قبيلة بني أسد تعيش أطراف كربلاء خرج رجالها يتفحَّصون الشهداء، ويتتبَّعون أنباء الواقعة بعد رحيل جيش عمر بن سعد (لعنه الله) إلى الكوفة، فلمّا نظروا إلى الأجساد وهي مقطّعة الرؤوس، تحيّروا في دفنها، فبينما هم كذلك جاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) بمعجزة طي الأرض إلى أرض كربلاء.
وجاء في تحقيق السيّد المقرّم: عندما أقبل الامام السجّاد (ع) وجد بني أسد مجتمعين عند الشهداء متحيّرين لا يدرون ما يصنعون، ولم يهتدوا إلى معرفتهم، وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم، وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم، فأخبرهم الامام (ع) عمّا جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة، وأوقفهم على أسمائهم، كما عرّفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل، ونشرت الأسديات الشعور ولطمن الخدود.
ثم مشى الإمام زين العابدين (ع) إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءً عالياً، وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق، فبسط كفّيه تحت ظهره وقال: (بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، صدق الله ورسوله، ما شاء الله لا حوّل ولا قوّة إلاّ بالله العظيم)، وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه، وقال لهم: (إنّ معي من يعينني)، ولمّا أقرّه في لحده وضع خدّه على منحره الشريف قائلاً:
(طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطاهر، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرقة، أمّا الليل فمسهّد، والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي فيها أنت مقيم، وعليك منّي السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته).
وكتب على القبر: (هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، الذي قتلوه عطشاناً غريباً).
ثم مشى إلى عمّه العباس (ع) فرآه مقطوع الرأس والكفين وجسده مرمل بدماء الجراح، فوقع عليه يلثم نحره المقدّس قائلاً: (على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، وعليك منّي السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته).
وشق له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد، وقال لبني أسد: (إنّ معي من يعينني)، وترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء، وعيّن لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين، ووضع في الأُولى بني هاشم، وفي الثانية الأصحاب وأمّا الحر الرياحي فأبعدته عشيرته إلى حيث مرقده خارج مدينة كربلاء.
وبعدما أكمل الإمام علي السجاد (ع) دفن الأجساد الطاهرة، عاد إلى الكوفة والتحق بركب السبايا.