صحيفة الاخبار..ترامب يعود مع وادي السيليكون: النظام الرقمي سيّد العالم

الثلاثاء 21 يناير 2025 - 11:45 بتوقيت مكة
صحيفة الاخبار..ترامب يعود مع وادي السيليكون: النظام الرقمي سيّد العالم

شهد احتفال تنصيب الرئيس دونالد ترامب أمس الإثنين، حضور عدد من الشخصيات البارزة في عالم التكنولوجيا. مشهدية جديدة لا مثيل لها، فمن كان يتخيل أنّ أثرياء العولمة وجدوا في قومية ترامب فرصةً لفرض هيمنتهم

الكوثر_صحافة

اختلفت مراسم التنصيب هذه المرة، إذ أقيمت داخل قاعة «الروتندا» في مبنى الكابيتول الأميركي بسبب انخفاض درجات الحرارة بشكل خطير في واشنطن.

اقرأ أيضا:

 

المشهد الذي كان يُفترض أن يكون في الهواء الطلق أمام عشرات آلاف الحاضرين تغيّر بالكامل، ولم يتمكن حاملو التذاكر من حضور الحدث داخل القاعة المحدودة المساحة.

وفي خطوة لافتة، كان ترامب قد دعا أنصاره إلى متابعة الاحتفال عبر بث مباشر في «كابيتال وان أرينا»، مؤكداً حضوره إلى هناك بعد انتهاء المراسم الرسمية.

مراسم تنصيب الرئيس الأميركي ترامب

يُذكر أن آخر تنصيب رئاسي أُقيم في الداخل كان عام 1985، خلال مراسم تنصيب الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان لولايته الثانية.

من بين الحاضرين الرئيس التنفيذي لـ «تسلا» و«سبايس إكس» ومنصة «إكس»، إيلون ماسك، الذي دعم ترامب علناً في حملته الانتخابية وتبرّع بمبلغ كبير، وسيشارك في قيادة مجلس حكومي جديد يسمى «قسم كفاءة الحكومة» (DOGE).

كما حضر الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، مارك زوكربيرغ، الذي تجاوز خلافاته السابقة مع ترامب ودخل الحظيرة، وأجرى تغييرات في سياسات المحتوى على منصاته، إضافة إلى تبرعه بالمال لاحتفال التنصيب.

مؤسس «أمازون» و«بلو أوريجن» ومالك «واشنطن بوست»، جيف بيزوس، حضروا أيضاً، رغم التوترات السابقة مع الإدارة.

ومن بين الحضور الرئيس التنفيذي لشركة «تيك توك»، شو زي تشيو، الذي يسعى إلى تحسين علاقاته مع الإدارة الجديدة في ظلّ حظر التطبيق الذي وعد ترامب بإيقاف العمل بحظره وإعطاء المجال للتوصل إلى حل، إضافة إلى حضور الرئيس التنفيذي لشركة «آبل»، تيم كوك، والرئيس التنفيذي لشركة «أوبن آي أي» مالكة «تشات جي بي تي»، سام ألتمان، الذي تبرع بمبلغ كبير لاحتفال التنصيب، وأبدى تفاؤله بقدرة ترامب على تعزيز الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الرئيس التنفيذي لشركة «ألفا بت»، الشركة الأم لـ «غوغل»، سوندار بيتشاي.

غم أن ترامب يقدم نفسه قائداً قومياً، ويروّج لقيم مثل تأمين حدود الولايات المتحدة، وتقليص الهجرة، وتعزيز السيادة الوطنية، إلا أن علاقته بقطاع التكنولوجيا تعتمد على رؤية متبادلة تخدم مصالح الطرفين.

أولاً، من الناحية الاقتصادية، تسعى شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تعزيز مصالحها في أسواق ضخمة، والتأثير في السياسات الحكومية من أجل تقليص القيود على الأعمال التجارية وزيادة الأرباح.

وترى هذه الشركات في ترامب، الذي تبنّى سياسات تسعى إلى خفض الضرائب وتقليص القوانين التنظيمية، حليفاً يمكنه تسهيل تحقيق هذه الأهداف.

مثلاً، تخفيضات الضرائب التي أقرها ترامب في عام 2017 كانت مفيدة لهذه الشركات التي تستفيد من تسهيلات ضريبية وحوافز اقتصادية. ثانياً، في ما يتعلق بالسياسات التجارية، تقدم هذه الشركات فرصاً ضخمة لترامب، وخصوصاً في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والفضاء، والطاقة المتجددة، التي تتطابق بين طموحات رجال الأعمال في وادي السيليكون وحاجات إدارة ترامب القادمة لإظهار القوة على الساحة الدولية.

مستقبل الاقتصاد الأميركي

يسعى ترامب إلى دعم هذه القطاعات باعتبارها محوريةً لمستقبل الاقتصاد الأميركي، وهو ما يتلاقى مع مصالح الشركات الكبرى مثل «تسلا» و«سبايس إكس».

في المقابل، رغم تباينهم مع ترامب في عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية، يجد القائمون على شركات وادي السيليكون، في التحالف معه فرصةً للإفادة من سياساته التي تخدم مصالحهم الاقتصادية وتسهّل إدارة أعمالهم. بالتالي، يصبح هذا التحالف نتيجة لعلاقة معقّدة قائمة على المصلحة المشتركة في تعزيز الاقتصاد الرقمي، والتوسع في الأسواق العالمية، وتقليص القيود التنظيمية.
لكن بمجرد أن نفهم دوافع هذا التحالف الجديد، تبرز أمامنا إشكالية واضحة: العلاقة بين ترامب وقادة وادي السيليكون قد تتعارض لاحقاً مع طروحاته الشعبوية القومية.

فترامب، الذي يعتمد في بناء قاعدته السياسية على مبادئ مثل انتقاد العولمة والاتفاقيات التجارية العالمية والمؤسسات الدولية والشركات العابرة للحدود، يواجه تناقضاً مع شركات التكنولوجيا التي تزدهر في عولمة تعتمد على تدفق البيانات عبر الحدود، والتنقل الحر للموارد والمواهب. ورغم أن هذا التحالف يبدو مفيداً لترامب على المدى القصير، إلا أن التناقضات الأيديولوجية والتوجهات الاقتصادية قد تؤدي إلى صراعات في المستقبل القريب، وخصوصاً عندما يتطلب الأمر تقييداً لحرية السوق أو فرض قوانين تناقض مصالحها العالمية.


في كتابها The Tech Coup: How to Save Democracy from Silicon Valley الصادر عام 2024، تقدم السياسية الهولندية والنائبة السابقة في البرلمان الأوروبي، مارييتشا شاكي، رؤية دقيقة وصادمة عن كيفية تسلل شركات التكنولوجيا الكبرى إلى كل جوانب الحياة والحكومات تحت ستار «الابتكار». يوضح الكتاب كيف استغلت هذه الشركات غياب التنظيم لتوسيع نفوذها، بدءاً من بيع أدوات التجسّس لأي طرف قادر على الدفع، إلى استخدام تقنيات التعرف إلى الوجه للمراقبة، وانتهاءً بتأثير العملات المشفرة في الاستقرار المالي العالمي. تعتمد شاكي على خبراتها في البرلمان الأوروبي وشهادات من لقاءات مع خبراء ومتخصصين توضح كيف انتقلت التكنولوجيا من كونها أداةً للتحرر إلى أداة لتقويض الديموقراطيات. يقدم الكتاب حلولاً لمقاومة هذا «الانقلاب الرقمي» عبر قوانين تهدف إلى حماية الخصوصية ومحاسبة الشركات على انتهاكاتها، مع الحد من نفوذ اللوبيات التكنولوجية في صنع القرار السياسي. كما تدعو إلى إنشاء آليات حوكمة دولية لتنظيم التكنولوجيا العابرة للحدود، وتعزيز الابتكار المسؤول الذي يراعي القيم الإنسانية. وتؤكد على أهمية تمكين المواطنين من فهم حقوقهم الرقمية والمشاركة في الحوكمة الرقمية بشكل آمن.

صعود النظام الرقمي


بالنسبة إلى العالم السياسي الأميركي إيان بريمر، الأمر أكبر من مجرد «انقلاب تكنولوجي»، في مفهومه عن «صعود النظام الرقمي» يتحدث عن تحوّل جذري في موازين القوى العالمية، إذ أصبحت الشركات التكنولوجية الكبرى جهات فاعلة تنافس الدول في النفوذ والسلطة. ويقول إن هذا النظام الرقمي هو عملياً، مرحلة جديدة من العولمة، تتجاوز فيها الشركات الجغرافيا وتُعيد تشكيل الاقتصادات والسياسات على أسس رقمية. وما يميز هذه الشركات مثل «غوغل» و«أمازون» و«ميتا» أنها ليست مجرد منصات تقنية، بل أنظمة اقتصادية متكاملة تصل تأثيراتها إلى التجارة، الإعلام، والسياسات الدولية، ما يجعلها قوى عالمية غير تقليدية قادرة على منافسة الدول القومية بفعالية.

كذلك، يتميز «النظام الرقمي» بقدرته على إعادة تشكيل مفهوم المركزية، إذ لم يعد صنع القرار أو التحكّم بالموارد حكراً على دولة معينة. بدلاً من ذلك، تعمل الشركات الرقمية على بناء شبكات عابرة للحدود ترتكز على التكنولوجيا والبيانات، وتخلق قواعد خاصة بها في تنظيم المعاملات ونقل البيانات بعيداً من الاتفاقيات التقليدية. في ظل هذا النظام، تتحول الولاءات من الدول إلى الشركات، كما يوضح لنا أحد أبرز شعارات «التائب» مارك زوكربيرغ: «الشركة قبل الدولة».

وبفضل أدوات مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، تمتلك الشركات الرقمية قدرة غير مسبوقة على تشكيل الرأي العام والتأثير في الانتخابات، والانتخابات الأميركية الأخيرة أبرز دليل على ذلك.

بالتالي، يرتكز «النظام الرقمي» في تحالفه الحالي مع ترامب على أسس تتعارض جذرياً مع مفهوم الدولة القومية، ما يجعل احتمال نشوء خلافات مستقبلية بين وادي السيليكون والرئيس الـ 47 للولايات المتحدة أمراً جديراً بالترقب.

مصالح النظام الرقمي


لكن بمعزل عن ذلك كله، لا يمكن إنكار أنّ ما حققه ترامب يُعد واحدة من أعظم العودات السياسية في التاريخ. رغم احتمال معرفته بأنّ أيديولوجيته القومية ستصطدم مستقبلاً بمصالح «النظام الرقمي»، إلا أنه يبدو واعياً للعبة الزمن والمصالح.

ففي سن الـ 78، نجح في استعادة موقعه بقوة، مجبراً كبرى شركات التكنولوجيا على إعادة التعامل معه، بعدما لعبت دوراً في عزله ومنعه من التواصل مع قاعدته الشعبية عقب أحداث اقتحام الكابيتول في 6 كانون الثاني (يناير) 2021. لكن استعراض حياة ترامب ــــ منذ أن بدأت صوره تتصدر أغلفة المجلات الأميركية ـــ يكشف عن نمط واضح: الرجل الذي تعثّر بكل شيء تقريباً باستثناء عالم الإعلام، دائماً ما أولى اهتماماً استثنائياً بالصورة ورمزيتها، والصورة التي صنعها بالأمس، لم يُلتقط مثلها من قبل.

ولو أن شركات التكنولوجيا تقبّل الآن اليد التي عجزت عن كسرها سابقاً، إلا أن «المحدلة الرقمية» التي خلقها ترامب في طريقه إلى السلطة، لا تنظر إلى العالم من خلال إطار واحد ولو كان معلقاً على أهم جدارٍ في البيت الأبيض.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي قناة الكوثر وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 21 يناير 2025 - 11:44 بتوقيت مكة