياً واجتماعياً، يحاصرهم الحرمان والبؤس.

وفي ظل سياسة إقطاع كان يمارسها نظام سياسي يرتكز على مبدأ التصنيف الطائفي والمذهبي والمناطقي، ويعتمد في سلوكياته وأدبياته السياسية على الاستئثار بالسلطة والهيمنة على مختلف مرافق الدولة ومفاصلها المالية والعسكرية، وفي ظل إبعاد شبه كلي للطائفة الشيعية التي كانت تكابد الفقر وصعوبة الحياة، لا سيما في البقاع والجنوب حيث كانت المعاناة كبيرة بسبب تزايد الإهمال وغياب المؤسسات وقصور الدولة في تأدية واجباتها، تجاه المواطنين الشيعة الذين كانوا ضحية تواطؤ مزدوج بين السلطة والنخب المستأثرة بها آنذاك.
الإمام الصدر وإنشاء المجلس
في ظل هذه الأوضاع، جاء الإمام موسى الصدر إلى لبنان، وكان ذلك سنة 1957، ليستقر فيه نهائياً سنة 1959. ويبدأ مسيرته المطلبية والإصلاحية لا سيما في ما يتعلق بحقوق الطائفة الشيعية ودورها الذي كاد أن يكون مغيباً، يؤازره في ذلك بعض المخلصين، ومن أهم ثمرات هذه المسيرة إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، حيث أظهرت الحاجة ضرورة تنظيم شؤون الطائفة من خلال مجلس يرعاها أسوة بباقي الطوائف.
وبالرغم من المعارضة داخل الطائفة وخارجها، عقد الإمام موسى الصدر مؤتمراً صحفياً بتاريخ 15-حزيران-1966، عرض فيه آلام الطائفة ومظاهر حرمانها، مبيّناً الأسباب الموجبة لإنشاء هذا المجلس. وهكذا أتت الدعوة ثمارها وأقر مجلس النواب اللبناني اقتراح إنشائه بتاريخ 16-أيار-1967.
ويُعَد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المرجعية الرسمية لدى الطائفة الشيعية في لبنان، وهو يتبع رئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، عام 1969 انتخبت الهيئة العامة للمجلس الإمام موسى الصدر (مواليد 1928) أول رئيس له لمدة ست سنوات عملاً بالقانون الداخلي للمجلس، وفي عام 1975، نُظّمت الإنتخابات في موعدها، وأُعيد انتخاب الامام الصدر رئيسا، وبعد تغييب الامام الصدر ثم استقالة الشيخ سليمان اليحفوفي من منصب نائب رئيس المجلس، عُين الشيخ محمد مهدي شمس الدين نائباً للرئيس وفي عام 1994 تم انتخابه رئيساً بعدما أنهى الامام الصدر السن القانونية عام 1993 (65 عاما)، وانتخب المفتي الجعفري الممتاز في حينه الشيخ عبد الأمير قبلان نائباً له، وقد تأخر انتخاب رئيس أصيل للمجلس بعد وفاة رئيسه عام 2001.

اقتراح القانون التمديد للمجلس       

في 17/1/2017 وخلال جلسة تشريعية لمجلس النواب اللبناني عمد نواب حركة أمل وحزب الله الى تقديم اقتراح قانون من خارج جدول اعمال الجلسة يرمي إلى تمديد ولاية الهيئتين الشرعية والتنفيذية في المجلس لمدّة ثلاث سنوات من تاريخه، وملء المراكز الشاغرة فيها وتعديل بعض احكام قانون المجلس بمادة وحيدة، واقر مجلس النواب هذا الاقتراح باعتباره يخصّ الطائفة الشيعية واغلبية نواب الشيعة موافقون على اقراره.

المجلس والمعارضة

هذا القانون لم يضع حدا للمعارضين الذين يشنون من وقت لآخر حملات انتقادات واسعة ويتهمونه بأنه فاقد للشرعية القانونية ومنتهي الصلاحية فاستمرت الحملات حيث يسأل هؤلاء عن المبرر للتمديد وما الذي يحول دون اجراء انتخابات في المجلس لهيئتيه الشرعية والتنفيذية منذ العام 1975 اي منذ 42 عاما علما ان الانتخابات يجب ان تتم كل ست سنوات”؟

مصادر مطلعة في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى قالت لوكالة شفقنا “أن هذا القانون وضع الامور في نصابها الصحيح وفضلا على انه رد على كل من وصف المجلس تارة بأنه غير مطابق للمواصفات وطورا “بمنتهي الصلاحية”، فهو قانون هام جدا كرس جميع الاعمال القانونية الصادرة عن المجلس في الفترة المنصرمة.

وحول عدم اجراء الانتخابات تشير المصادر الى أن الظروف التي مرّ بها لبنان منذ اختطاف الامام الصدر وصولا الى الفراغ والتعطيل لم تسمح بذلك مشيرة الى ان الانتخابات تحتاج الى تنظيم الهيئة العامة الناخبة والتي تضخمت كثيرا بعدما كان العدد حوالي 40 الف مواطن وتنظيمها يحتاج الى احصاءات ولوائح شطب جديدة وربما يحتاج لاعادة النظر في قانون تنظيم الطائفة ككل.

وتضع المصادر الحملات المتكررة على المجلس في خانة التجاذبات السياسية في لبنان رغم ان المجلس كان الداعي دائما الى الوحدة الوطنية.

من هو رئيس المجلس القادم؟

ومن المتوقع انه بعد نشر القانون في الجريدة الرسمية سيجتمع المجلس وسيتم ملء الشواغر في هيئتيه الشرعية والتنفيذية ويتم بعد ذلك انتخاب رئيس ونائب اول ونائب ثاني وتشير المصادر الى ان النائب الحالي للمجلس أي الشيخ عبد الامير قبلان سيتولى الرئاسة (بعد تعديل القانون) وانه تم الاتفاق على القاضي الشيخ علي الخطيب نائبا للرئيس.

المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى يشبه اليوم موسى الصدر؟

رغم ان القيمين على المجلس حافظوا منذ اختطاف رئيسه ومؤسسه الامام الصدر على تراثه الا ان أداءه لم يرق الى مستوى الهدف الذي انشء من اجله وهو تنظيم الطائفة بمؤسساتها الدينية والثقافية والاجتماعية، فمنذ تغييب الامام الصدر تراجع دور المجلس كثيرا وتشتت الصلاحيات التي جهد الامام الصدر للحصول عليها واصبحت هذه الصلاحيات تمارسها الجمعيات الوهمية وغير الوهمية وتتجاذبها السياسة في بعض الاحيان، وبقي الوضع على حاله حتى العام 2011 وبالتحديد تاريخ صدور النظام العام الذي حمل الرقم 20/2011 والمنشور في الجريدة الرسمية في العدد 4/2011 والذي اعتبر بموجبه جميع المساجد والحسينيات ودور العبادة التي يشيدها المسلمون الشيعية او حيث تواجدهم أوقافا عامة للطائفة الاسلامية الشيعية تحت سلطة المجلس الذي يعتبر المرجعية الدينية للطائفة الشيعية والأمر له.

وتقول المصادر ان هناك جهات تسعى ليأخذ المجلس دوره ويمارس كامل صلاحياته المنصوص عليها في القانون كما وتشدد المصادر على ان هذه الجهات تسعى ايضا الى ان يتصدى المجلس لشؤون الطائفة التنموية والاجتماعية انطلاقا مما اعلنه الامام الصدر والبدء بانشاء مشاريع استثمارية على امتداد مساحة الوطن وتعود بالنفع العام على ابناء الطائفة بالتوازي مع اعادة هيكلية الكادر الاداري والوظيفي في المجلس من خلال تكريس وتفعيل دور عنصر الشباب وتعبئة الشواغر من داخل الملاك بشباب كفوء دون اي تدخلات.

اعتصام الامام الصدر

في ظل ما يجري اليوم في لبنان والعالم الاسلامي من تشظيات وفتن تفكك مجتمعاته يبقى المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى هو المؤسسة الوطنية الضامنة للطائفة الاسلامية الشيعية ومكوناتها للوصول الى هدف وحلم ورؤية الامام الصدر، ليبقى السؤال هل ينهي القانون الجديد قصة ابريق الزيت حول الانتخابات والصلاحيات ليبدأ خير العمل في كل الوطن أم أن التعيينات الاتية ستفتح باب الانتقادات من جديد؟

* حسين شمص/ شفقنا

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 28 يناير 2017 - 12:57 بتوقيت مكة