وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا) انه ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الألمانية موضوع قديم وله تاريخ طويل، وبه ترجمات كثيرة أغلبها يُعد سيئاً بمقاييس اليوم. ولكن منذ ثلاثينات القرن العشرين، بدأت في نطاق الألمانية ظاهرة جديدة في مجال ترجمة القرآن ودراسته وهي دخول المسلمين -سواء كانوا وافدين أو من أصل ألماني - إلى مجال ترجمات معاني القرآن الكريم، مما جعل المستشرقين الألمان في وضع لا يُحسدون عليه. وأصبحنا من ثم أمام تقليدين متوازيين في مجال الترجمات القرآنية في الألمانية: تقليد استشراقي قديم ومتجذّر، والتقليد الإسلامي الذي بدأ الظهور منذ النصف الأول من القرن العشرين.
أما التقليد الاستشراقي القديم فهو ينتج ويترجم، ولكن مسلمي ألمانيا لا يهتمون به، ولا يتعاطون معه إلا قليلاً، وربما لا يفهمون آلياته ومنطلقاته التاريخية واللغوية والسياسية المتنوعة. وقد أنتج هذا التقليد الاستشراقي المتجذر ترجمات عديدة لمعاني القرآن الكريم منذ أول ترجمة إلى الألمانية (سنة 1616) حتى آخر ترجمة رأيتها سنة 2010 وهي للمستشرق المعروف هارتموت بوبتسين Bobzin مروراً بالطبع بترجمات أخرى عديدة، من أبرزها:
(1) أول ترجمة ألمانية من الأصل العربي مباشرة (1772)، وهي ترجمة قام بها ديفيد فريدريش ميجيرلين وكان عنوانها "التوراة التركية أو القرآن" ورسم صورة لرأس رجل وكتب إلى جوارها "محمد النبي المدّعي". وقد وصف غوته هذه الترجمة بأنها "نتاج بائس"، وتمنى إنجاز ترجمة ألمانية أخرى أكثر دقة، واشترط لإتمام ذلك شروطاً عدة؛ منها أن تترجم تحت سماء المشرق، من قِبل ألماني يقرأ القرآن بمشاعر الأنبياء والشعراء، ويخلط ذلك -وهو جالس في خيمته- برفقة من التهديد والوعيد.
(2) وكان غوته يعتمد في فهمه للقرآن على ترجمة تيودور أرنولد التي نقلها عن ترجمة جورج سال الإنكليزية سنة 1746. ولذا، فهي ترجمة مهمة في السياق الألماني بسبب تأثيرها على غوته كما يبدو في "الديوان الشرقي الغربي".
(3) وفي عام 1840، صدرت ترجمة الحاخام لودفيج أولمان Ullmann وكانت من السوء بحيث وصفها المستشرق الكبير تيودور نولدكه، صاحب كتاب "تاريخ القرآن"، بأنها "عمل بائس ويدعو للأسف"، وهو اعتراض صحيح أيضاً!
(4) ويمكن أن نشير هنا أيضاً إلى الترجمة الشعرية لفريدريش روِكرت Rückert (سنة 1843) وهي ترجمة غير مكتملة. ورغم أنها أكثر الترجمات الألمانية نجاحاً في محاولة الاقتراب من الطبيعة البلاغية للقرآن، فإنها لم تكن ملتزمة دائماً بالمحتوى القرآني! ومن الجدير بالذكر أن هذه المختارات طُبعت مرة أخرى عام 2000 بتحقيق هارتموت بوبتسين الذي سبقت الإشارة إليه وهو أحد المتخصصين البارزين بمجال تاريخ الدراسات القرآنية في ألمانيا، وعليه نعتمد هنا كثيراً.
(5) وفي عام 1901، صدرت ترجمة المستشرق المعروف ماكس هيننغ Henning لمعاني القرآن الكريم. ورغم أن ترجمته لم تخلُ من أخطاء، وأن الزمن تجاوز بعض مفرداتها الآن، فإنها تعد الترجمة المفضلة لدى الكثير من الدارسين الألمان في مجال العلوم القرآنية، وربما كان لأنا ماري شيمل Schimmel دور في استمرار شهرة هذه الترجمة، خاصة بعد أن صححتها وكتبت مقدمة لطبعتها الجديدة والمتداولة الآن والتي تتولى طباعتها دار ريكلام الألمانية.
والغريب أن الدبلوماسي الألماني المسلم مراد هوفمان Hofmann قام سنة 1998 بالعمل على الترجمة نفسها، وحكم بأنها -في رأيه بالطبع- الأقرب للأصل العربي. وأذكر أنه في مؤتمر المستشرقين الألمان سنة 2001 أشار المستشرق الألماني المعروف شيفان فيلد Wild -وبعض المستشرقين الآخرين- إلى أن هوفمان لم يستطع تصحيح كل أخطاء ترجمة هيننغ؛ بل إنه زادها! وزادوا أنها لم تصبح بتصحيحه مسايِرة لذوق العصر ولا مناسبة من الناحية السياسية، وأن هدف هوفمان ربما كان تخفيف نغمة القرآن في حديثه عن غير المسلمين. ولهذه الأسباب عدّوها طبعة تبشيرية ودعوا لتجنبها.
(6) وفي عام 1916، ظهرت في برلين ترجمة لازاروس غولدشميت Goldschmidt، وهي ترجمة كتبت بأسلوب ألماني قديم، ولكن دائماً ما تسمع من المستشرقين الألمان أنفسهم أن هذه الترجمة التي تطبعها دار ميتسلر ليست موضع ثقة خاصة من الناحية الفيلولوجية.
(7) وفي عام 1966، أصدر المستشرق الألماني رودي بارت Paret ترجمته التفسيرية -المفرطة في حَرفيتها- لمعاني القرآن الكريم. وقد أعجبت ترجمته تلك جل المستشرقين الألمان؛ لأنه هدف من خلالها -كما قال المستشرق الألماني المعروف هيلموت غيته Gätje- إلى وضع النص القرآني في علاقاته وسياقاته التاريخية والنظر إليه من ثم كوثيقة تاريخية! ويرى بوبتسين أنها الترجمة الأفضل من الناحية اللغوية الفيلولوجية، لكن المشكلة أن لغة بارت الألمانية جافة ولم تقترب كثيراً من الجمال اللغوي للقرآن ولا من عمقه الديني اللامحدود. ولكنه رغم ذلك كله، قدم إلى جانب ترجمته هذه عملاً رائداً فيما يتصل بالعمل على التراث التفسيري الإسلامي، ولذا قلنا إنها ترجمة تفسيرية.
(8) وفي سنة 1987، قدم الراهب اللبناني الألماني عادل تيودور خوري ترجمته الخاصة لمعاني القرآن (بالاشتراك مع محمد سليم عبد الله)، وقدم إلى جانب النص العربي وترجمة معانيه تفسيراً كاملاً بالألمانية؛ بل وألحق بكل ذلك مجموعة مختارة من الأحاديث النبوية. وقد ركز في ذلك كله، وبصفة خاصة، على موضوعه المحبب حول علاقة المسلمين بالمسيحيين، وهنا تحديداً تظهر ميوله الدينية من خلال مواقفه النقدية الحادة لموقف القرآن الكريم. ورغم أن طبعته هذه طبعة علمية سهلة القراءة، فإنها لم تجد قبولاً كبيراً لدى المستشرقين الألمان، ومن النادر أن يتم اقتباسها.
(9) وفي سنة 2003، صدرت ترجمة هانس تسيركر Zirker التي حاول أن يؤسس لها فيلولوجياً مع جعلها سهلة القراءة وقريبة من معاني الأصل العربي.
(10) ورغم أنه حتى اليوم لا يوجد ما يمكن أن نطلق عليه "الترجمة الألمانية لمعاني القرآن"، فإن ترجمة هارتموت بوبتسين (2010) تعد في رأي زملائه المستشرقين أفضل الترجمات الألمانية المتوافرة حالياً. وقد حاول بوبتسين في ترجمته تلك أن يجمع بين دقة الترجمة المفرطة في حَرفيتها (رودي بارِت) وجمالية الترجمة الشعرية (فريدريش روِكرت)، ولكن عبر استخدامه السجع وليس القوالب والبحور الشعرية. وقد ألحق بوبتسين بترجمته الضخمة (600 صفحة) 200 صفحة من التعليقات اللغوية.