يا رسمُ لا رَسمتكَ ريحٌ زعزعُ *** وسَرَتْ بليل في عراصِك خروعُ
لَم ألفَ صَدري من فؤادي بَلقعا *** إلاّ وأنت مِنَ الأحبّةِ بَلقَعُ
جاري الغَمام مدامعي بك فانثَنتْ *** جون السحائب فهي حَسرى ظلّعُ
شروى الزمان يُضيء صبحٌ مسفرٌ *** فيه فيَشفعهُ ظلامٌ أسفعُ
للهِ درَّك والضِلالُ يَقودني *** بيدِ الهوى فأنا الحَرونُ فاتبعُ
يقتادني سكرُ الصَبابة والصبا *** ويصيحُ بي داعي الغرامِ فأسمعُ
دهرٌ تقوّضَ راحلاً ما عيب من *** عقباه إلاّ أنهُ لا يَرجعُ
يا أيها الوادي أجلّكَ وادياً *** وأعزّ إلاَ في حماك فأخضعُ
وأسوف تُربَكَ صاغراً وأذل في *** تلكَ الرُبى وأنا الجَليدُ فأخنعُ
ذاك الزمانُ هو الزمان كأنما *** قيظ الخطوب به ربيعٌ مُمْرعُ
وكأنما هو روضةٌ ممطورةٌ *** أو مِزنةٌ في عارضٍ لا تقلعُ
قد قلت للبرقِ الذي شقّ الدُجى *** فكأن زنجياً هنالكَ يُجدَعُ
يا برقُ إن جئتَ الغريَّ فقل لهُ: *** أتراكَ تعلمُ من بأرضِكَ مودعُ
فيكَ ابنُ عمران الكليمُ وبعدهُ *** عيسى يقفّيهِ وأحمدُ يتبعُ
بل فيكَ جبريلُ وميكالُ واسـ *** ـرافيلُ والملأُ المقدسُ أجمعُ
بل فيكَ نورُ اللهِ جلَّ جلالهُ *** لذوي البصائرِ يستشفُ ويلمعُ
فيكَ الإمامُ المرتضى فيكَ الوصيُّ *** المجتبى فيكً البطينُ الأنزعُ
الضاربُ الهامَ المقنّعُ في الوغى *** بالخوف للبُهمِ الكُماة يقنّعُ
والسمهريةُ تستقيمُ وتنحني *** فكأنَّما بين الأضالع ِأضلعُ
ومبددُ الأبطال حيث تألّبوا *** ومفرّقُ الأحزابِ حيثُ تجمّعوا
والحبرُ يصدعُ بالمواعظِ خاشعاً *** حتى تكادَ لها القلوبُ تصدّعُ
حتى إذا استعرَ الوغى متلظياً *** شَربَ الدماءَ بغلةٍ لا تقنعُ
مُتجلبباً ثوباً من الدمِ قانياً *** يعلوهُ مِنْ نقعِ الملاحمِ بُرقعُ
هذا ضميرُ العالمِ الموجودِ عن *** عدمٍ وسرُّ وجودهِ المستودعُ
هذا هو النورُ الذي عذباتُه *** كانت بجبهةِ آدم تتطلعُ
وشهابُ موسى حيثُ أظلمَ ليلُهُ *** رُفعتْ له لألاؤهُ تتشعشعُ
يا من له رُدّت ذكاءُ ولمْ يَفُزْ *** بنظيرها مِنْ قبلُ إلاّ يوشعُ
زُهد المسيح وفتكةُ الدهرِ الذي *** أودى بها كسرى وفوَّز تُبعُ
هذي الأمانة لا يقومُ بحملها *** خُلقاء هابطةٌ وأطلسُ أرفعُ
يا هازمَ الأحزابِ لا يثنيهِ عن *** خوضِ الحِمامِ مدججٌ ومدرّعُ
يا قالعَ البابِ التي عن هزّها *** عجزتْ أكفٌ أربعونَ وأربعُ
لولا حدوثك قلت: إنك جاعلُ الـ *** أرواحَ في الأشباحِ والمستنزّعُ
لولا مماتُكَ قلت: إنَّكَ باسطُ الـ *** أرزاق ِ تقدرُ في العطاءِ وتوسِـعُ
ما العالمُ العُلويّ إلاّ تربةٌ *** فيها لِجُثتِكَ الشريفةِ مضجعُ
أنا في مديحِك ألكنُ لا أهتدي *** وأنا الخطيبُ الهزبري المصْقعُ
ما الدهرُ إلاّ عبدُكَ القِنُّ الذي *** بنفوذِ أمركَ في البرية مولعُ
أ أقولُ فيكَ سميدعُ كلا ولا *** حاشا لمثلكِ أن يُقالَ سميدعُ
بل أنت في يومِ القيامةِ حاكمٌ *** في العالمينَ وشافعٌ ومشفَّعُ
ولقد جهلت وكنت أحذقَ عالمٍ *** أغرارُ عزمِك أم حسامُك أقطعُ
وفقدتُ معرفتي فلستُ بعارفٍ *** هل فضلُ علمِكَ أم جنابُكَ أوسعُ
لي فيكَ معتقدٌ سأكشفُ سِرَّهُ *** فليصغِ أربابُ النهى وليسمعوا
هي نفثةُ المصدورِ يطفيءُ بردَها *** حرُّ الصبابة فاعذلوني أو دعوا
واللهِ لولا حيدرُ ما كانت الـ *** ـدنيا ولا جمعُ البرية مجمعُ
من أجلهِ خُلِقَ الزمان وضَوّئت *** شهبٌ كَنَسْنَ وجنَّ ليلٌ أدرعُ
وإليهِ في يومِ المعادِ حسابُنا *** وهو الملاذُ لنا غداً والمَفزعُ
هذا اعتقادي قد كشفت غطائهُ *** سيضرُّ معتقداً لهُ أو ينفعُ
أهواكَ حتى في حشاشةِ مهجتي *** نارٌ تَشُبُّ على هواكَ وتلذعُ
وتكادُ نفسي أن تذوبَ صبابةً *** خلقاً وطبعاً لا كمن يَتَطَبّعُ
ورأيتُ دينَ الاعتزالِ وأنني *** أهوى لأجلكَ كلَّ مَنْ يَتشيَّعُ
ولقد علمتُ بأنّه لا بدَّ مِنْ *** مَهديّكُم وليومِه أتطلعُ
يحميهِ مِنْ جندِ الإلهِ كتائبٌ *** كاليمِ أقبلَ زاخراً يتدَفعُ
فيها لآل أبي الحديد صوارمٌ *** مشهورةٌ ورماحٌ خطٍ شُرّعُ
ورجالُ موتٍ مقدمون كأنهم *** أسدُ العرين الربدِ لا تتكعكعُ
تلك المنى أما أغبْ عنها فلي *** نفسٌ تنازعني وشوقٌ ينزعُ
ولقد بكيتُ لقتلِ آلِ محمدٍ *** بالطفِ حتى كلُّ عضوٍ مدمعُ
وحريم آلِ محمدٍ بين العدى *** نهبٌ تقاسِمهُ اللئامُ الوضَّعُ
من فوقِ أقتابِ الجمال يشلّها *** لُكعٌ على حَنَقٍ وعَبدٍ أكوعُ
مثل السبايا بل أذلُّ يشقُ منــ *** هُنّ الخمارُ ويُستباحُ البُرقُعُ
فمصفّدٌ في قيدهِ لا يُفتدى *** وكريمةٌ تُسبى وقُرطٌ يُنزَعُ
تاللهِ لا أنسى الحُسين وشِلوهُ *** تَحتَ السنابك بالعراءِ مُوزَّعُ
متلفعاً حُمرَ الثيابِ وفي غدٍ *** بالخُضرِ في فردوسهِ يَتلفَّعُ
لهفي على تلك الدماء تُراق في *** أيدي أميةَ عنوةً وتضيّعُ
بأبي أبا العباس أحمد أنه خيرُ *** الورى مِنْ أنْ يطلَّ ويمنعُ
فهو الوليُّ لثارِها وهو الحَمو *** لُ لعبئها إذْ كلُّ عودٍ يضلعُ
إقرأ أيضا: ذكرى ولادة مولود الكعبة في شعر الأدباء المسيحيين