"Slate": طلّاب غزّة يفتقدون مدارسهم.. و الكيان الصهيوني ماض في تدمير مستقبلهم

الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 - 11:45 بتوقيت مكة
"Slate": طلّاب غزّة يفتقدون مدارسهم.. و الكيان الصهيوني ماض في تدمير مستقبلهم

كلّ المبادرات والمحاولات للحفاظ على تعليم أطفال قطاع غزّة ليست كافية لإنقاذ تعليمهم، طالما أنّ الحرب مستمرّة وآلة العدوان والتدمير الصهيونية لا تزال تعمل.

الكوثر_صحافة

موقع "Slate" ينشر مقالاً كتبته رويدا عامر، وهي مدرّسة في قطاع غزّة، تحكي فيه تجربتها قبل الحرب وبعدها، وتتحدث عن حال أطفال غزّة المنقطعين عن الدراسة بسبب الحرب المستمرة.

مع أنّني عملت لسنوات عديدة صحفية، إلّا أنّ مِهنتي الأخرى كمدرّسة هي الأقرب إلى قلبي. وعندما درست علم الأحياء ومناهج تدريسه في الجامعة، كنت موقنة  بالحصول على وظيفة في مجال التعليم.

اقرأ أيضا:

 

لكن، للأسف، لم أكن محظوظة في البداية، لأنّني من سكّان غزّة، القطاع الذي يحاصره  كيان الاحتلال، وتمنع عنه سبل الحياة بسيل من العقوبات التي تقلّص فرص العمل، وتزيد معدّل البطالة دائماً.

مع ذلك، ازددت إصراراً على مواجهة هذا التحدّي، ومضيت نحو هدفي كي أمارس مهنة التعليم وأصبح مربّية.

بِالفعل، بدأت التدريس في المنزل، وكنت أعمل 12 ساعة في اليوم لتعليم الطلاب دروساً خصوصية، ضمن دوامين في الصباح والمساء. وقبل 5 سنوات، حصلت على الفرصة التي كنت أنتظرها، وعُيّنت معلّمة العلوم للصفين الخامس والسادس في مدرسة راهبات الوردية في مدينة غزّة، وكانت تلك السنوات أسعد اللحظات في فضاء حيوي مليء بالعطاء والعاطفة والحب.

سعادتي كانت تتلخّص بالروتين اليومي في الاستيقاظ باكراً، ومشاهدة الشوارع مليئة بالطلّاب يسارعون إلى مدارسهم وشرطة المرور تؤمّن مرورهم بأمان. ومع أنّ سكني في جنوب القطاع والمدرسة التي أعمل فيها في مدينة غزّة تقع في الشمال، ما كان يستغرق منّي نحو نصف ساعة للوصول إليها، لكنّها دقائق ممتعة وأنا أحدّق من النافذة، وأرى اختلاط ألوان الزيّ المدرسي المختلفة، وكيف يبثّ الطلّابُ بمحادثاتهم وضحكاتهم مع بعضهم البعض، النبض والحياة في الشوارع خلال العام الدراسي.

الدراسة في غزة

وحين كنت أصل إلى المدرسة، كان الطلّاب يركضون نحوي لعناقي والترحيب بي، ويقومون بالعديد من التعليقات اللطيفة على مظهري اليومي، كوني مهتمّة بأن أكون أنيقة، لأنّني أعتقد أنّ هذا يساعد طلّابي على حبّ المادّة التي أدرّسها. كما أنّ الطالب يحتاج إلى حبّ مُعلّمه ليحبّ المادّة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالعلوم. أنّه ليس موضوعاً بسيطاً، وغالباً ما يتطلّب تفسيرات طويلة، ولكن بإيجاز، على الطلّاب قبول هذا الفيض من المعلومات من شخص يحبّونه.

المكان المفضّل في المدرسة هو مختبر العلوم أكثر من أيّ مكان آخر، كان يوحّد الطلّاب والأساتذة كزملاء نقوم بالتجارب العلمية العديدة معاً. لكن، لسوء الحظّ الحرب على غزّة حرمتنا من الفصول الدراسية والمختبر. فالحروب هي أكبر عدوّ لأيّ طالب. أذكر، كيف كان هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية يرعب الطلّاب الذين يهرعون للجلوس تحت المقاعد المدرسية، وكنّا نهدّئهم بإخبارهم أنّه لن يكون هناك قصف.

وكنت أسأل العديد منهم مراراً وتكراراً عن مشاعرهم إذا وقعت حرب جديدة على غزّة، ليبدأ كلّ واحد منهم في الحديث عن تجربته في الحروب السابقة، ويعبر عن كراهيته الشديدة لها وللدمار الذي تخلّفه. حاولت مواساتهم بالزعم أنّه لن تكون هناك حروب أخرى، وأنّ ما حدث في حرب 2021 لن يتكرّر. مع أنّ المدرسة تضررت بشدّة آنذاك، ومختبر العلوم كذلك. وحين بدأت الحرب الحاليّة، لم تكن الإدارة قد انتهت حتّى من ترميم وإصلاح الأضرار من الحرب السابقة.

لطالما عبّر الطلاب في غزّة عن كراهيتهم للحرب والخوف من أن تحرمهم من مدارسهم، وهم يتمتّعون على صغر سنّهم بعقول ناضجة، وكانوا يتابعون نشرات الأخبار ويعبّرون عن حزنهم إزاء الاعتداءات الإسرائيلية المأساوية على إخوتهم في القدس والضفّة الغربية، وهم لا يريدون أن تقع الحرب أيضاً على غزّة. آنذاك، في يوم الخميس  5 تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام الماضي، وضعنا خطّة عمل ليوم الانين، لأنّ يوم الجمعة كان عطلة رسمية، ويوم السبت، عطلة سنوية للمدرسة في ذكرى تأسيسها. ويوم الأحد عطلة رسمية للمدارس المسيحية في غزّة، وكان من المفترض أن نعود إلى المدرسة يوم الاثنين.

كنّا سعداء جدّاً بالحصول على 3 أيام عطلة، لأنّنا انتهينا توّاً من امتحانات الشهر الأوّل، وكنّا بحاجة إلى الراحة. لكنّ يوم السبت 7 تشرين الأوّل/أكتوبر نحو الساعة 6 والنصف مساء، سمعنا أصوات إطلاق النار، وساد الاضطراب بين الطلّاب، وبعد نحو ساعتين فهمنا ما يحدث في غزّةَ وفي محيطها، وكان كلّ شيء صعباً ومخيفاً للغاية.

في الأسبوع الأول من الحرب الحالية المستمرّة على غزّة، علّقَت الدراسة في جميع أنحاء القطاع، ولم يعد الطلّاب إلى المدرسة منذ ذلك الحين، وانتهى العام الدراسي على هذا النحو.

وبدلاً من أن يكونوا على مقاعدهم في المدرسة أصبحوا يقضون أوقاتهم بين الخيام نازحين ومشرّدين، بعيداً من منازلهم. ومع ذلك، غادر العديد منهم مساكنهم حاملين حقائبهم المدرسية، وأمضوا العام الماضي يدرسون وحدهم من دون مدرسة أو مدرسين. ويُعتقد على نطاق واسع أنّ "الجيش" الإسرائيلي يتعمّد ممارسة سياسة التجهيل القسريّ على الطلّاب الفلسطينيين في حرمانهم من الدراسة، وتدمير مدارسهم ومنازلهم، وقتل آلاف الطلّاب والمعلّمين، وتدمير 500 مدرسة وجامعة.

مع ذلك، وفي السنة الثانية على الحرب، تصرّ العائلات على تعليم أطفالهم. وقد بدأت المبادرات التعليمية الفردية تظهر في مخيّمات النازحين المختلفة، حيث أقام الكثيرون خيماً لتعليم الأطفال من مراحل الدراسة الابتدائية لتعلّم الموادّ الأساسية مثل الرياضيّات واللغتين الإنكليزية والعربية، مع أنّ هذا النشاط في ظلّ الحرب المستمرة يضع الطلاب في خطر، لأنّ القصف الصهيوني لا يتوقّف، ويستهدف كلّ مكان وزاوية. لكن، الطلّاب يستمتعون بالدروس كاستراحة من سئم الانتظار في صفوف للحصول على الماء والطعام والخبز.

وهم يريدون أن يشعروا بأنّهم أطفال لهم الحقّ في الحياة والتعليم. وهم يذهبون إلى خيام التدريس وبعضهم حفاة ليس لديهم أحذية، وملابسهم مهترئة، يجلسون على الأرض رغم التعب والإرهاق الجسديّ المضني.

كثيراً ما مشيت بين الخيّام ورأيت هؤلاء الأطفال، عندما أتحدث إليهم، يخبرونني أنّ المدرسة لها مكان مختلف في قلوبهم، قال بعضهم، "أفتقد الاستيقاظ مبكّراً. أريد أن تعود تلك الأيّام، كنت أذهب مع زملائي في الفصل الذين ينتظرونني أمام المنزل. كنّا نأخذ دروسنا وفي وقت الاستراحة نلعب معاً.. أفتقد العودة إلى المنزل، وتناول الطعام مع عائلتي، ومراجعة دروسنا وأن نكون آمنين ودافئين في منزلنا".

التقيت سلمى التي تبلغ من العمر 10 سنوات وهي في الصفّ السادس، وقد نزحت من الشمال إلى إحدى مدارس "الأونروا" في الجنوب، تحدّثت باستياء كبير عن الخيام التعليمية، وقالت إنّها تفتقد دروس العلوم التي تحبّها، وهي تعرف القراءة والكتابة باللغة العربية، وتريد تعلّم مهارات أخرى من ضمن دراستها. وهي قلقة من تكدّس الأطفال داخل الخيام الصغيرة، لأنّه يساعد على انتشار الأوبئة. كما ترى أنّ هذه المساحات غير مناسبة في فصل الصيف، لأنّها تصبح شديدة الحرارة، ولا في الشتاء لأنّها باردة جدّاً.

تضيف سلمى أنّها تفتقد أمن حياتها قبل الحرب. أصبح شغفها بالتعليم منخفضاً جدّاً. وهي تخشى أن تستمرّ الحرب ما يؤدّي إلى خسرانها سنوات عديدة من الدراسة. سلمى تريد أن تصبح طبيبة في المستقبل، وهي خائفة جدّاً من الجهل بالعلم. وقالت: "لا أعرف ما هو خطؤنا في كلّ هذا نحن الأطفال، أريد العودة إلى مدرستي. أفتقد أساتذتي ودروسي. لا أريد البقاء في الخيمة من دون تعليم".

الطلاب في غزّة

وكانت وزارة التربية والتعليم في رام الله قد حاولت إنقاذ العام الدراسي من خلال تقديم التعليم عبر الإنترنت، ولكن لم يكن من السهل الوصول إلى عشرات الآلاف من الطلاب في غزّة الذين يعيشون في خيام من دون اتّصال بالإنترنت. أصبح الاحتمال في نهاية الأمر عبئاً أكبر على الطلّاب، وهم يبحثون عن الإنترنت يائسين لمتابعة الدروس، وإجراء الامتحانات، والحصول على نتائج من أجل اجتياز مستويات درجاتهم من دون الحاجة إلى تكرارها مرّة أخرى، والعائلات تصاب بالكثير من التعب.

 لا أستطيع التواصل مع طلّابِي الآن أينما كانوا في غزّة. ولا أعرف أين هم. تمكّنت من الوصول إلى عدد قليل منهم ممّن تمكّنوا من النجاة من الحرب والسفر إلى مصر. ولكن حتّى هؤلاء الأطفال ما زالوا يعانون، بعيداً عن غزّة. تحدّثوا معي كثيراً عن ذكرياتهم في المدرسة. يحلمون بالعودة إليها حتّى ليوم واحد. يشعرون أنّ طفولتهم سرقتها منهم هذه الحرب.

سألوني مرّات عديدة إذا كانت المدرسة على ما يرام أم لا. كان عليّ أن أقول لهم الحقيقة، أنّها تعرّضت لأضرار بالغة وقُصفت مبانيها، بما في ذلك المسرح ومبنى طُلّاب المدرسة الثانوية. كما أحرق "الجيش" الصهيوني المكتبة وهدم فناء المدرسة، الذي كان يضمّ منطقة استراحة وملعب كرة قدم وملعب كرة سلّة.

وقد حاولت أن أدرّس عبر الإنترنت عندما أستطيع، لمحاولة مساعدة طلّابي من خلال شرح دروس العلوم أسبوعيّاً لمن هم في الصفوف السادس والسابع والثامن على وجه الخصوص. مع ذلك، ينتابني القلق الشديد بشأن مستقبل هؤلاء الطلاب.

وكلّ المبادرات والمحاولات للحفاظ على تعلّم الأطفال ليست كافية لإنقاذ تعليمهم، ما دامت الحرب مستمرّة، وآلة العدوان والتدميرالصهيونية لا تزال تعمل.

الحرب الصهيونية تدمّر المرافق والقطاعات والحقوق الإنسانية الأساسية والوجود الفلسطيني بحدّ ذاته فوق أرضه. ويقول العديد من الآباء إنّهم يعيشون حياتهم من أجل مستقبل أطفالهم. والأمل ضئيل للغاية في الغد، فـكيان الاحتلال ماضي في العدوان بغية تدمير مستقبل الفلسطينيين.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي قناة الكوثر وإنما تعبّر عن رأي الصحيفة حصراً

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 - 09:01 بتوقيت مكة
المزيد