يا جبرئيل إنه لمني وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما " وأنفسكم " يعني من شئتم من رجالكم " ثم نبتهل " أي نتضرع في الدعاء عن ابن عباس، وقيل: نلتعن، فنقول: لعن الله الكاذب " فنجعل لعنة الله على الكاذبين " منا، وفي هذه الآية دلالة على أنهم علموا أن الحق مع النبي صلى الله عليه وآله لأنهم امتنعوا من المباهلة، وأقروا بالذل والخزي، وانقادوا لقبول الجزية، فلو لم يعلموا ذلك لباهلوه، وكان يظهر ما زعموا من بطلان قوله في الحال، ولو لم يكن النبي صلى الله عليه وآله متيقنا بنزول العقوبة بعدوه دونه لو باهلوه لما أدخل أولاده و خواص أهله في ذلك مع شدة إشفاقه عليهم. انتهى كلامه رفع الله مقامه (٢).
ولنذكر هنا بعض ما ذكره المخالفون في تفسير تلك الآية ليكون أجلى للعمى وأبعد عن الارتياب، قال الزمخشري في الكشاف: " فمن حاجك " من النصارى " فيه " في عيسى " من بعد ما جاءك من العلم " أي من البينات الموجبة للعلم " تعالوا " هلموا، والمراد المجئ بالرأي والعزم، كما تقول: تعال نفكر في هذه المسألة " ندع أبناءنا وأبناءكم " أي يدع كل مني ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة " ثم نبتهل " ثم نتباهل بأن نقول: بهلة الله على الكاذب منا ومنكم والبهلة بالفتح والضم: اللعنة، وبهله الله: لعنه وأبعده من رحمته، من قولك:
أبهله: إذا أهمله، وناقة باهل: لاصرار عليها (٣)، وأصل الابتهال هذا، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا.
وروي أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى وننظر، فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر
النصارى أن محمدا نبي مرسل، ولقد جاء كم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم، ولا ثبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكن، فان أبيتم إلا إلف دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد غدا محتضنا الحسين، آخذا بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى: إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لازاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبق (١) على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرك على دينك، ونثبت على ديننا، فقال:
" فإن أبيتم (٢) المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم " فأبوا قال:
" فإني أناجزكم " فقالوا: مالنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة: ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعا عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال:
" والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا " وعن عايشة (٣) أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج وعليه مرط مرحل (٤) من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم علي ثم قال:
" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "
بحار الانوار ج21/ص 280الى 281