أشرقت المدينة المنورة في الخامس من شهر شعبان المبارك عام 38هـ من الهجرة النبوية الشريفة بميلاد الامام الرابع من اهل بيت النبي والوحي الامام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. أُمّه السيّدة شاه زنان بنت يَزدَجُرد بن شهريار بن كسرى، ويقال: إن اسمها شهربانو، وزوجته السيّدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. والقابه عليه السلام :زين العابدين، سيّد العابدين، السجّاد، ذو الثفنات، إمام المؤمنين، الزاهد، الأمين، المُتَهَجِّد، الزكي... وأشهرها زين العابدين. وكنيته أبو محمّد، أبو الحسن، أبو الحسين، أبو القاسم...
وعاش عليه السلام سبعة وخمسين سنة تقريبا قضی مايقارب سنتين او اربع منها في کنف جده الامام علي (ع) ثم ترعرع في مدرسة عمه الحسن وابيه الحسين عليها السلام سبطي رسول الله (ص)، وارتوی من نمير العلوم النبوية واستسقی من ينبوع اهل البيب الطاهرين.
برز علی الصعيد العلمي اماما في الدين ومنارا في العلم ومرجعا لاحکام الشريعة وعلومها ومثلا اعلی في الورع والتقوی واعترف المسلمون جميعا بعلمه واستقامته وانقاد الواعون منهم الی زعامته وفقهه ومرجعيته.
وعاصر عليه السلام في سني إمامته من الحكام الامويين كل من يزيد بن معاوية، معاوية بن يزيد، مروان بن الحكم، عبد الملك بن مروان، الوليد بن عبد الملك.
وکان عليه السلام للمسلمين عموما تعلق عاطفي شديد بهذا الامام الهمام و ولاء روحي عميق له وکانت قواعده الشعبيه ممتدة في کل مکان من العالم الاسلامي ولم تکن ثقة الامة بالامام زين العابدين (ع) -علی اختلاف اتجاهاتها ومذاهبها- مقتصرة علی الجانب الفقهي والروحي فحسب، بل کانت تؤمن به مرجعا وقائدا ومفزعا في کل مشاکل الحياة وقضاياها، بوصفه امتدادا لآبائه الطاهرين. فكان قمّة في الفضائل والأخلاق، وتميّز بها عن بقيّة أهل زمانه ، فكان أعلم أهل زمانه، عُرف عليه السلام بحلمه وعفوه وصفحه وتجاوزه عن المسيء، اما شجاعته قد اتّضحت واستبانت في مجلس الطاغية عبيد الله بن زياد، عندما أمر الأخير بقتله، فقال الإمام عليه السلام له: أبالقتل تهدّدني يا بن زياد، أما علمت أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة. وقال للطاغية يزيد في الشام: يابن معاوية وهند وصخر، لقد كان جدّي علي بن أبي طالب في يوم بدر والخندق في يده راية رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفّار. وكان عليه السلام، كثير التصدّق على فقراء المدينة ومساكينها وخصوصاً بالسرّ، وقد روي أنّه كان لا يأكل الطعام حتّى يبدأ فيتصدّق بمثله. وروي أنّه عليه السلام كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به، ويقول: إنّ صدقة السرّ تُطفئ غضب الربّ. كما كان عليه السلام دائم العتق للعبيد في سبيل الله، فقد روي عنه عليه السلام أنّه كان بين الآونة والأُخرى يجمع عبيده ويطلقهم. وتجلت فصاحته عليه السلام، وبلاغته في الخطب العصماء التي خطبها في الكوفة في مجلس الطاغية عبيد الله بن زياد، وفي الشام في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية، ثمّ في المدينة المنوّرة بعد عودته من الشام. هذا ناهيك عن الصحيفة السجّادية الكاملة، وما جاء فيها من عبارات الدعاء الرائعة والمضامين العميقة، وبلاغة اللفظ وفصاحته وعمقه، والحوارات الجميلة والعبارات اللطيفة الجزيلة التي يعجز البلغاء والشعراء عن إيراد مثلها. وقد عُرفت الصحيفة بـ "إنجيل آل محمّد".
اقرا ايضا:
قصص معبرة ... من حياة الامام السجاد (ع)
وكان للإمام علي بن الحسين عليه السلام مهابة خاصّة في قلوب الناس، روي أنّ الخليفة الأُموي هشام بن عبد الملك جاء إلى مكّة لأداء الحجّ ـ قبل استخلافه ـ فأراد استلام الحجر الأسود فلم يقدر، فنصب له منبر فجلس عليه وطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام زين العابدين عليه السلام، وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة، بين عينيه ثفنة السجود، فجعل يطوف، فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له. فقال شامي: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أعرفه؛ لئلاّ يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكنّي أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ قصيدته المشهورة:
يا سائلي أين حلّ الجود والكرم ** عندي بيان إذا طلا به قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ** هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
هذا الذي أحمد المختار والده ** صلّى عليه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه ** لخرّ يلثمّ منه ما وطئ القدم
هذا علي رسول الله والده ** أمست بنور هداه تهتدي الأُمم
هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة ** وابن الوصي الذي في سيفه نقم
إذا رأته قريش قال قائلها ** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وليس قولك مَن هذا بضائره ** العرب تعرف من أنكرت والعجم
يُنمي إلى ذروة العزّ التي قصرت ** عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يُغضي حياءً ويُغضَى من مهابته ** فما يكلّم إلّا حين يبتسم
ينجاب نور الدجى عن نور غرّته ** كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفّه خيزران ريحه عَبِقٌ ** من كفّ أروعَ في عِرنينه شَمَم
ما قال لا قطّ إلّا في تشهّده ** لولا التشهّد كانت لاؤُهُ نعم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ** بجدّه أنبياء الله قد خُتموا
السلام عليك يا مصباح المؤمنين، السلام عليك يا مولاي يا أبا محمد أشهد أنك حجة الله وابن حجته وأبو حججه وابن أمينه وأبو أمنائه وأنك ناصحت في عبادة ربك وسارعت في مرضاته، وخيبت أعداءه، وسررت أولياءه، أشهد أنك قد عبدت الله حق عبادته، واتقيته حق تقاته وأطعته حق إطاعته حتى أتاك اليقين، فعليك يا مولاي يا ابن رسول الله أفضل التحية والسلام ورحمة الله وبركاته .