هذه المرة يبدع طالبي في ساحة الفن السابع بإنتاج فلم تاريخي باسم(يتيم خانه إيران) أو دار أيتام إيران و يسلّط الضوء فيه على ما جرى في إيران خلال الحرب العالمية الثانية و الإحتلال البريطاني لها.
هذه الحقبة التاريخية، لايعرفها أغلب الإيرانيين فضلاً عن غيرهم و ذلك بسبب التكتم المتعمد الذي مارسه البريطانيون لإخفاء جريمتهم الكبرى تجاه الشعب الإيراني المظلوم.
إنّ ما قام به هذا الثعلب العجوز مجزرة بالمعنى الحقيقي للكلمة و إبادة جماعية من خلال المجاعة الكبرى التي صنعها حيث قام بشراء الأقوات الأساسية للشعب مثل الحنطة و الشعير و غيرها مما يحتاجه عامة الشعب و استهلاكها بقدر حاجة قواتها العسكرية و رمي البقية في البحر أو ادخارها في مخازن بعيدة عن متناول الناس فمات جمع كبير من الناس جوعاً و مازاد في الطين بلة انتشار أمراض معدية فتاكة مثل وباء الطاعون و التيفود و … و حسب كتاب (قحطي بزرگ) أو المجاعة الكبرى مات جرّاء هذه المجاعة ما يقدّر بـ8 إلى 10 ملايين شخص مما جعل هذه المأساة الإنسانية هولوكوست حقيقي على أرض الواقع.
و هذا الكتاب من مصادر هذا الفلم من تأليف الكاتب (محمد قلي مجد) و الذي جمع أغلب معلومات الكتاب من خلال الوثائق السياسية من وزارة الخارجية للولايات المتحدة الإمريكية.
بطل الفلم (جواد بنكدار) هو أحد الشخصيات البارزة في ثورة (ميرزا كوجك خان جنكلي1) الذي أراد البريطانيون القبض عليه ليكون دليلاً لهم يعرف الطرق الملتوية في غابات شمال إيران حيث أرادوا مدّ طريق داخل الغابات إلى مدينة باكو لاستخراج البترول من هناك. لم يستسلم لهم جواد و رغم جراحه فك قيود الأسر و هرب من أيدي الجنود البريطانيين و أصبح مطاراداً و مطلوباً من قبل الجنرال البريطاني جون استراو و یتحول جواد بنكدار إلى معارض مسلح لسياسات بريطانيا الإستعمارية في إيران.
يشبّه مخرج الفلم بذكاء بالغ الأوضاع المأساوية لإيران في ذلك الوقت إلى دارأيتام كبير يرثه جواد بنكدار من والده و يتعهد بحفظه و إدارته و يسعى المخرج ابراز الخيانات التي قامت بها طبقة المثقفين الذين هم عملاء الإستعمار الأجنبي و أظهر انتفاعهم من النواحي الإقتصادي من وجود هذا الإستعمار و كان مقابل هذه الانتفاعات الاقتصاديه انهم بيضوا وجه الاستعمار الدميم ومجدوا فظائعه وشرّعوا سرقاته باسم تطوير المجتمع و خدمة الناس بل كانوا اصلا يغضون الطرف عن هذه الفظائع في جرائدهم و مجلاتهم .
أظهر الفلم ضرورة وجود القيادات الوطنية الشجاعة المتدينة الذين على استعداد للتضحية و البذل لإنقاذ البلد من براثن الإستعمار حيث يستشعر مشاهد الفلم خلال شخصية جواد بنكدار – الذي حارب البريطانيين و سلب منهم عربة الأدوية التي هم منعوها عن الشعب و التي هي في الأصل ملكه و أنقذ بها أرواح الأطفال في دار الأيتام الذين أصابهم المرض من جراء الأمراض الوبائية المنتشرة – تمثيلاً مشرّفاً يحض على روح الوطنية و التضحية.
))من يبيع جسمه يدخل وحده نار جهنم ومن يبيع وطنه يلقي الوطن كله في جهنم)) اقتباس من على لسان جواد بنكدار في الفلم و هو تعبير عما أراد مخرج الفلم إيصاله للمشاهد من خطورة فساد السلطة على المجتمع. و من المشاهد التي أنهى بها المخرج أبو القاسم طالبي هذا الفلم مشهد مقتل جنرال جون استراو على يد بطل الفلم جواد بنكدار حيث يخاطبه و سلاحه على رأس الجنيرال جون ستراو قبل أن يطلق عليه و على الجندي المرافق له الرصاص: متى يشبع الجيش البريطاني من شرب الدم الإيراني و كم تحتاجون من القتلى حتى تروون غليلكم. وكان فى ذلك المشهد تجسيد عبقرى من المخرج لارادة الشعب المظلوم في التخلص من قيود ظالمه.
و يختتم المخرج الفلم بإظهار بنت جواد بنكدار و هي إمرأة طاعنة في السن على قبر (ميرزا كوجك خان) و تحكي قصة الفلم للطلبة الجامعيين و خلفها صورة جنود المارينز الإمريكي و هم في الأسر بعد محاولتهم إقتحام المياه الإقليمية الإيرانية و تصدّي قوات الحرس الثوري الإيراني لهم في إشارة من المخرج إلى أنّ الشعب الإيراني اليوم قادر على حماية أرضه و عرضه و فرض إراداته على أعداءه.
ميرزا كوجك خان (1880-1921) هو ثائر إيراني قام ضد الحكومة القاجارية وملكها أحمد ميرزا شاه قاجار وهو آخر ملوك القاجار.وقد ثار ضد الحكومة بسبب وجود القوى الاجنبية روسيا(شمالا) وإنجلترا(جنوبا) وقيامه يعتبر أول قيام مسلح في إيران. وكون جيشا في غابات جيلان (محافظة شمال إيران) وقد قاوم لعدة سنين في الغابات وقد تلاشا جيشه في مرور الزمان حتى بقي وحيداً، وقد أنهزم في الجبال في وسط الشتاء القارس، وقد مات من البرد سنة 1921 في وسط جبال البرز ووجدوا جثته مجمدة. في وسط الثلج وقطع رأسه أحداصدقائه ومناصريه القداما ليحصل على جائزة عدة لمن يأتي برأسه.
بقلم: غريب رضا