واعتباراً من فجر اليوم، اتّخذت واشنطن ثلاث خطوات تُعدُّ بمثابة «انقلاب» للاتّجاه الذي ساد إبّان العهد السابق، وتفتتح بها مساراً يُفترض أن يؤدّي إلى العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران: أولاها، موافقة الولايات المتحدة على الدعوة الأوروبية للمشاركة في محادثات تَحضُرها إيران لبحث سُبل إعادة إحياء الاتفاق النووي؛ وثانيتها، إبطال الإجراء الذي اتّخذته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لإعادة فرض كل العقوبات الأممية على طهران؛ وثالثتها، الحدّ من القيود المفروضة على تنقلات الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك.
وفي انتظار أن تتّضح مآلات الخطوات الأميركية، يبدو أن الولايات المتحدة تراجعت عن موقفها إزاء «ضرورة» أن تبادر الجمهورية الإسلامية إلى الخطوة الأولى في مسار حلّ القضيّة النووية، والذي قابلته الأخيرة بالتصعيد نوويّاً، من خلال تقليص التزاماتها بموجب الاتفاق، عبر قرارها تعليق العمل بالبروتوكول الإضافي، والذي يجيء في سياق مسار «الردّ المتدرّج» الذي دشّنته منتصف عام 2019، ردّاً على انسحاب واشنطن من الاتفاق واعتمادها سياسة «الضغوط القصوى». وليل أمس، أعاد حساب المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، على «تويتر»، نشر مقتطف من خطاب، يؤكّد فيه «(أننا) سمعنا كثيراً من الكلام والوعود الجيّدة التي نُقضت وعمل عكسها. لا جدوى من الكلام والوعود، هذه المرّة فقط بالعمل».
وإزاء ذلك، اشتغلت عجلة الدبلوماسية الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي؛ وعُقدت محادثات بين وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والتي انتهت إلى موافقة واشنطن على دعوة وجّهتها إليها بروكسل للمشاركة في محادثات تحضرها طهران لبحث سبل إعادة إحياء الاتفاق النووي. وأعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أنّ «الولايات المتحدة تقبل دعوة من الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي لحضور اجتماع لمجموعة 5 + 1 (الولايات المتحدة وألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا) وإيران، للبحث في الطريقة المثلى للمضيّ قدماً في شأن برنامج إيران النووي». وفي هذا الإطار، نقل موقع «بوليتيكو» عن مصدر في الإدارة الأميركية قوله إن الرئيس جو بايدن قد يعلن نيّته العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، خلال كلمته في «مؤتمر ميونيخ للأمن» اليوم الجمعة.
في هذه الأثناء، أبلغت الولايات المتّحدة مجلس الأمن الدولي أنّ العقوبات الأمميّة التي كانت مفروضة على إيران وألغيت بموجب الاتفاق النووي «لا تزال مرفوعة»، لتبطل بذلك إجراءً اتّخذته، في أيلول/ سبتمبر الماضي، إدارة ترامب التي حاولت عبثاً إقناع المجلس بإعادة فرض تلك العقوبات. وقال القائم بأعمال السفير الأميركي في الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، في رسالة إلى مجلس الأمن إن العقوبات الدولية «التي رُفعت بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 2231» في عام 2015، «لا تزال مرفوعة». كما أعلنت واشنطن أنها ستخفّف القيود الصارمة التي فرضتها الإدارة السابقة على تحركات الدبلوماسيين الإيرانيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك في إطار الجهود الرامية إلى الحدّ من التوتّرات بين الجانبين. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية: «الفكرة هنا هي اتّخاذ خطوات لإزالة العقبات غير الضرورية أمام الدبلوماسية المتعدّدة الأطراف، من خلال تعديل القيود المفروضة على السفر الداخلي. كانت تلك (القيود) مُقيِّدة للغاية».