الكوثر_صحافة
موقع "Mondoweiss" ينشر مقالاً للطبيبة الفلسطينية أريج حجازي، التي عملت في عدة مستشفيات في قطاع غزّة، وعاينت العديد من النساء الحوامل خلال الحرب المستمرة.
وتتحدث الطبيبة عن معاناة النساء الحوامل، وتقول إنّ ما يحصل معهم هو صورة أخرى من صور الوحشية والإبادة الجماعية التي يشنّها الكيان الصهيوني على القطاع.
اقرأ أيضا:
عملت كطبيبة نساء وتوليد في مجمع الشفاء الطبي في غزّةَ، قبل الحرب في العام الماضي، شهدت خلالها الإبادة الجماعية الصهيونية في مجمل أنحاء القطاع.
وحين بدأت الحرب كنت في الخدمة في قسم التوليد في المستشفى، حيث اعترى الخوف وجوه اللّواتي كنّ يعانين آلام المخاض وسط دويّ القصف الإسرائيلي وانهمار الصواريخ والقذائف. ومن المحزن أن تكون النساء الحوامل هن الضحايا الخفية في هذه الحرب.
وبعد مضي شهر على بدء العدوان حُوّل مبنى الولادة إلى مبنى لعلاج الأعداد الكبيرة من الجرحى، ونُقل عملي إلى مستشفى الحلو الدولي، الذي لم يسلم بدوره من الغارات الجوّية، وقصف الدبابات الإسرائيلية المتواصل لمبناه ومحيطه، مستهدفة الطابق الذي نقلت إليه الحالات الطبّية من قسم التوليد في مستشفى الشفاء، حيث هرعت النساء الحوامل والمرضى في حالة من الذعر يجرون خلفهم متعلّقات القسطرة وأكياس السوائل الوريدية ويفرّون حفاة في رعب مطلق.
في تلك اللحظة، فهمت مدى الدمار الذي خطّط لهكيان الاحتلال لإلحاقه بنا نحن الفلسطينيين. حينها، عقدت العزم على الانتقال جنوباً لحماية حياتي وحياة عائلتي، فنزحت إلى خان يونس، وعملت في مستشفى ناصر الطبّي.
ثمّ انتقلت بعد فترة وجيزة إلى رفح للعمل في المستشفى الإماراتي، ولا أزال حتّى الآن.
قصص المرضى والمصابين
أتذكّر العديد من المرضى الذين لا تغيب قصصهم من أمامي، من بينهم مريضة واحدة لن أنساها أبداً هي شهد القطاطي البالغة من العمر 20 عاماً، على الرغم من مرور عام كامل منذ أن عالجتها، حين نقلت من قسم الصدمات لفحص جنينها بسبب قلّة حركته. لن أنسى وجهها أبداً في ذلك اليوم، فتاة شابة جميلة وهادئة في حالة صدمة تامّة، سقوطها من الطابق الثالث من منزلها بعد قصفه بصاروخ. وقد أدّى ذلك إلى استشهاد زوجها، وهما تزوّجا منذ بضعة أشهر فقط. بترت إحدى ساقيها، وكسرت أطرافها الأخرى، وأجريت لها عملية قيصرية بعد فقدان جنينها في شهره الـ 6، وأجبرت شهد نفسها على تحمّل ألم الخسارة وآلام الجراح الجسدية المضنية.
أذكر أيضاً مريضة (19 عاماً)، كنت أعتني بها حين كانت حاملاً في شهرها الثاني، ووصلت إلى المستشفى برفقة والدها وشقيقتها، تعاني ارتفاعاً في درجة الحرارة ومن نزف دموي، ولم تستطع الحضور للعلاج قبل ذلك، بسبب الوضع الخطير في شمال غزّة. وعندما وصلت إلى مجمع الشفاء في ذلك اليوم، نُقل قسم التوليد إلى مستشفى آخر. وقد تطلّبت حالتها إجراءات فائقة بعد تشخيص إصابتها بالإجهاض العقيم، ولم تكن هناك أسرّة للعناية المركّزة متاحة، بسبب عدد الجرحى الكبير، حيث توفّيت في غضون 24 ساعة. أذكرها كما لو كنت معها بالأمس. لقد كان حملها الأوّل.
الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزّة تعقّد وصول المرضى والجرحى إلى مراكز الرعاية الصحّية الأساسية، ما يؤدي إلى تفاقم الظروف التي تواجهها الأمّهات والنساء الحوامل. من بينهنّ سلمى، التي كنت أعاينها في الشهر الماضي، وكان لديها طفل واحد فقط، وتأمل أن يمنحها الله شقيقاً لـ "وحيدها". وبسبب النزوح مراراً وتكراراً فات 3 أشهر على سلمى من دون مراجعة طبّية، وجاءت إلى المستشفى بعد عدم شعورها بأيّ حركة لجنينها خلال ذلك اليوم. وبشكل مأساوي كشف الفحص بالموجات فوق الصوتية عن توقّفِ نبض قلب الجنين، ما يظهر أنّها أجهضت حملها. فالحرب على غزّة التي تقتل الأبرياء بشكل مباشر، تؤدّي أيضاً إلى نشر السموم في الهواء الناتجة عن غازات الصواريخ والقذائف، الذي يستنشق سكّان القطاع، ومن ضمنهم النساء الحوامل بطبيعة الحال، ما يعرضهنّ إلى مضاعفات أخطرها الإجهاض.
في الأسبوع الماضي فقط، وخلال حديثي مع إحدى المريضات (27 عاماً)، أخبرتني أنّها أنجبت طفلها الأول بعد 5 سنوات من العقم، لكنه استشهد في هذه الحرب عن عمر يناهز 4 أشهر، ما وضعها في خضمّ صدمة نفسية عميقة، لكنها سرعان ما أصبحت حاملاً مرّة أخرى. جاءت إلى المستشفى، لأنّها كانت تعاني آلام أسفل البطن وأرادت التحقّق من الجنين، ولم أكن أعرف كيف أخبرها أنّها فقدت طفلها الثاني قبل ولادته.
الظروف الحالية
رفض العديد من الأطِبّاء الإخلاء من الشمال إلى الجنوب، وأصرّوا على البقاء في الشمال لخدمة المرضى هناك، لأنّ الوضع هناك أسوأ من الوضع في جنوب القطاع، خاصّةً في منطقة جباليا التي تعاني مجازر يومية وغارات جوّية والقصف، وتعرض المواطنين لرصاص قنّاصة جيش الاحتلال دائماً.
وفي هذه الظروف، تحاول النساء الحوامل في شمال غزّة الوصول إلى مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، ولكن مع القصف المكثّف تكاد تكون الرعاية السابقة للولادة معدومة، والوصول إلى المرافق الصحّية يكاد أن يكون مستحيلاً.
وفي كثير من الحالات، ترفض النساء الحوامل اللّواتي يحتجن إلى إجراء عملية قيصرية البقاء في المستشفى حتّى بين عشية وضحاها لأنّ المستشفيات والمناطق المحيطة بها قد استهدفت مراراً وتكراراً من قبل العدوان الإسرائيلي.
واختارت العديدات منهنّ محاولة التعافي في مراكز الإيواء في المدارس المكتظّة التي تفتقر إلى الضروريات المعيشية الأساسية خوفاً على حيواتهن.
مع استمرار العدوان الإسرائيلي وإغلاق معبر رفح، تعاني المستشفيات والعيادات من نقص في الأدوية وندرة الفوط الصحّية الضرورية والتي تضاعف سعرها أكثر من ضعف.
وإنّ الزيادة الكبيرة في استخدام حبوب منع الحمل، والتي لم تعد متوفرة في مراكز "الأونروا" أو صيدلياتها، إلى جانب إغلاق معبر رفح الحدودي، تؤدّي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في ظلّ حالة مروّعة حقّاً. وينذر انهيار المؤسسات الطبّية بتزايد المخاطر على الحوامل، ويؤدّي إلى ارتفاع السكّر وضغط الدم في أثناء فترة حملهنّ، وإلى الإجهاض المبكّر، وتشوّهات الجنين، وانفصال المشيمة، وتمزّق الرحم، ونزيف ما بعد الولادة والاكتئاب، وهي مؤشّرات واضحة على التأثير الشديد على صحّة الأمّ.
وكلّ هذه الحقائق هي صورة من صور الوحشية والإبادة الجماعية الصهيونية بحقّ الفلسطينيين في غزّة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي قناة الكوثر وإنما تعبّر عن رأي الصحيفة حصراً.