الكوثر_صحافة
ربما كان أمراً جيداً أن يتحدث حاكم سوريا الجديد أحمد الشرع بوضوح وصراحة تامَّيْن. فهو ليس محتاجاً إلى المداراة في أمور كثيرة. حتى مبدأ «التمكين» الذي يتمسّك به، لا يشكل عائقاً لقول ما يريده.
اقرأ أيضا:
وإذا كان البعض يعتقد بأنه يبالغ في قدرته على إدارة هذه المرحلة، فالأمر رهن بما تظهره الأيام. وليس صحيحاً الاعتقاد بأن الانقسامات غير العادية التي تعيشها سوريا، ستشكّل معبراً إلزامياً نحو الفوضى، خصوصاً أن الشرع وفريقه يتصرّفان وفق قناعة بأن المرحلة الانتقالية ليست محدّدة الزمن، بل محدّدة الأهداف.
وبالتالي، فإن البحث سيبقى قائماً على «القطعة»، بحيث نشهد صعوداً وهبوطاً في المواقف المؤيّدة أو المعارضة له داخل سوريا وخارجها.
اللافت حتى الآن أنّ الرجل كثير التحدّث. وهو لا يتمسّك بالصمت كما يفعل أقرانه من قادة الجماعات السلفية الجهادية، ويتعمّد الحديث، ويكثر من استقبال عشرات الشخصيات والوفود، سواء ما ظهر منها في وسائل الإعلام أو بقي بعيداً عن الأضواء. لكنّ الرجل وفريقه عقدا سلسلة طويلة من اللقاءات مع شخصيات سورية وعربية وأجنبية، وناقشوا بتوسّع الملفات العالقة، حتى بات من الصعب الإحاطة بكل المشهد، بسبب تعذّر الوصول إلى جميع من التقاهم الشرع شخصياً، أو عقدوا الاجتماعات مع أبرز مساعديه، من فريق الحكومة أو من فريقه السياسي والأمني والعسكري.
ومع ذلك، كان ممكناً جمع معطيات يمكن الاعتداد بها، تشكّل خلاصة اجتماعات عقدها الشرع مع زوار سوريا خلال الأسبوعين الماضيين. وبعض هؤلاء أمضوا ساعات طويلة معه في بحث حول المشكلات القائمة.
وبحسب ما تجمّع، يمكن تسجيل الآتي:
أولاً: يقول الشرع إنه ليس في وارد مراعاة الأطراف الداخلية والخارجية في «المئة يوم الأولى»، وكان صريحاً للغاية مع كل رفاقه الذين ينضوون في هيئة تحرير الشام أو الفصائل الأخرى بأنه لن يكلّف أشخاصاً ليسوا محل ثقته الشخصية في إدارة هذه المرحلة. وهو طلب من «الشركاء» و«الأصدقاء» أن يتحملوا معه هذه المرحلة، وأن يستعدوا للبحث في شكل حكومة جديدة، يعد بتشكيلها في الربيع المقبل، ويتصوّر أنها ستتولى إدارة مرحلة قد تستمر لعامين على الأقل.
ثانياً: قال الشرع إن أولوية الاستقرار الأمني الداخلي تفرض عدم التهاون أو التأخير في عملية دمج الفصائل العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع. وحدّد بصورة مسبقة هوية الفريق المعنيّ بهذه العملية. واختار من يعرف أن الآخرين يقرّون له بكفاءاته وقدرته على تحقيق شرطَي الانضباط والالتزام بالتعليمات.
ثالثاً: قال الشرع إنه يعرف طبيعة سوريا، وإن هناك حاجة ملحّة إلى قيام جهاز أمني قوي. وعندما كلّف أنس خطاب بهذه المهمة، فقد اختار الرجل الذي تولّى إدارة العمل الأمني إلى جانبه، منذ انشقاقه عن تنظيم «القاعدة».
وهو من لعب دوراً محورياً في تفكيك خلايا تنظيم «داعش»، وفرط «حركة نور الدين الزنكي»، إضافة إلى احتواء مجموعات صغيرة كان يمكن لها لو تحالفت في ما بينها أن تشكّل صداعاً لـ«هيئة تحرير الشام».
كما بنى خطاب شبكة من العلاقات الأمنية ليس مع الفصائل والجماعات المحلية فقط، بل مع أجهزة أمنية إقليمية وعالمية كان لها نشاطها في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، إضافة إلى ما كشفته الأحداث الأخيرة، عن أن الرجل كانت لديه اختراقات جدية داخل المؤسستين العسكرية والأمنية للنظام السابق، ما سهّل نجاح العملية العسكرية الأخيرة.
الشرع و العلاقات السياسية مع الخارج
رابعاً: أوضح الشرع أن وزارة الخارجية والعلاقات السياسية مع الخارج ليست مهمة علاقات عامة. وكثيرون ربما لا يعرفون أهمية أسعد الشيباني، أو زيد العطار كما يعرفه كثيرون. فهو صاحب تجربة كبيرة قياساً إلى الآخرين من فصائل المعارضة السورية. وقد كان شريكاً في تنظيم العلاقات السياسية مع الفصائل، ولديه شبكة كبيرة من العلاقات الخلفية مع جهات إقليمية ودولية، وبرع في الاستفادة من عمل منظّمات دولية كانت تنشط في مناطق المعارضة، وبنى من خلالها شبكة علاقات، علماً أن الشيباني يبدو مهتماً هذه الأيام بمواجهة ما يعتبره «تحدياً إدارياً»، كون عمل الدبلوماسية التقليدي ليس بالأمر السهل، خصوصاً في دول لديها عراقة في العمل الدبلوماسي ومنها سوريا.
خامساً: أبلغ الشرع من يهمّه الأمر بأنه لم يعد يجد من داعٍ لآلية العمل التي تقوم بها الأمم المتحدة في سوريا. فهو لا يخفي قلة إعجابه بالمبعوث الأممي غير بيدرسون، وهو شخص يبغضه حتى رجال النظام السابق وآخرون من الذين تعرّفوا إليه، كما كانت عليه الحال عندما عمل في لبنان. لكنّ الشرع وافق على تجاوز الجانب الشكلي عندما التقى بيدرسون في دمشق، بينما كان الأخير يتجنّب الاجتماع به في إدلب بحجة أنه إرهابي.
إلا أن الشرع قال للأميركيين والأوروبيين ولدول عربية إن الحكم الجديد لم يعد معنياً بالقرار 2254 ومندرجاته، وإن السنوات السابقة أظهرت عدم فعالية الأمم المتحدة، وبالتالي فهو يعتبر أن القرار انتهى مع سقوط النظام.
لكن، تبيّن أن هدف الشرع من هذا الموقف هو إبلاغ الموفدين الأجانب بأنه لا يريد إشرافاً من قبل الأمم المتحدة على أي حوار سوري داخلي، لا بل ذهب إلى حد الطلب صراحة من الجانب التركي عدم التدخل في إدارة مؤتمر الحوار الوطني، وأنه يريده إطاراً سورياً – سورياً خالصاً، لأنه يعتقد بأن الحضور الخارجي سيُستغل من قبل الأطراف الداخلية، للتصرف وفق حسابات من نوع مختلف. وهو في هذه النقطة كان لافتاً لناحية قوله إنه يكره تجربة لبنان، ولن يسمح على الإطلاق بمحاولة استنساخ التجربة العراقية بحجة حماية حقوق الأقليات والأطراف الأخرى.
وصارح بعض محدّثيه بأنه ليس مستعجلاً لأن يكون الحوار الوطني مناسبة لتحوّل سريع في بناء الدولة الجديدة كما يريده أو كما يفكر فيه، كما هو موقفه من الانتخابات العامة التي يرفض حصولها قريباً، لأن التصويت اليوم سيتم على أسس طائفية وجهوية وإثنية.
سادساً: لا يخفي الشرع رفضه للنموذج الاقتصادي الذي كان قائماً طوال فترة حكم البعث.
وقد طلب من فريقه إبلاغ العاملين في الحكومة السابقة بأنه يدعم الاقتصاد التنافسي. لكنّ مسؤولاً رفيعاً في إدارته قال لموفد أجنبي إنهم لا يريدون أن تقع سوريا فريسة الديون كما يحصل مع دول عربية وأجنبية، وإن الأولوية الآن للحصول على دعم، لا قروض، لإعادة إعمار البنى التحتية للدولة.
وأُبلغ الشرع من تركيا وقطر وآخرين بأن إدارته ستلقى دعماً سخياً في إعمار قطاعات الكهرباء والمياه والاتصالات والطرق.
وعبّر، في الموازاة، عن الاستعداد لفتح باب الاستثمارات الخارجية، ومحاولة حصرها في القطاعات الإنتاجية. وهو كثير التركيز على القطاع الزراعي، إذ يبدو أنه يريد تكرار تجربة البعث لجهة العمل على بناء قاعدة اجتماعية للحكم الجديد تستند إلى أبناء الريف. وفي هذا السياق، كانت لافتة إثارة البعض لموضوع إلغاء مفاعيل قوانين التأميم، لكن لا يبدو أن الشرع وفريقه في وارد مجاراة مراكز قوة مالية تسعى إلى الإمساك بالأراضي كما كان عليه الوضع قبل تسلم البعث السلطة.
بل يطرح مشاريع تعاون مع القطاع الخاص لتحويل سوريا إلى مركز إنتاج متقدم في القطاع الزراعي. وبرغم إدراكه أهمية تفعيل القطاع الصناعي، إلا أن بعض العاملين معه يعتقدون بأن سوريا ستكون مقبلة على تحديات كبيرة نتيجة المتغيرات الكبيرة التي طرأت على شكل الصناعة في المنطقة والعالم، وأنه يجب وضع خطة تمنع تحوّل سوريا إلى سوق للاستهلاك لما هو آت من الخارج.
سابعاً: قرّر الشرع وفريقه مواصلة العمل بالقوانين السابقة في مجال السياسات المالية والنقدية، لكن وجهة التغيير تبدو قريبة، علماً أن التغيير الذي وصل أمس إلى موقع حاكم المصرف المركزي قد لا يعبّر عن وجهة مختلفة جذرياً عما هو قائم. لكنّ الواضح أنه يوجد إلى جانب الشرع من يدعوه إلى إيجاد الآلية التي تسمح بدخول المصارف العالمية سريعاً إلى سوريا، وأن يكون هناك نوع من الدمج بين المصارف التجارية العادية والمصارف الإسلامية على ما هو قائم في دول الخليج الفارسي.
والشرع لا يمانع في اتخاذ خطوات عاجلة إذا كان من شأنها إتاحة المجال أمام عودة أموال كبيرة هُرّبت من سوريا بسبب النظام المصرفي القائم، أو بسبب سياسات النظام السابق. لكنّ المشكلة بالنسبة إليه، تتركز أولاً، على تفاهم مع الأميركيين لإلغاء أي نوع من العقوبات التي تحول دون نشاط أكبر للقطاع المصرفي في سوريا.
ويبدو أن الشرع مستعد في هذا المجال لفتح الباب أمام خبرات قد لا تكون على ذوقه الأيديولوجي.
مرة جديدة، علينا في لبنان والبلدان المحيطة بسوريا، أن نفهم أولويات السوريين الجديدة، بعيداً عن رغباتنا أو تصوراتنا، والأهم هو أننا سنكون ملزمين بالتعايش مع واقع جديد، له مخاطره، لكن فيه الفرص الكثيرة لتحقيق ما هو أفضل.
الأعداء والحلفاء وأصدقاء الضرورة
بعد ثلاثة أسابيع على تولّي الحكم الجديد للسلطة في سوريا، صدر الكثير من التصريحات التي لا تبدو مغايرة لمضمون محادثات مغلقة بما يتيح رسماً أوّلياً لعناصر لائحة أعداء السلطة وخصومها المحليين والخارجيين، إضافة الى لائحة الحلفاء والأصدقاء. لكن يبدو واضحاً أيضاً أن هناك من يمكن وصفهم بـ«حلفاء أو أصدقاء الضرورة». كما يمكن تلمّس مساحة الغموض في بعض العناوين الحساسة، والتي تدفع الى إضافة خانة جديدة تحت اسم «الحياد».
داخلياً، ينظر الشرع وفريقه الى «العقل الجمعي» للعلويّين والشيعة في سوريا كأبرز الخصوم المحليين. ولدى الحكم الجديد ملفات يريد أن يغلقها قبل الانتقال الى مستوى جديد من العلاقة. ويجري الحديث عن لائحة تضم 250 اسماً، غالبيتهم الساحقة من العلويين، يعتبرهم فريق الشرع من المجرمين الواجب اعتقالهم ومحاكمتهم.
وفي تفاصيل اللقاءات الجارية مع وجهاء علويين في المدن الكبرى أو في الساحل السوري، يقول فريق الحكم الجديد إن عليهم «إثبات حسن السيرة والسلوك» حتى يصار الى «إزالة حالة النقمة ضدهم»، علماً أن الشرع يكرر لازمة أن «السلطة الجديدة تسعى الى حصر عمليات الثأر التي تحصل الآن في أكثر من منطقة». لكن ما هو مطلوب الآن، أن تتعاون هذه الجماعات مع الحكم الجديد بصورة كاملة، وأن «تثبت ولاءها للدولة الجديدة، وأن تقطع نهائياً أي صلات مع رجالات الحقبة الماضية».
ومع مبادرة «هيئة تحرير الشام» الى محاولة تحييد شيعة دمشق من خلال ترتيبات خاصة لمناطق وجودهم، واتخاذ إجراءات خاصة بالمراقد الدينية، إلا أنه لا وجود لمبادرة لدى الحكم الجديد لمعالجة مشكلة نحو 20 ألف عائلة شيعية هربت من سوريا الى العراق ولبنان بعد سقوط النظام، علماً أن الباب بقي مفتوحاً أمام وساطات أهلية أو خارجية من أجل المعالجة. وفيما لا يرى كثيرون أن الملف يمثّل أولوية للحكم الجديد، إلا أن مقرّبين من الشرع يحذرون من إهمال الملف، خشية دفع هذه المجموعة الكبيرة التي يصل عددها الى نحو 250 ألفاً، مضافاً إليهم عدد كبير من الاسماعيليين، الى مربع يمكن إدارته من قبل أطراف معادية للحكم الجديد، ويشير هؤلاء بالاسم الى إيران وحزب الله.
وللشرع مشكلة مشابهة في أماكن أخرى، وهو يهتمّ بأن يعرض على الدروز والأكراد «الحياد الإيجابي»، شرط أن يندمجوا في السلطة الجديدة، وأن يسلّموا السلاح ويتوقفوا عن إقامة علاقات فردية أو مستقلة مع جهات خارجية. ويقول مسؤول كبير من فريق الشرع إنه ليس بإمكان الأكراد أن يتحدثوا ككتلة تريد أن يكون لها امتيازاتها الخاصة خلافاً لبقية السوريين. ولذلك، فإن الشرع، وإن كان لا يجد الوقت الآن مناسباً لضرب هذه المجموعات، كان حاسماً في قوله إن سلطته لن تسمح للأكراد أو للدروز بالعمل من أجل إقامة حكم ذاتي بحجة الخوف من الأغلبية الإسلامية في سوريا.
في المقابل، يجتهد الشرع لطمأنة المسيحيين. وهو يركز على هذه النقطة بطريقة خاصة. وسبق أن بنى علاقات موضعية مع رجال دين مسيحيين في منطقة إدلب، كان لهم دور في بناء قنوات اتصال مع رجال الكنيسة ووجهاء المسيحيين في حلب. وعندما دخلت قواته الى حلب مع بدء العملية العسكرية الأخيرة في 27 تشرين الثاني الماضي، كان يسيراً عليه القيام بخطوات منعت أيّ عمل انتقامي أو أيّ اعتداء على الكنائس والمدارس ومنازل المسيحيين. وقد تبيّن بعد مرور أسبوع، أنه نجح بالتعاون مع رجالات الكنيسة، في إقناع عائلات كثيرة بالعودة الى منازلها، وإقناع آخرين بعدم الخروج من سوريا.
وفي دمشق، يهتم الشرع شخصياً بعدم خروج حالات احتجاج من جانب المسيحيين، وعندما وقعت حادثة إحراق شجرة الميلاد في منطقة حماة، بادر الى كشف هوية الفاعل، والإشارة الى أنه مقاتل أوزبكي سينال عقابه، لكنه كان مهتماً بالقول إن المقاتلين السوريين لا يفعلون ذلك. ثم طلب من مسلّحيه في دمشق الابتعاد عن نقطة تجمّع فيها عشرات الشبان من أبناء دمشق في مسيرة احتجاج، قبل أن يرسل رجاله للاجتماع برجال الدين من أجل الوقوف على مطالبهم. وبحسب شخصية غير سورية على تواصل مع الشرع، فإن الأخير يخشى ارتفاع صوت المسيحيين في دمشق، حتى لا تدقّ الأجراس في كل كنائس الغرب.
من جهة ثانية، يهتم الشرع أكثر بالقوى الناشطة بين السنّة، ويعمل على فرزها بين حليف وخصم وعدو. وهو كان جازماً أمام الأجانب والعرب بأنّ كل من له صلة بتنظيم «داعش» هو عدوّ، وسيقاتله في كل مكان من سوريا. وفي الوقت نفسه، ألزم فصائل الجنوب السوري بتسليم السلاح الثقيل، وحذّرها من الاقتراب من العاصمة، وفتح حواراً لن يقفل سريعاً مع كل الفصائل الأخرى، بمن فيها أطراف الجيش الوطني أو الضباط المنشقون والذين كانوا في مرحلة معيّنة يشكّلون الجيش الحر، لكنه يطالب هؤلاء بأن يكونوا واقعيين لناحية أنهم ليسوا القوة الرئيسية في المعركة. وهو مستعد للتفاهم معهم إن انخرطوا معه في مشروع الهيكل العسكري الجديد.
وبرغم أنه يعرف أن أصواتاً ستخرج من بين هؤلاء تتّهمه بالفردية والاستئثار، لا يبدو أن الشرع كثير الاهتمام بمراضاة الجميع، وإن كان يعتقد بأن توحيد الفصائل الإسلامية شرط أساسي لبناء المرحلة الجديدة.
الحكم الجديد في سوريا وايران
خارجياً، قد تبدو الصورة أكثر سهولة. فالشرع وفريقه وحتى الشركاء معه، ينظرون الى إيران باعتبارها العدوّ الأول لهم، فهي كانت كذلك قبل سقوط النظام، ومستمرة في موقعها الآن، وهم يعتقدون أن إيران (ومعها حزب الله) هي الجهة الوحيدة القادرة على إثارة قلاقل داخل سوريا، وأن لديها الإمكانات التي تتيح لها تحريك سوريين بأعداد كبيرة، وتوفير الدعم لهم من أجل زعزعة الحكم الجديد.
ولذلك، فإن الوجهة العملانية في أداء الشرع وفريقه تتخذ من إيران طرفاً معادياً، مع استعداد لوضعها في خانة الخصوم، إن لم تبادر طهران الى التحريض ضد الحكم الجديد، علماً أن الجميع في انتظار ما ستؤول إليه الاتصالات التي تتولاها تركيا وقطر بين إيران والحكم الجديد في سوريا. وسط اعتقاد قوي بأن الشرع ليس مستعجلاً لحسم هذا الملف.
في المقابل، يسعى الشرع الى تثبيت تحالفه مع تركيا وقطر، فيما يعمل على تحييد من يرى فيهم «خصوماً مؤثرين، مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة»، لكنه يهتم بشكل واضح ببناء حلقة «أصدقاء الضرورة»، قاصداً السعودية ومصر والعراق.
ورغم اهتمام الشرع بعلاقات جيدة مع الأوروبيين، إلا أنه يركّز على العلاقة مع الأميركيين، ويبعث يومياً بالرسائل التي يعتقد أنها تهمّ واشنطن، بما في ذلك الإدارة الجديدة. ويرى أن دمشق يجب أن تخرج من دائرة أعداء أميركا بعدما سقط النظام الذي كان حليفاً لروسيا وإيران، وأن دمشق لا تريد الدخول في معركة مع كيان الاحتلال، وتتصرّف مع الملف الفلسطيني بدرجة عالية
من الحياد، كما يكرر الشرع ورجاله أمام الأميركيين وممثّليهم بأنّ لديهم عدواً مشتركاً اسمه «داعش»، وعدوّاً آخر هو "حزب الله".
وقد فهم الأميركيون من الشرع أنه يؤيد تسوية ملف الأكراد بطريقة لا تتماشى كلياً مع التوجه التركي.
وهنا تبرز نقطة خلاف مع الأتراك الذين يلحّون في إنهاء الوجود العسكري لقوات «قسد». والشرع قال صراحة إنه لا يملك القدرة ولا الرغبة بالانخراط في المعركة الدائرة مع الأكراد اليوم، لكنه لا يمانع في أن تقوم تركيا بالمهمة وحدها، رغم اعتقاده بأن معالجة هذا الملف تحتاج الى تفاهم مع الأميركيين.
أما بما خص روسيا، فيبدو أن هناك الكثير من «القطَب المخفية» في العلاقة مع موسكو.
وثمة الكثير من المعطيات التي تحتاج الى تدقيق، بينها الحديث عن تفاهمات تمّت بين الجانبين عند وصول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» الى مشارف حماة، وأن تنسيقاً كبيراً جرى بينهما سهّل عملية الدخول الى حمص ومنها الى دمشق، مقابل تحييد كامل للقوات الروسية، والتعهّد بأن دمشق الجديدة ليست في عجلة من أمرها لإخراج الروس نهائياً من سوريا.
نقلا عن جريدة الاخبار