في السابق، كان الفن أكثر من مجرد تسلية او طريقة للتعبير عن الشعور. كان شكلا اساسيا للاتصال قبل وقت طويل من استخدام اللغة اللفظية الشاملة. القصص والمعلومات يمكن نقلها من خلال الاناشيد والموسيقى. الرموز والرسوم لا تمثل فقط الحياة والبيئة السائدة وانما اصبحت لاحقا تمثل حجر الاساس لفهم التاريخ. الأعمال الفنية للاجيال السابقة تعطي تفاصيل مدهشة عن الاشياء العظيمة في الحضارات الماضية وعن الكيفية التي عاش بها العمال العاديون.
ورغم ان العديد يرون ان الفن تعبير سلمي لكنه عادة ما يجسّد الشخصية وجميع مظاهر العواطف الفردية. الفن يمكن ان يكون عنيفا وميّالا للحرب كما يُعبّر عنه في احجار النصب التذكارية التي بنتها الامم المنتصرة او في رقص المحاربين القدماء. يمكن ان يكون الفن ايضا تاريخيا وذو اهمية دينية، مثل "العشاء الاخير" لدافنشي. او ان يكون ساحرا كمجموعة من الكلاب تلعب البوكر. كل واحدة من هذه الاعمال تحكي لنا قصة الماضي.
الهدف من الفن في الوقت الحاضر يجري تجاهله بسهولة. معظم منْ يشعرون بالحاجة للتعبير عن انفسهم عبر الفن لا يستطيعون توضيح الشيء الذي يمنحهم التحفيز، وانما فقط يدركون ان هناك جزء من ذواتهم يطلبه. كوننا لانفهم الفن لا يعني ليس له صلة بالمجتمع الحالي.
وكما في الماضي، كان للفن تأثيرا هاما على المجتمع والثقافة. الشكل البسيط للتعبير تكون له المقدرة على تحفيز مئات الالاف من الناس، واسقاط الحكومات وجعل الجيوش طائعة. وحتى الاشياء التافهة مثل الاغنية الامريكية Harlem shake حاليا تربك الدراما السياسية وتشجع المواطنين الذين كانوا بلا صوت على التعبير عن رغباتهم. الفن يساعد في التحريض على التغيير. يكفي مجرد النظر الى المنحوتات والنصب التذكارية التي صُنعت كليا من مواد تالفة كالتايرات المستعملة او القناني البلاستيكية.
المظهر الاكثر اهمية في الفن هو مقدرته على فرض حدود لمستقبل الانسانية. الفن، كما العديد من الاشياء، هو شيء لا يمكن تعريفه ببساطة. ولا يمكن معرفة اصلهُ. لا احد فهم لماذا وكيف يتمكن الدماغ الانساني من خلق الفن او استيعاب تأثيره. الغاية لفهم هذا هو الفن ذاته. لابد من إدراك ان اللامعروف والاسطوري ينمو بلا نهاية وبطريقة أسرع من ادراكنا.
الذهن المنطقي هو ذهن فضولي. انه يسأل ويدرس اسباب وجود الاشياء وحدوثها واسباب الحياة والموت. انه يتغذى فقط بالمعلومات المتوفرة. عندما تكون المعلومات غير متوفرة فان العقل المنطقي يصل الى حالة الجمود. العقل المعزز بالفن والتصور سيكون ماوراء المرئي وبهذا يخلق المقدرة لدى العقل المنطقي للتقدم. الذهن المنطقي يفهم ان الجاذبية تسبب سقوط الاشياء لكن ذهن الفنان يبدأ بالتساؤل والتخيل عن سبب الجاذبية.
اليوم الذي نعرّف فيه الفن تعريفا صارما، هو اليوم الذي نقتل فيه الفن ونمنع التقدم في العديد من مظاهر الحياة. كما في عقل الطفل، التخيل هو ممر للمستقبل. عندما نصبح منطقيين جدا فان الشيء الوحيد المتبقي للإنجاز هو ما نعتقد انه ممكن.
بالطبع نحن يجب ان نعرف من الماضي والحاضر ان المستحيل كان دائما ممكنا. الدماغ الذي لم يعد يستوعب الفن لم يعد قادرا على خلق الجيل القادم من الخلايا السلكية، او تجاوز سجل السرعة في الارض والجو، او النظر الى الفضاء لإكتشاف انظمة كونية جديدة او استكشاف نظرية لأبعاد اخرى. حين يكون العالم بلا فن سيتوقف فيه التقدم.
ماجاء في هذا المقال لايعبر بالضرورة عن وجهة نظر القناة