الكوثر - مناسبات
ولد عليه السلام في العاشر من رجب سنة 195 ﻫ. وتهلل وجه الإمام الرضا عليه السلام فرحاً بمولده، واستلم المولود الجديد، فور ولادته، الأرض بمساجده السبعة، شاهداً بالوحدانية لله، ولمحمد بالرسالة.
كان الإمام الرضا عليه السلام قد طلب من أخته حكيمة أن تبقى الى جانب زوجته خيزران (أم الإمام الجواد) بعد أن ظهرت إمارات الطلق عليها.
تعجبت حكيمة، أخت الإمام الرضا عليه السلام من هذا النور الذي خرّ ساجداً لربه فور دخوله الى الدنيا. لكن هذا هو دأب الأئمة المعصومين الذين انتدبهم الله ليكونوا حججه على خلقه. فهم ليسوا كباقي الخلق في سلوكهم، حتى وهم أجنة في أرحام الأمهات. وليس عجيباً من أحدهم أن يهوي ساجداً لله عند ولادته وينطق بالشهادتين، فهو أمر ينطوي على إثبات صدقه في إمامته أمام الخلق.
كان الإمام الجواد عليه السلام أعجوبة لم تسبق بها الأمة الإسلامية. فقد نهض بأعباء الإمامة بعد أبيه الرضا عليه السلام وعمره تسع سنوات. وهو أمر استدعى التأمل والاستغراب حتى من قبل أتباع الإمام الرضا عليه السلام حين سئل عمن يخلفه، فأشار إليه وهو صغير. نعم! لقد عرفوا من خبر عيسى بن مريم وخبر يحيى بن زكريا عليهما السلام من قبل، وقد قص القرآن الكريم حكايتهما. لكن من طبيعة الإنسان الركون الى المشهود المحسوس، والتعود والحكم على المألوف. غير أنهم بعد أن رأوا آية الله حاضرة ناطقة، لم يكن أمامهم إلا التسليم.
كان ذلك ما ميّز الإمام الجواد عليه السلام من بين الأئمة المعصومين الباقين، فقد تأخرت ولادته زمناً جعل أتباع أهل البيت في قلق، ثم تقلد الإمامة هو صغير السن، كبير العقل، خارقاً في منطقه وحكمته وعلمه، ثم توفي وهو شاب لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره.
اقرأ ايضا
رغم أن ابنه الإمام الهادي عليه السلام تولى الإمامة وهو صغير أيضاً، لكن خبر تولي الإمام الجواد عليه السلام الإمامة وهو صغير انتشر وذاع ذكره، وذلك لأن مركز ذيوعه كان قصر الخليفة المأمون الذي أقام المناظرة الكبرى الشهيرة بين الإمام الجواد وبين قاضي قضاة المسلمين في حينه يحيى بن أكثم.
القاب الامام الجواد عليه السلام
عرف عليه السلام بأكثر من لقب، فأشهر ألقابه الجواد، ثم التقي. أما عند جيرانه من أهل الكاظمية، فهو يعرف بباب المراد، لأنه الباب الذي يطرق طلباً للحاجات من الله سبحانه.
اولاده عليه السلام
الذكور: علي الهادي، الإمام الذي تولى زمام الإمامة بعده، وموسى. الإناث: فاطمة، وأمامة، وحكيمة وزينب. ولم يرزق بولد من زوجته أم الفضل بنت المأمون، التي قامت باغتياله.
حياته عليه السلام وملوك عصره
عاصر الإمام الجواد عليه السلام شطراً من خلافة المأمون، وسنتين من خلافة المعتصم.
أما المأمون، الذي اتجهت اليه أصابع الاتهام في قتل الإمام الرضا عليه السلام، فقد حاول استقطاب ابنه الإمام الجواد عليه السلام واستمالته إليه، في محاولة منه لإسقاط التهمة عنه وتبرئة ساحته من دم أبيه.
قام باستدعاء الإمام الجواد عليه السلام من المدينة، وعرض عليه أن يزوّجه ابنته أم الفضل، أملا في أن تشفع له المصاهرة في نسيان دم أبيه. لكن قراراً كهذا ووجه بثورة من رجال البلاط المحيطين بالمأمون. فقرار كهذا يبعثهم فيهم القلق على مستقبل العرش العباسي، وكانت تجربة ولاية العهد لأبيه الإمام الرضا عليه السلام من قبل المأمون قد جرّت عليهم قلقاً مماثلا، حاولوا بشتى السبل إقناعه في العدول عن عزمه، لكنه لم يستجب لضغوطهم.
انتهى عهد المأمون، وتولى الخلافة بعده أخوه المعتصم
لم يكن يروق للمعتصم المكانة التي يحظى بها الإمام الجواد عليه السلام بين أصحابه أو عند سلفه المأمون. وهو يتذكر على الدوام التجارب التي مرّ بها آباؤه العباسيون مع أفراد هذا البيت، الذي ظلّ على مرّ الزمن مصدر قلق لعروشهم. تولى المعتصم الخلافة في عام 218 ﻫ بعد وفاة أخيه المأمون. وظل يتحين الفرص لقتل الإمام. وجاءته الفرصة مواتية له حينما علم أن زوجة الإمام، أم الفضل، وهي ابنة أخيه المأمون، على غير وفاق مع زوجها، بسبب غيرتها من زوجته الأخرى. فطلب منها أن تدس السم إليه في العنب. ففعلت ذلك. وحينما رأت الإمام عليه السلام وهو يصارع الموت من شدة السمّ، ندمت على ما فعلت وانفجرت باكية. ولكن أنّى لبكائها وندمها أن ينفعها وقد قتلت حجة الله في أرضه وإمام المسلمين. وصعدت روحه الطاهرة ليلتحق بجدّه صلى الله عليه وآله وآبائه الطاهرين الذين سبقوه بالنهاية نفسها. ودفن الى جوار جده الإمام موسى بن جعفر الكاظم في الكاظمية المقدسة التي كانت تسمى قديماً مقبرة قريش.
تراث الامام الجواد عليه السلام
رضيت حاشية الخليفة بالواقع الجديد على مضض، مترقبين لما قد يحدث للعرش من انهيار، ومن وقوعه بيد غيرهم من غير العباسيين.
حفظ لنا تراث الإمام الجواد عليه السلام عدد غير قليل من أصحابه وتلاميذه. وقد عدّ الشيخ محمد حسن آل ياسين "قدس سره" في كتابه (الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام) ما ينوف على المائة منهم، وذكر لهم كتباً ومصنفات كثيرة، مشتملة على ما دونوه عنه.
ثم نقلت تلك الحصائل الى كتب الشيعة الإمامية الأربعة المعتمدة، وهي الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه، وهي تعد جزءاً مهما من تراث أهل البيت عليه السلام.