في الثاني من نيسان/ أبريل 2011، اعتقلت السلطات البحرينية زكريا العشيري.. جريمة الصحافي البحريني كانت يومها “العلاقة بلجنة حماية الصحفيين” التي كانت تلاحق الانتهاكات بحق الصحفيين في البحرين. وفي التاسع من الشهر نفسه، سُمع في المعتقل صوت أحد الحراس يقول: “لقد مات”.
مات العشيري نتيجة للتعذيب المبرح، أثارالكدمات تركت علاماتها على جسده. من كان المسؤول عن كل ذلك؟ إنه جهاز الأمن الوطني الذي أعاد له ملك البحرين صلاحيات صفة “الضبطية القضائية” بموجب المرسوم الذي حمل رقم (1) لهذا العام.
التعذيب الذي مارسه الجهاز البحريني لم يوقع بالعشيري فقط. ناشر صحيفة “الوسط” البحرينية كريم العشراوي قضى ضحية وجبات التعذيب نفسها، وفق ما أفضت إليه تحقيقات “اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق” أو ما يُعرف بـ “لجنة بسيوني” التي عيّنها ملك البحرين.
تضمنت توصيات “لجنة بسيوني” فقرة توقفت عند عمل جهاز الأمن الوطني. أوصت اللجنة في الفقرة (1718) بتعديل المرسوم الخاص بتأسيس الجهاز “لإبقائه جهازاً معنياً بجمع المعلومات الاستخبارية دون إنفاذ القانون أو التوقيف”.
في أول مرسوم صادر للعام 2017، يبدو أن النظام البحريني قرر أن يعير ظهره بالكامل لما جاء في هذه التوصية. ليعيد حمد بن عيسى آل خليفة منح الجهاز صفة الضبط القضائي.
وكالة أنباء البحرين نقلت عن مصدر بحريني موالٍ للنظام، إن “الضبطية القضائية لمنتسبي جهاز الأمن الوطني ستقتصر فقط على الجرائم الإرهابية فقط”. إلا أن من يحدد الجرائم الإرهابية من عدمها في البحرين، هو نفسه من أسقط الجنسية عن مثقفين ونشطاء سياسيين في البحرين وأدرج أسماءهم في الخانة نفسها مع اسم تركي البنعلي مفتي “داعش”، وهو نفسه من يسقط الجنسية عن آية الله الشيخ عيسى قاسم، ويعتقل زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان، ويُبقي على نبيل رجب قيد الاعتقال.
لا تقتصر المسألة على إعادة صلاحيات الجهاز الأمني فقط، ثمة من يتحدث عن أمر بالغ الخطورة يتعلق بدور كبير تلعبه الاستخبارات البريطانية على الساحة البحرينية في الداخل. القوات البريطانية التي خرجت من بوابات البحرين في آب/أغسطس 1971، تعود إلى البلاد بدور استخباراتي. لن تكون العودة صادمة فيما لو عدنا بالذاكرة إلى تصريح الملك البحريني خلال حفل أقيم لاستقباله في لندن، توجه يومها إلى المسؤولين البريطانيين متسائلاً عن سبب خروج قواتهم من البحرين… قال حمد بن عيسى: “تساءل والدي عن سبب اتخاذ بريطانيا لذلك القرار من جانب واحد قائلاً: لماذا: هل طلب منكم أحد الذهاب؟”
حسابات مقربين من النظام في البحرين تحدثت قبل أيام عن دور يلعبه جهاز الاستخبارات البريطاني الخارجي ” MI6″ على الساحة البحرينية… من هو هذا الجهاز، وماذا يفعل في البحرين؟
يعرّف ” MI6″ عن نفسه بأنه أحد أذرع جهاز الخدمة السرية الاستخبارات (SIS)، ويقول: “مهمتنا واضحة، نحن نعمل سراً في الخارج، عبر إقامة اتصالات وجمع المعلومات الاستخبارية الأجنبية التي تساعد على جعل المملكة المتحدة أكثر أمناً وازدهاراً”.
“نحن نساعد المملكة المتحدة لتحديد واستغلال الفرص وكذلك لتجاوز المخاطر التي تمس أمنها القومي، وقوتها العسكرية واقتصادها… نحن هنا للمساعدة في حماية شعب واقتصاد ومصالح المملكة المتحدة.”
إذاً ينظر جهاز الاستخبارات البريطاني إلى النظام البحريني على أنه أحد المصالح البريطانية التي ينبغي الحفاظ عليها. يعمل هذا الجهاز على جمع المعلومات الاستخبارية في البحرين عن كل من يصنفهم النظام خطراً عليه، ومن ثم يجري توظيف كل هذه المعلومات في عمليات الملاحقة أو الضبط التي أُعيدت صلاحياتها لجهاز الأمن الوطني في البحرين.
هكذا تكون بريطانيا قد عادت إلى البحرين، وفي الحقيقة فإنّ التواجد البريطاني “ظلّ حاضراً ومن دون أي تغيير في جميع الأغراض الاستراتيجية والعملية” وفق كلام الملك البحريني في حفل استقباله. “ونحن نظن بأننا لن نستغني عنه”، أضاف يومها.
لا يمكن للنظام البحريني أن يستغني بالفعل عن الحضور البريطاني في الداخل. النظام السياسي لا بُد له وأن يستند إلى ركيزة، ومتى ما فُقدت الإرادة الشعبية الداعمة لا بد من دعم خارجي يفرض بقاء هذا النظام. هكذا دُعمت أنظمة مشيخات الخليج الفارسي، وفق ما يوثق تاريخ شبه الجزيرة العربية، وهكذا يستمر حكمهم.
في قمة دول الخيج الفارسي رقم (37)، شاركت رئيسة الوزراء البريطانية تيريز ماي كـ “ضيفة شرف”. في الوقت الذي تستعد ماي لسحب عضوية بلادها من الاتحاد الأوروبي، كان لا بد لها من البحث عن حلول بديلة من شأنها أن تنعش مصالح بلادها. الأسباب نفسها التي دعت بريطانيا إلى استعمار المنطقة، تحضر اليوم. المملكة المتحدة بحاجة إلى أسواق ولاستثمارات ولنفوذ، قد تحققها في الخليج الفارسي.
في القمة المذكورة والتي استضافتها المنامة، تحدثت “ماي” باللغة التي يحبها قادة البحرين والسعودية. غازلت ودّهم من خلال مهاجمتها إيران.. وقالت لهم إن ” أمن "الخليج" من أمن بريطانيا”.
تعلم ماي أن بلادها بحاجة إلى أسواق الخليج الفارسي، لكنها تدرك أيضاً أن الأنظمة هناك بحاجة إلى دعامة بوجه الرفض الشعبي الذي يظهره البحرينيون، ويكتمه السعوديون خوفاً.
اليوم تمد بريطانيا اليد لتدعيم العروش، بانتظار أن تُفتح أسواق الخليج الفارسي أمام مصالح المملكة، التي تتطلع لأن تعود “عظمى”.
* اسراء الفاس/ المنار