لا صوت يعلو على سيف الإعدام في المملكة. لا شريعة إنسانية ولا حتى أخلاقية يمكنها ضبط عقال القتل المنفلت في السعودية، وحده منطق الغلبة يراد منه ترويض الداخل السعودي لعدم الخروج عن بيت طاعة “آل سعود”… قصة “خلية الكفاءات” أو ما يُسمى بـ “خلية التجسس”، تستكمل فصول الإجرام الذي يُمارس في السعودية.
المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، أصدرت اليوم الثلاثاء، حكمها الابتدائي بإعدام 15 متهماً في ما يُعرف بـ “خلية التجسس” التي تضم 32 شخصاً، والحكم على 15 آخرين بالسجن لفترات متفاوتة تصل إلى 25 عاماً.
على مدار 3 سنوات من تاريخ اعتقال “الخلية” لم يوفر الإعلام السعودي أسلوباً لم يستخدمه لشيطنة أفرادها الذين يُعدون من النخب البارزة على مستوى الداخل السعودي. أفراد هذه الخلية هم من الأكاديميين ورجال الدين والأطباء ورجال الأعمال ومنه علماء فيزياء نووية ومصرفيين، هؤلاء الكفاءات ليسوا من منطقة محددة بعضهم من المنطقة الشرقية وآخرين من جدة ومن والمدينة المنورة، وبعضهم يسكن الرياض منذ سنوات. 32 فرداً كلهم سعوديون، ما عدا طباخ أفغاني، وآخر إيراني، جاء اعتقاله لتكتمل فصول الرواية التي كُتبت فصولها الأولى في مكاتب وزارة الداخلية السعودية.
جرى اعتقال المتهمين في16 آذار/ مارس 2013. تصريح وزارة الداخلية السعودية يومها بالقبض على شبكة تجسس داخل السعودية، شكل صدمة في الداخل السعودي، خصوصاً أن التصريح أتى بلا أدلة وبعد اعتقالات واسعة نُفذت بطريقة استعراضية. لم يُشر يومها إلى أي علاقة لطهران بالخلية المزعومة، اكتُفي بالحديث عن دور استخباري كان يقوم به الأفراد. ومنذ ذلك التاريخ غابت قضية “الكفاءات” قبل أن تعود للظهور مجدداً مع تأزم العلاقات الاقليمية بين المملكة والجمهورية الاسلامية.
الخيانة العظمى، والتجسس لصالح إيران، واللقاء بالسيد علي خامنئي، إضافة إلى تسريب معلومات غاية في السرية والخطورة في المجال العسكري، و إفشاء أسرار دفاعية والسعي لارتكاب أعمال تخريبية…. سلسلة تهم وجهها القضاء السعودي للمجموعة، دون أن يُوّضح كيف يُمكن لأشخاص اهتماماتهم منصبة على التبليغ أو في المجالات الأكاديمية والمهنية، أن يطلعوا على أسرار عسكرية من شأنها أن تمس بأمن المملكة!
لم تقتصر التهم على التجسس وحده، لائحة الاتهام احتوت “تهماً” أخرى كـ “تأييد المظاهرات” مثلاً، و”تشويه سمعة المملكة” ومحاولة “نشر ومد المذهب الشيعي” كما نقلت هيومن رايتس ووتش أيضاً.
مصادر سعودية مطلعة على مجريات التحقيق، تنقل لموقع المنار أن إحدى التهم الموجهة للموظف في البنك المركزي “عباس الحسن”،وهو أحد المحكومين بالإعدام، كانت “إنشاءه مشروعاً تجارياً لاستيراد وتصدير المواد الغذائية لغرض الاستفادة من عوائد المالية في دعم إحدى الحسينيات بمحافظة جدة”. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد أُدين الرجل أيضاً بتلقي “بضائع إيرانية لدعم مؤسسته التجارية”.
“مدير كبار المحاسبين في شركة الاتصالات السعودية”حسين الحميدي، وهو أيضاً محكوم بالإعدام، كانت إحدى التهم الموجهة إليه: “توقيعه على بيان بعنوان (سفك الدماء) يدعو إلى إدانة الجهات الأمنية في تعاملها مع المتظاهرين بمحافظة القطيف ويؤيد المظاهرات ويدعو إليها ووضع أسمه من ضمن الموقعين والمؤيدين للبيان وتأييد المذكور للمظاهرات”. وقد “أُدين” أيضاً بالتستر على مشاركة شابين في مظاهرات القطيف “وتستره على والدهما الذي حرضهما للمشاركة في تلك المظاهرات” .
محكوم ثالث بالإعدام هو سالم العمري اتهم بأنه شارك “عملاء المخابرات الإيرانية” مقالات “لصاحب الفكر الضال المنحرف مخلف بن دهام الشمري”. الشمري مدافع بارز عن حقوق الإنسان في المملكة وعمل على تحسين العلاقات بين السنة والشيعة. يواجه حكما بالسجن لعامين مع 200 جلدة، أحد أسبابه أنه زار شخصيات شيعية بارزة في المنطقة الشرقية كبادرة حسن نية.
تطول لائحة الاتهامات إلا أن ما ذّكر من شانه أن يُقدم صورة عما يمكن أن يُعد جريمة تستحق الإعدام في السعودية.
اليوم يأتي النطق بالحكم في قضية على هذا القدر من الحساسية “بعد ثلاث سنوات من الإعتقال، وأربعة جلسات استماع فقط”، وفق ما يفيد الناشط السعودي علي آل غراش. وهي معلومات تثبت كذب ما يُروج له الإعلام السعودي من أن ” النطق بالحكم جاء بعد 10 أشهر من إجراءات المحاكمة، و160 جلسة، شارك فيها حوالي 100 محام”.
ماذا عن مشاركة 100 محامي في محاكمات مجموعة الكفاءات؟ تجربة المحامي طه الحاجي الذي كان يتولى مسؤولية الدفاع عدد عن عدد المتهمين كفيلة بفضح ما يجري.
يوضح المحامي أنه وغيره من فريق الدفاع لم يتمكنوا من الإطلاع على كامل ملف القضية، ولا على كامل الاعترافات والملابسات. المحامون الذين يبالغ الإعلام السعودي في عددهم، لم يُمكَّنوا أيضاً من “من زيارة المتهمين والجلوس معهم لمناقشة الاتهامات ليتمكنوا من إعداد الردود المناسبة”، وفق ما يقول الحاجي.
تصريح الحاجي عن واقع المحاكمة، دفع بالإعلام السعودي لاتهامه بالتحريض: صحيفة “عكاظ” عنونت يومها: “محامي خلية التجسس .. متهم بالتحريض والتشكيك في القضاء وإثارة الفتنة”.
وفي أيار/مايو 2016، عنونت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إحدى تقاريرها: ” السعودية – متهمون بالتجسس يواجهون محاكمة زائفة”.
قالت المنظمة إن السلطات السعودية “لم تسمح للمتهمين بالاجتماع بمحاميهم كما لم تقدم جميع الوثائق اللازمة لإعداد الدفاع، طوال فترة 3 سنوات من الاعتقال والتحقيق والشهرين الأولين من جلسات الاستماع”. لتتهم الإدعاء بأنه ” يسعى إلى إصدار عقوبة الإعدام على 25 متهم من أصل 32.”
مديرة قسم الشرق الأوسط “سارة ليا ويتسن” قالت إن هذه المحاكمة تشكل “وصمة أخرى في نظام العدالة الجنائية الظالم في السعودية. المحاكمات الجنائية يجب ألا تكون صُوَرية مع أحكام مسبقة”، وأكدت أن “اعتناق المذهب الشيعي يجب ألا يكون جريمة، وعلى المحاكم السعودية التوقف عن التعامل معه على هذا النحو”.
اليوم وبعد صدور أحكام الاعدام، علق رئيس المنظمة السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي بتغريدة على “تويتر”. قال الدبيسي: ” لايمكن لأي مطلع ومتابع لمحاكمة المتهمين بالتجسس من أن يصفها بالعادلة. القضاء العادل لايقبل بتهم أخذت تحت الإكراه والتعذيب”… وهو كلام باتت تسمعه السلطات السعودية يومياً، دون أن يرف لها جفن عند إصدار أحكام القتل في بازارات الابتزاز السياسي الذي يُمارس ضد الداخل، ويوظف في معاركها مع الخارج.
إسراء الفاس/ المنار