زياد النخالة، الأمين العام لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، مقتنعٌ بأن «سيف القدس» كانت إنجازاً كبيراً، لكنها ليست انتصاراً كاملاً، حيث لم تفرِض على العدو التراجع الكامل عن مخطّطاته. وهو رأى، في مقابلة مع «الأخبار»، أن أيّ ميل إلى«المساكنة» مع الاحتلال، تحت أي مبرّرات، لن يخدم سوى هذه المخطّطات، وأكّد أن الخيار الصحيح هو البناء والمراكمة على الإنجاز الكبير الذي حقّقه الشعب الفلسطيني وقواه الحيّة، بفضل الكفاح والتضحيات، لتصعيد المقاومة وإلحاق هزيمة حاسمة بالعدوّ.
عام على «سيف القدس»، كيف تقرأون المُنجَزات التي تحقّقت في المعركة؟ وكيف يمكن البناء عليها؟
من دون شكّ، حقّقت معركة «سيف القدس» إنجازات كبرى ومهمّة، وفتحت الطريق أمام الشعب الفلسطيني لإمكانية الانتصار على المشروع الصهيوني في المنطقة. لكنها ليست انتصاراً بالمعنى الكامل. هي فتحت آفاقنا وذهنيّتنا على إمكانية تحقيق انتصار جدّي وحقيقي تدريجياً، وبإمكانات متواضعة يمكننا تعزيزها، إذ إن المقاتل الفلسطيني يقاتل، اليوم، بسلاح صنعته يداه. علينا أن نراكم على إنجاز «سيف القدس» لتعزيز الجبهة الداخلية، ولتعزيز المقاتلين وإمكاناتهم. تطوير المقاومة هو في أن يصبح المقاتل في حالة استنفار دائمة. ما الذي دفع المقاتلين في غزة إلى حفر الأنفاق؟ مواجهة قصف الطائرات. نمتلك وسيلة قتالية ضدّ المدرّعة التي تنوي الاجتياح، لكن إذا لم تقم المدرّعة بالاجتياح، فما حاجتنا إلى الوسيلة المضادّة؟ عندما يصبح هناك «مساكنة» مع العدو، تفقد المقاومة روحها. نصبح مرتاحين، عندنا سلاح لكن في البيت. ما هو الهدف الذي قامت لأجله المقاومة؟ نريد تحرير البلاد، وهو هدف لم نحقّقه بعد.
واليوم، ما هي مسؤوليّتنا كفصائل مقاوِمة؟ تعزيز روحية المقاتل واستعداداته، وعدم إخلاء الميدان أبداً. وإذا كنت أنا مواطناً عربياً أنظر إلى قطاع غزة، سأسأل: ما هي المشكلة في غزة؟ عمّال يذهبون إلى العمل في الأراضي المحتلّة، المعابر مفتوحة، الناس يذهبون للعلاج في الكيان، وهناك خطّ تجاري مع مصر... وهذا كله، في النهاية، محاولة لرشوة الفلسطينيين المحاصَرين، لإبعادهم عن المقاومة. المطلوب من المقاومة أن تحافظ على حالة اشتباك دائم مع العدو، لا أقول حرباً مفتوحة بالضرورة، إنّما ليس مقبولاً أن يطمئنّ العدو إلى قطاع غزة، وأن يصبح الفلسطيني في القطاع غير مشتبك، والفلسطيني في الضفة مشتبكاً... يجب أن تبقى غزة، في حسابات الجانب الإسرائيلي، حالة تهديد دائم، وأن يكون لدينا مقاربة تضعها في هذه الحالة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس.
بعد انتهاء المعركة، شهدنا مساعيَ لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، وعروضاً لـ«تحويل غزّة إلى سنغافورة». ما هي خلفيات هذه «اليقظة» المفاجئة وأهدافها؟
المصريّون يبنون، حالياً، تجمّعات سكنية في قطاع غزة (مصر 1 و2 و3). ولكن، خلال المفاوضات التي جرت معهم بعد «سيف القدس»، قالوا: لا يمكن أن نبني لكم، فتذهبون أنتم إلى الحرب ويُدمَّر ما بنيناه. وهذا نوع من التقييد والتكبيل الذي يَخدم العدو. وغداً أيضاً، يمكن أن تأتي دول أخرى غنيّة تجعل من غزة سنغافورة جديدة، لتأمين الهدوء للعدو. المبدأ بالنسبة إلينا، هو عدم القبول بالمساكنة والتعايش مع العدو الإسرائيلي. وعلى هذا، يُدار الصراع. يمكن أن لا يُرضي هذا الكلام بعض الجهات والأطراف، ويمكن أن لا يُرضي بعض المواطنين الفلسطينيين أيضاً، لكن هذا هو دوري، وهذه هي هويّة «حركة الجهاد الإسلامي»، ويُفترض أن تكون هذه هي هوية كل فصائل المقاومة. أمّا الصراع فسيبقى مفتوحاً، ولا تحدّده أيّ جهات أو تنظيمات سياسية، طالما أن الاحتلال قائم. اليوم، ها هم يقاتلوننا على المسجد الأقصى، ويريدون - بالحدّ الأدنى - أن يقسّموه. لذلك، علينا أن نكون جاهزين ومستعدّين دائماً للمواجهة.
كيف يمكن الاستفادة من التضامن العربي والإسلامي والعالمي الواسع مع القضية الفلسطينية الذي تجلّى خلال المعركة؟
ما شاهدناه من حالة تضامن مع المقاومة خلال معركة «سيف القدس»، كان هائلاً. ولو استمرّت هذه المعركة، لكنّا رأينا أكثر. أنا أريد أن أقنع المواطن العربي أنّنا في حالة اشتباك دائم مع العدو. نحن شعب يقبع تحت الاحتلال والاضطهاد، وأيّ شعب مُحتلّ، عليه واجب المقاومة والقتال. وأنا أطالب العرب بأن لا يقولوا إن المقاومة انتصرت و«خلّصنا»، بل نحن فتحنا آفاقاً جديدة، ونحتاج إلى دعم المواطن العربي، بعيداً من الأنظمة التي تحاول ترويض التنظيمات عبر أموالها. العرب والمسلمون، شعوباً وأفراداً، مطالَبون بدعم المقاومة.
ألا تعتقدون بأولوية تصعيد المقاومة ضدّ الاحتلال في الضفة الغربية باعتبارها ساحة المواجهة الرئيسة مع مشروع الاستيطان والتطهير العرقي؟
في الضفة الغربية، ذهبت السلطة نحو اتفاقات سلام مع العدو. لكنّ الاحتلال الاسرائيلي لم يلتزم بها، إلى درجة أن عدد المستوطنين في الضفة بات يبلغ 800 ألف. مَن يُخرِج هؤلاء؟ كلّما ذهبت إلى المساكنة مع العدو، سيفرض عليك أمراً واقعاً، حتى تستسلم له في النهاية، أو تذهب إلى المواجهة التي ستكون قد أصبحت أكثر صعوبة وتعقيداً. مثلاً، قبل «اتفاق أوسلو» كان عدد المستوطنين يبلغ عشرات الآلاف في الضفة. وبعده، صار لدينا دولة أخرى، غير إسرائيل، هي دولة المستوطنين.
الآن، بعد سنوات طويلة، بدأ يتسرّب إلى عقل السلطة أن هذا التنسيق وهذا الاتفاق مع العدو صارا بلا قيمة. وهم يقولون ذلك. وأنا أرى أنه، في الإجمال، لا يوجد فلسطيني يقبل بكيان الاسرائيلي. كل الفلسطينيين ضدّها. لكنّ هناك فلسطينيين «بيتشاطروا» على فلسطينيين آخرين، ويقولون إن لديهم مشروعاً سياسياً و«تكتيكاً» يحقّق إنجازاً ما، فيذهبون في هذا الاتجاه... لكنّ التجربة أثبتت أن الإسرائيلي لا يمتلك مشروعاً مقابلاً. ما هو المشروع الإسرائيلي المقابل؟ هذا سؤال يجب أن يجيب عليه كل فلسطيني. ما هي إسرائيل؟ نحتاج إلى إعادة تعريف المشروع الصهيوني.
بعضنا ذهب، عبر «التكتيك»، إلى اتفاقات مع العدو الذي يملك دعماً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً دولياً هائلاً. أنت دخلت في معركة سياسية ليست بحجمك ولا بقدرتك. ما نستطيع فعله، هو أن نخلق مشاكل للكيان الاسرائيلي، وعندها سيأتي هو ليحلّ المشكلة، مشكلة المستوطن، وليست مشكلتنا. هذا هو دورنا. العدو لم يفاوض أبا عمار (الرئيس ياسر عرفات) لأنه كان مرتاحاً، بل لأن الشعب الفلسطيني كان يدفع دماً في الانتفاضة. لكن، تبيّن أن مشروع التفاهم أدّى إلى خسارة الفلسطينيين تماماً. الإنجاز هو أن تفرض على العدو أن يدفع ثمن التفاهم، مهما كان، حتى ولو بحدود عام 1967، التي، بالمناسبة، لا يقبل بها الإسرائيلي، بينما يبادر بعضنا إلى القبول بهذه الحدود. وهذا يعني تنازلاً من دون أن يكون لدى الطرف المقابل المحتلّ، أيّ عرض.
في القتال ترتسم الجغرافيا، وليس من خلال المفاوضات. إذا قاتلنا وفرضنا وقائع على الأرض، وشعر الإسرائيلي بأنه مُهدَّد، سينسحب كما حصل في غزة، حيث لم يستطع حماية 15 ألف مستوطن كانوا فيها. نحن، اليوم، قادرون على أن نضع الاستيطان في الضفة الغربية تحت التهديد، وفي هذه الحالة فقط، يمكن أن نُحقق تغييرات، لأن الإسرائيلي يعتقد أنه يشتري الفلسطينيين ببعض التسهيلات الاقتصادية، وهذا مشروع الحكومة الحالية، والتي تعتقد أنه الحلّ لمشكلة غزة.
إذا قاتلنا نحقّق الإنجاز، أمّا إذا قبلنا بحالة المساكنة، فالإسرائيلي مرتاح وليس لديه مشكلة، ومستعدّ لتقديم المزيد من التسهيلات الاقتصادية، وحتى الأمنية أيضاً، كونه المستفيد. القتال مجال مفتوح: يمكن أن يكون بالحجر والسكين والبندقية والصاروخ. ما يهمّ هو أن يتواصل القتال. يجب أن لا يشعر الإسرائيلي بأنه قادر على إسكات أيّ طرف فلسطيني عبر التفاهم. أنا لا أشكّك في أيّ فصيل فلسطيني مقاوم، لكن يمكن القول إن هذا «اجتهاد غير صائب». الصائب هو أن لا أدع العدو يستقرّ، وأجعله دائماً مضطراً للبحث عن حلّ لمشكلاته التي أخلقها أنا له. والتجربة في جنوب لبنان شاهدة، حيث لم تكن خسائر العدو بالغة وكبيرة، لكن العدو لم يحتمل قتيلاً أو اثنين في الشهر، أي أن العبرة هي في استمرار الاشتباك. وهذا لا يعني أن نذهب إلى «سيف القدس» جديدة كل يوم.
يجب أن تكون القناعة أن الاحتلال الاسرائيلي طرف لا يمكن التفاوض ولا التفاهم معه. وعلى هذا الأساس، تُبنى كلّ برامجنا. وهو ما يدفعنا إلى خلْق وقائع جديدة تنطلق من المقاومة، ويجعل إيهود باراك (رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي الأسبق)، مثلاً، يشكّك في كل المشروع الصهيوني بعد مقتل نحو 20 مستوطناً خلال مدّة قصيرة. المستوطنون باتوا يشعرون بأنهم تحت تهديد يومي. وهم يشعرون أكثر بأنهم تحت تهديد أفراد، والدولة التي تكون تحت تهديد فرد، ليست دولة. هذا ببساطة مشروع اقتصادي، إن استطعنا هزّه سينهار. ويمكن أن يكون لهم متّسع في أيّ مكان في العالم، لكن ليس في فلسطين.
ما هو موقف «حركة الجهاد الإسلامي» من أطروحة «أولويّة» تحقيق الوحدة الوطنية كشرط لتفعيل المقاومة؟
البعض يرفع شعار «الوحدة الوطنية»، ليكون إطاراً للتفاهم مع العدو! الميدان هو ما يحقّق الوحدة الوطنية الفلسطينية. المقاتلون في الميدان يرسمون مساراً للوحدة الوطنية، وما يجري في الضفة الغربية، اليوم، وخاصّة في جنين ونابلس وطولكرم وغيرها، حيث يقاتل أبناء «سرايا القدس» و«كتائب القسّام» و«كتائب شهداء الأقصى» وغيرهم، جنباً إلى جنب. حتى إنك لا تستطيع التمييز بينهم كثيراً، لأنهم يسيرون على خطّ واحد، وهنا تُصنع الوحدة. أما في السياسة، فيصبح التنافس على الحصّة الكبرى في المؤسّسات والدوائر والسفارات وغير ذلك. ومن هنا، نرفض إجراء الانتخابات في هذه الظروف وفي ظلّ الاحتلال، لأن المطلب من ورائها هو النفوذ السياسي والحكم، وهذا ما لا يجب أن يكون هدفاًَ.
المصدر: الاخبار