الكوثر - سورية
لم يمرّ الإعلان الدستوري الجديد دون إثارة عاصفة من الجدل، إذ واجه انتقادات واسعة لم تقتصر على معارضي الإدارة السياسية الجديدة، بل امتدت لتشمل بعضًا من حلفائها، خاصة فيما يتعلق بديانة رئيس الدولة، واعتبار الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع.
هذه القضايا فجّرت انقسامات حادة بين التيارات الدينية والسياسية، وسط تساؤلات عما إذا كان هذا الإعلان خطوة نحو الاستقرار أم مدخلًا لصراع أعمق حول هوية الدولة.
اقرأ أيضاً
أولى الانتقادات جاءت من الأوساط الإسلامية المؤيدة للإدارة الجديدة، والتي كانت تأمل في ترسيخ نظام إسلامي أكثر وضوحًا. هذه الجهات التي رأت في الرئيس المعيّن من قبل الإدارة العسكرية أحمد الشرع، الشخصية الأمثل لتحقيق مشروعها، اعتبرت أن النصوص الدستورية المعلنة ليست سوى إعادة إنتاج لصياغات تقليدية لا تلبي طموحاتها.
كما وتعالت أصوات أخرى، محسوبة على هيئة تحرير الشام سابقًا، تطالب بإحالة المسودة الدستورية إلى لجنة شرعية متخصصة لضمان توافقها مع أصول الشريعة قبل إقرارها رسميًا، ما يعكس انقسامًا حتى داخل التيارات الإسلامية نفسها.
وبين رفض وتأييد، يبدو أن الدستور الجديد لم يحقق التوافق المنشود، بل فتح بابًا لصراع سياسي محتدم، سيكون له تأثير كبير في تحديد ملامح المرحلة المقبلة في سوريا. وبين مسارات التغيير المحتملة، يبقى مصير البلاد معلقًا بين تطلعات التغيير ومعادلات القوة على الأرض.
في المقابل، أثارت المواد الدستورية المتعلقة بديانة رئيس الجمهورية مخاوف الأقليات الدينية والعرقية، إذ رأت فيها إقصاءً واضحًا لمكونات المجتمع السوري غير المسلمة من الوصول إلى سدة الحكم، وهو ما اعتبرته شخصيات سياسية ودينية تراجعًا عن المبادئ الوطنية الجامعة التي قالت المعارضة خلال السنوات الماضية إنها تسعى إلى ترسيخها.
في هذا السياق، عبّر الشيخ حكمت الهجري، زعيم طائفة الموحدين الدروز في سوريا، عن رفضه للصيغة المطروحة، مجددًا دعوته إلى إقرار نظام لامركزي يضمن بناء دولة مدنية قائمة على التعددية والتشاركية، بدلًا من تكريس توجهات أحادية في الحكم.
وقد أعلن مجلس سوريا الديمقراطية، التابع للوحدات الكردية، رفضه القاطع لهذا الإعلان، واصفًا إياه بأنه غير شرعي وينطوي على انتكاسة للتفاهمات السابقة. أما مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، فحذّر من أن اعتبار الشريعة الإسلامية مرجعية للحكم قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام والفوضى، بدلًا من تعزيز الاستقرار.
هذه التطورات تعكس هشاشة الوضع الأمني في البلاد، وتطرح تساؤلات جدية حول قدرة أي إعلان دستوري على تحقيق الاستقرار، في ظل استمرار العنف والانقسامات السياسية العميقة.