الآية الكريمة (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) ﴿المائدة:71﴾، ناظرة إلى فريق من اليهود الذين عاهدوا اللَّه على أن يتبعوا دعوات الأنبياء ويخضعوا لها، إلّا أنّهم كلما جاءهم رسول يأمرهم بما يخالف أهواءهم النفسية نهضوا ضده أو قتلوه.
ثم تضيف الآية: إنّهم حسبوا أن لا تكون فتنة ولا عذاب، وهذا ظن باطل نشأ عن حب الدنيا والكبر والغرور، ظن باطل تدعو إليه الشياطين والأهواء النفسية، وهذا الظن هو الذي ألقى بحجابه على أفئدتهم وأبصارهم وسمعهم فحال دون أن يعقلوا شيئاً، فلم تعد أبصارهم تدرك الآثار المتبقية من المصير المؤلم للأقوام السالفة، ولم تعد آذانهم تمتلك قدرة سماع ما يُنقل عنهم، وبهذا فقدوا هاتين الوسيلتين المهمتين للمعرفة - السمع والبصر- من الناحية العملية، وظنوا أنّهم في أمان من عذاب اللَّه، وقد حصل لهم هذا الظن من خِلال السير في الأرض ودراسة التاريخ والأقوام السالفة، فما سمعوا عن تلك الأقوام بآذانهم، ولا شاهدوا بأعينهم، بل إنّ أبصارهم وآذانهم وأفئدتهم عاطلة عن العمل فحسبوا أن لا عذاب لهم.
إلّا أنّه بعد انقضاء وطر من الزمن أدركوا خطأهم والتزموا طريق التوبة، وقد وسعتهم رحمة اللَّه فقبل توبتهم.
ومرة أخرى خدعتهم ظنونهم الباطلة فظنوا أنّهم شعب اللَّه المختار في أرضه (بل أبناء اللَّه)، فأسدلت ستائر العمى والصم والجهل على أبصارهم وسمعهم وطُردوا من رحمة اللَّه تارة أخرى.
إنّ هذه الآية تبين بوضوح أنّ الظنون الباطلة وخاصة ظن الأمان من عذاب اللَّه يجعل غشاوة على البصر والسمع ويعطلهما عن العمل.
إقرأ أيضا: قبسات قرآنية (28 )..(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن...)