الثمن الذي دفعه الشعب :
بعد جهاد متواصل استمر مدة عام ونيف وبعد التضحية بما يزيد عن ستين ألف شهيد ومئة ألف جريح ومعاق، وبعد خسارة مالية بلغت المليارات من التومانات (العملة الإيرانية)، بعد ذلك كله أينعت نبتة الثورة وسط هتافات (استقلال، حرية، جمهورية إسلامية)، وهكذا انتصرت هذه النهضة العظيمة معتمدة على الإيمان والوحدة وحزم القيادة، خلال المراحل الحساسة والمثيرة فـي النهضة، وبفضل تضحيات الشعب، كما استطاعت أن تحطم جميع الحسابات والعلاقات والمؤسسات الإمبريالية حيث أصبحت منطلقاً جديداً من نوعه للثورات الشعبية الكبيرة فـي العالم.
لقد أصبح الحادي والعشرون والثاني والعشرون من شهر (بهمن) سنة ألف وثلاثمئة وسبع وخمسين هجرية شمسية (10 و 11 شباط 1979م) تاريخاً لانهيار الصرح الشاهنشاهي وتحطم الاستبداد الداخلي والهيمنة الأجنبية المتكئة عليه، وبهذا الانتصار العظيم قامت طليعة الحكومة الإسلامية التي ابتغاها الشعب المسلم منذ أمد بعيد حيث كانت بارقة أمل للنصر النهائي.
وقد جرى الاستفتاء العام على الجمهورية الإسلامية حيث شارك فيه أفراد الشعب قاطبة بما فيهم مراجع التقليد وعلماء الإسلام والإمام القائد، وأعلن الشعب قراره النهائي والحاسم (بأكثرية 98.2%) بالموافقة على تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية فـي إيران.
والآن يعبِّر دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن خصائص العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجتمع الإسلامي الجديد، ولذا لا بد من أن يكون هذا الدستور وسيلة لتثبيت أركان الحكومة الإسلامية ونموذجاً لنظام حكم إسلامي جديد على أنقاض نظام الطاغوت السابق.
أسلوب الحكم فـي الإسلام :
لا تبتنى الحكومة – من وجهة نظر الإسلام – على أساس الطبقية، أو على السلطة الفردية، أو الجماعية، بل إنها تجسد الأهداف السياسية لشعب متحد فـي دينه وتفكيره، حيث يقوم بتنظيم نفسه حتى يستطيع من خلال التغيير الفكري والعقائدي أن يسلك طريقه نحو هدفه النهائي وهو الحركة إلى الله.
وقد نفض شعبنا عن نفسه - خلال حركة تكامله الثوري - غبار الطاغوت ورواسبه ونظف نفسه من الشوائب الفكرية الأجنبية، حيث عاد إلى الأصول الفكرية وإلى النظرة الإسلامية الأصيلة للعالم، وهو يسعى الآن إلى بناء مجتمعه النموذجي (الأسوة)، معتمداً على المعايير الإسلامية، وعلى هذا الأساس، فإن رسالة الدستور هي خلق الأرضيات العقائدية للنهضة وإيجاد الظروف المناسبة لتربية الإنسان على القيم الإسلامية العالمية الرفيعة.
ومع الالتفات لمحتوى الثورة الإسلامية فـي إيران - التي كانت حركة تستهدف النصر لجميع المستضعفين على المستكبرين - فإن الدستور يعد الظروف لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحكومات الإسلامية والشعبية حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة فـي العالم ]إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون[ ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة فـي جميع أنحاء العالم.
ومع ملاحظة جوهر هذه النهضة الكبرى فإن الدستور يضمن زوال كل نوع من أنواع الدكتاتورية الفكرية، والاجتماعية، والاحتكار الاقتصادي، ويسعى للخلاص من النظام الاستبدادي، ومنح الشعب حق تقرير مصيره بنفسه (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
وحيث أن بناء المجتمع يعتمد على المراكز والمؤسسات السياسية القائمة على التعاليم الإسلامية فإن الحكم وإدارة شؤون البلاد ينبغي أن تكون بيد الأشخاص الصالحين (إن الأرض يرثها عبادي الصالحون) ويجب أيضاً أن يتم التشريع فـي ضوء القرآن والسنة النبوية الشريفة حيث يبين هذا التشريع الأسس اللازمة لإدارة المجتمع، وعليه فإن من المحتم والضروري جداً الإشراف التام والدقيق عليه من قبل علماء المسلمين المتصفين بالعدالة والتقوى والالتزام (الفقهاء العدول).
ولأن الهدف من إقامة الحكومة، هداية الإنسان للسير نحو النظام الإلهي (وإلى الله المصير) كي تتهيأ الظروف المناسبة لظهور المواهب وتفتحها فـي سبيل نمو الأخلاق الإلهية فـي الإنسان (تخلقوا بأخلاق الله) وهذا لن يتحقق إلا بالمشاركة الفعالة والشاملة من قبل جميع أفراد المجتمع فـي مسيرة التطور الاجتماعي - يقوم الدستور بإعداد الظروف اللازمة لهذه المشاركة فـي جميع مراحل اتخاذ القرارات السياسية والمصيرية بالنسبة لجميع أفراد المجتمع، وذلك ليصبح كل فرد - فـي مسير تكامل الإنسان هو بالذات مسؤولاً مباشراً فـي مجال نمو القيادة ونضجها، وهكذا تتحقق حكومة المستضعفين فـي الأرض (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فـي الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).