إنّ مؤامرة إسقاط الجنسيّة عن آية الله قاسم قد أُحبطت نتيجة تضامن الجماهير الثورية البحرينية التي تواصل الاعتصام أمام منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم في منطقة الدراز قرب العاصمة المنامة، والذي بدوره دافع عن حقوق الشعب ورعى ثورتهم.
أسئلة عدّة تطرح نفسها اليوم حول هذا الصمود الأسطوري للشعب والقيادة في البحرين في "أنظف" ثورة رغم كافّة الإجراءات القمعية التي أقدمت عليها السلطات البحرينية، وحصار مطبق أشبه ما يكون بحصار غزّة من قبل الكيان الإسرائيلي.
إن التدقيق في تفاصيل الثورة البحرينية التي يحاول الإعلام السعودي رميها بالأسهم الطائفية، تشير إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أولاً: لم يكن من المستبعد ان تقوم السلطات البحرينية بمحاولة الاعتداء على الاعتصام في محيط منزل آية الله الشيخ قاسم، لكن هذا الاعتصام قد حقّق الغرض منه أي منع قوات النظام من محاولة للاعتداء. إن هذه الاعتداءات تزيد من صلابة الشعب البحريني، في حين يبدو أن النظام لم يترك طريقاً للعودة.
ثانياً: من الأسباب التي زادت من صلابة الشعب البحريني هو التدخل الخارجي الذي كشف ضعف النظام واتكائه على قوات درع الجزيرة وبعض المرتزقة المجنسين. كذلك، الإجراءات القمعية ضد رموز الثورة هناك بدءاً من الشيخ عيسى قاسم، وليس انتهاءً بالشيخ علي سلمان.
ثالثاً: فيما يخص رموز الثورة، لا ندري لماذا تسعى السلطات البحرينية إلى استهداف كافّة رموز الثورة (أكثر من 25 عالم دين وخطيب زج بهم خلف القبضان بسبب آرائهم أو انتقاداتهم للاضطهاد الطائفي)، رغم أن هؤلاء هم أبرز ضمانة لبقاء هذه الثورة سلمية. ربّما يعتقدون أن هذه الخطوة تعد تصفية أولية للثورة عبر ضرب رأسها، ولكن الأمر ليس كذلك أبداً.
رابعاً: رغم كون التضييق على العمل السياسي عنواناً بارزاً لاسيّما إثر إغلاق جمعية الوفاق الوطني الإسلامية كبرى الجمعيات السياسية في البلاد، إلا أن أحد أبرز الأساليب التي يعتمدها النظام البحريني اليوم هي "الطائفية" حيث وصل الأمر بهم إلى انتهاك المراسم الدينية فضلاً عن منع صلاة الجمعة. لقد تم تسجيل أكثر من 70 انتهاك خلال موسم عاشوراء ذكرى استشهاد سبط رسول الله (ص) الإمام الحسين (ع)، سواءً عبر تخريب وإزالة المظاهر الدينية والعاشورائية، أو عبر استدعاء الخطباء واعتقالهم والتضييق على العائدين من العتبات المقدسة، وهذا أحد الأسلحة التي يعتمدها "آل خليفة" في الداخل والخارج.
خامساً: ما زاد من عزيمة الشعب البحريني هي أفعال النظام التي لاتمتّ إلى الإسلام والعروبة بأي صلة، فقد أعلنت حركة أنصار ثورة 14 فبراير "براءتها من الكيان الخليفي العميل لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل"، إثر استضافة الملك البحريني لوفد يهودي صهيوني الخطوة التي وجدها البحرينيون حركة استفزازية خطيرة لا تنفصل عن مسلسل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
سادساً: سقطت كافّة الرهانات من قبل النظام على تعب الشعب البحريني، وكيف لهم ذلك وهم يتخذون من عاشوراء الحسين (عليه السلام) نموذجاً لهم. إن هذا النموذج هو نموذج المواجهة الشريفة وعدم الرضوخ ومبايعة الظالم، والوقوف في جبهة الحق ضد الباطل. ليس في المواجهة فحسب، بل في الممارسات تعيش الثورة البحرينية عبقات كربلائية، تارةً عبر استهداف الأطفال والنساء، وأخرى عبر منعهم من الصلاة.
البحرينيون، وعلى مرّ التاريخ، لم يثنهم "قمع وتهديد وسحق الأصوات" بحسب توصيف المقرر الأممي زيد بن رعد الحسين، عن المطالبة بحقوقهم وإحياء شعائرهم الدينية. وقد أدرك النظام البحريني جيّداً أن لا سبيل لإعادة الأوضاع إلى حالها إلاّ من خلال الرضوخ للمطالب الشعبيّة المحقّة، وما محاولات الاستهداف الأخير إلاّ "بالون اختبار"، وبالتالي قد نكون أمام مشهد مماثل وبوتيرة عسكريّة أعلى خلال الأيام القادمة. المحاولة الأولى هدفت لاختبار الناس المرابطين في الدراز من جهة، وتخويف الناس وإرهاق الساحة من جهة أخرى. هذا الأمر قد يكون مقدّمة لمحذور أكبر من قبيل الهجوم على بيت سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم واعتقاله في الأيّام القادمة.
ننصح عقلاء النظام، وإن لم يوجد، فالعقلاء المقربين من النظام في البحرين، ننصحهم بأن يبتعدوا عن رموز الثورة، وتحديداً شخص الشيخ عيسى قاسم، لأن أي إساءة لهذا العالم المجاهد ستقلب المشهد رأساً على عقب عبر عاصفة شعبية تحاصر رموز النظام في قصورهم.
ربّما يعتقد النظام أنّه قادر على كسر كل الخطوط الحمراء، ولكن حينها ستتبدّل الكثير من القناعات في العمل السياسي والشعبي، وفي مقدّمتها التعاطي بسلميّة مع النظام. عندها، جلّ ما يفعله النظام هو تسريع الخلاص من الدكتاتورية في البحرين على يد الشعب الصبور المستعد للشهادة ومواجهة رصاص النظام بصدورهم، وفق عضو مجلس علماء المسلمين في البحرين الشيخ محمد حسن خجسته.
المصدر: الوقت