في أي فصل ولد رسول الله؟ في فصل الربيع. فقد جاء في بعض الكتب أنه ولد في فصل الربيع. وقد أجرى بعض العلماء حساباتهم ليعرفوا في أي من أيام السنة الشمسية كانت ولادته، فكانت النتيجة: إن اليوم الثاني عشر من ربيع الثاني من تلك السنة قد صادف اليوم العشرين من نيسان وإن السابع عشر من ربيع الأول يصادف اليوم الخامس والعشرين منه.
وفي أي يوم من أيام الأسبوع كانت ولادته؟ يرى الشيعة أنه ولد في يوم الجمعة، بينما أكثر أهل السنة يقولون: إن ولادته كانت في يوم الإثنين.
وفي أي ساعة من ساعات اليوم كانت ولادته؟ لعل من المتفق عليه أن ولادته كانت بعد طلوع الفجر، وبين الطلوعين.
إن تاريخ حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تاريخ عجيب. أبوه هو عبد الله بن عبد المطلب، ذلك الفتى المبرز اللامع في كل أرجاء مكة– بصرف النظر عن حكاية محاولة ذبحه إيفاءً بنذر وغير ذلك– فقد كان وسيمًا، مديد القامة، مؤدبًا، صاحب كياسة وتعقل، تتمناه فتيات مكة زوجًا، لكنه يتزوج آمنة بنت وهب ذات صلة القربى بقبيلته، ويعزم على السفر إلى الشام، ولما يمضي على زفافه أكثر من أربعين يومًا، في سفرة تجارة على ما يظهر. وفي العودة يعرج على المدينة، حيث أقرباء أمه، فيتوفاه الله هناك، وما يزال النبي الكريم في بطن أمه. فيولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتيمًا، ليس له من حنان الأب نصيب.
كان من المتعارف عند العرب أن يعهدوا بأبنائهم إلى المراضع في البوادي، وإذ تأتي حليمة السعدية من البادية إلى مكة، يُعهد إليها بإرضاع محمد. ولهذه المرضعة وزوجها حكايات مسهبة عن هذا الرضيع، وكيف أنه بحلوله في بيتهما حلت معه البركة عليهما من السماء والأرض. ويظل الطفل أربع سنوات بعيدًا عن أمه وجده وقومه في مكة، يعيش في البادية مع البدو وعند مرضعته.
بعد ذلك يسترجعونه من المرضعة إلى حضن أُمه الحنون، تلك الأُم التي فازت بزوج مثالي هو عبد الله الذي افتخرت به يوم تزوجته على بنات مكة، ولكنها تفقده وما يزال ابنه جنينًا في بطنها. فإذا كان هذا مبلغ حبها وتعلقها بزوجها الراحل، فلا شك أن ابنها سيكون هو الذكرى العظيمة لذاك الزوج الحبيب، وترى فيه كل آمالها التي علقتها على أبيه من قبل. وما دامت آمنة قد عزفت عن الزواج بعد عبد الله، فإن عبد المطلب، جد محمد، يتكفل به وبأمه معًا.
وتطلب آمنة الإذن يومًا من عبد المطلب لتزور أقاربها في المدينة مع ولدها، وتتحرك القافلة بهما مع وصيفتها أُم أيمن. وهذه هي السفرة الأولى التي يقوم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وهو في الخامسة من عمره. وعند العودة من المدينة إلى مكة، تمرض آمنة في منزل يقال له (الأبواء)–وهو ما يزال باقيًا لحد الآن–فتضعف عن الحركة ويتوفاها الله. ويشهد الطفل وفاة أُمه في الطريق، حيث يتم دفنها، ويعود إلى مكة مع أُم أيمن، تلك المرأة الوفية التي غدت بعد ذلك حرة، ولكنها ظلت في خدمة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلى أن ماتت، حتى أن الرواية المعروفة التي ترويها السيدة زينب عليها السلام تسندها إلى أُم أيمن هذه.
انقضت خمسون عامًا على ذلك، وكان العام الثالث للهجرة عندما مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمدفن أُمه في (الأبواء)، فترجل واتجه إلى ناحيته دون أن يكلم أحدًا، فتبعه بعضهم حتى وصل إلى مكان بعينه، فجلس يقرأ الدعاء والفاتحة، وغاص في تفكير عميق محدقًا بنظره إلى نقطة معينة، ثم انحدرت دموعه الكريمة على خديه وهو ما يزال يقرأ. فسُئل: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: ها هنا قبر أُمي حيث دفنتها قبل خمسين سنة.
أما عبد المطلب فقد أصبح محمد–بعد موت أُمه–شغله الشاغل، وبخاصة بعد وفاة عبد الله، وكان يقول لأبنائه: إن محمدًا يختلف عن غيره اختلافًا كبيرًا، وإن له لمستقبلًا لا تعلمونه. وقبيل موته أحضر ولده الأكبر أبا طالب، الذي كانت له مكانة مرموقة في مكة، وخاطبه قائلًا: إنني لا أخشى الموت، إلا أنني قلق على أمر واحد، وهو مصير هذا الطفل، فلمن أعهد به؟ أتتقبله أنت وتكفله عني؟ فأجابه بالإيجاب وتعهد له بذلك، ووفى بوعده. ومنذ ذلك اليوم أصبح أبو طالب–والد علي–الكفيل بتربية محمد وتنشئته.
المصدر: كتاب الأسوة الحسنة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.