الكتاب الذي نقله إلى العربية السيد نواف الموسوي، عبارة عن مقاربة ناجحة لإعادة تظهير رؤية الإمام الميتافيزيقة إلى ثلاثية الله/ الإنسان/ العالم، وفق منهجية بحثية تقتضيها الضرورات الأكاديمية، نظرا لكون الكتاب أطروحة نال المؤلف على أساسها شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون العام 1995.
يُسَجّل لبونو انخراطه في التجربة الدينية العرفانية ومقاربته لها على أساس رؤية داخلدينية من خلال اعتناقه الإسلام والتزامه بالمذهب الشيعي، حيث أن ما يعيب التجارب البحثية الأخرى لدى مفكرين غربيين هو مقاربتهم المسألة الدينية - الصوفية، من خارج التجربة الدينية كما هو الحال مع وليام جايمس ورودولف اوتو وميرسيا إلياد وآنا ماري شيمل وغيرهم.
جديد الكتاب ليس الإضافة المعرفية التي تضيء على المخفي في نص الإمام، بل الهندسة المنهجية التي تتيح الفهم المتيسر لمنظومة الإلهيات عنده، حيث تمت إعادة تناول آرائه اللاهوتية الكامنة في بطون الكتب، من خلال دقة العرض والربط والتوصيف، وذلك في ظل اقتصار المعالجة على شرح مضامين نصوص الإمام من دون البناء عليها أو إعادة إنتاجها.
يذخر الكتاب بـ «مجلوبات» الإمام على صعيد العرفان، لكنه لم يتطرق إلا قليلا إلى «الفتوحات» العرفانية عنده. لقد توغل الكاتب في عرض المساحات التنظيرية المشتركة بين الإمام وغيره من العرفاء، فيما مقتضى البحث يستدعي الإضاءة على مختصاته الكامنة بإخراجه العرفان من الدائرة الفردية الذوقية الى كونه إطارا معرفيا يساهم في بناء المجتمع والدولة، حيث نجح الإمام، إلى حد كبير، في تحويل الفرد العارف إلى الأمة العارفة، وفي استبدال القطيعة القائمة بين العرفان والدنيا إلى دينامية قادرة على التغيير الدنيوي في إطار تحقيق الثورة والحرية.
إن تجربة الإمام في السياسة والثورة لم تكن إلا نتاج رؤية كونية جعلت الشهود مقدما على المشاهدة، والمجاهدة على المناظرة، والكشف على البحث، بنحو بات معه العرفان في مقام القبليات المعرفية السابقة على معارف أخرى من قبيل الفلسفة والفقه والسياسة والعقيدة.
تبقى الإشارة إلى أن ما بذله المترجم لم يكن جهدا عابرا في ظل وعورة المسالك الإصطلاحية والمضامين العرفانية والفلسفية المعقدة، حيث نجح في نقل النص بلغة عربية تجمع في آن بين الدقة والعمق والوضوح، برغم ما يعتري ذلك من مشقة لكون عملية تعريب الكتاب هي، في جانب منها، إعادة ترجمة عن الفرنسية لنصوص معقدة قام المؤلف بترجمتها أو اقتباسها عن الفارسية والعربية.
بالعموم، ليس العرفان في الظاهرة الإيرانية مجرد حالة نظرية في إطار الثقافة الدينية، بل حالة وجودية استطاع الإمام الخميني الانتقال بها من الحيز النظري الفردي إلى طورها التطبيقي الدولتي، كما استطاع توظيفها في إطار البناء الحضاري وتجسير العلاقة بين الطبيعة وما وراءها، وهنا ربما يكمن السر في تقدم إيران ونجاحها.
* حبيب فياض/ دار الولاية