حياة الإنسان، أو هذه القصة العظيمة، تتضمَّن شخصياتٍ متعدّدةً، فالبعض كالكومبارس؛ ليس لهم أيُّ تأثير، ومن المُمكن استبدالهم بأشخاصٍ آخرين، فالأشخاصُ الذين يلتقي معهم الإنسان في الطريق وهو ذاهب إلى مكان ما، والبائعُ الذي يَمُرّ عليه مرورَ الكرام، وإمامُ المسجدِ الذي يُصلّي خلفَه، كلّ هؤلاء أشخاصٌ غيرُ فاعلين في حياة الفَرد، على عكس شخصيَّات أخرى تحتلّ مكانةً عظيمةً بمجرد أن يلتقي بها الإنسان، وعلى رأس هذه القائمة: الوالدين، والإخوة، والأقارب، ومن ثم يأتي الأصدقاء، والجيران، وزملاء العمل، وما إلى ذلك. الأصدقاء هم جزءٌ لا يتجزّأ من حياة أيّ إنسان؛ فالإنسان بلا أصدقاء كالجسد بلا روح، حيث تَكمُنُ أهميةُ الصّداقةِ في كونِها تجعلُ الإنسانَ مُطمئناً إلى وجودِ مَن يُشاطِره أحلامه، وآلامه، وطموحاته، ومآسيه، وهي قيمة لا يُستهان بها، ودور الأصدقاء دورٌ مِحوريّ في حياة الإنسان، فمن الممكن أن يجعلَ الأصدقاءُ صديقَهم في مُنتهى السّعادة، ومن الممكن أن يجعلوه في منتهى التّعاسة، لهذا فقد وَجَبَ على الإنسان أن يحرصَ أثناءَ بِناءِ علاقاتِهِ على اختيارِ الأشخاص الذين يرتاحُ إليهم ويرتاحون إليه؛ فالشّخص الذي قد يُسبّب إزعاجاً من نوعٍ ما، يجبُ الابتعادُ عنه حتى لا تَستحيلُ الحياةَ إلى كآبةٍ واضحةٍ قد تَجدُ لها بيئةً خصبةً في النّفس الإنسانيّة. كما أنّ الصّداقةَ تجعلُ للإنسان مستشارين يجدُهم ويلجأ إليهم في النّوازلِ والمُلِمَّات التي تحيط به، فهم يشكّلون له عوناً وسنداً. كل ما سبق يشكّل النظرة المادّيّة للصّداقة، إلّا أنّ الإنسانَ بحاجةٍ إلى وجودِ صديقٍ حميمٍ مُقرّبٍ منه وإن لَم يجدْ في هذا الصّديقِ مؤهّلات مناسبة تجعله يلجأ إليه في الأوقاتِ العصيبة الصعبةِ، فقيمةُ الصّداقةِ أساساً هي قيمةٌ روحيةٌ وليست قيمةً ماديةً؛ فالإنسان بطبعه بحاجةٍ إلى أن يجدَ شخصاً ما يتقرّبُ إليه ويَتوَدُّد إليه، يتحدثُ معه من حينٍ إلى آخر، ويقضي معهُ الأوقاتَ الجميلة التي يُروِّحُ بها عن نفسه؛ فقيمةُ الصّداقةِ أكبرُ وأعمقُ وأكثر أهمية من النّواحي الماديّةّ كلّها، أمَّا أولئكَ الأشخاص الّذين لا يتعرّفون على الآخرين إلّا من أجل المصالح؛ فهم حتماً يعيشون في خواء، وجفافٍ روحيّ قاسٍ، فهم غيرُ قادرين على الشعّور بالآخرين أو التقرّب منهم.