من يقرأ طبيعة الشخصيات التي جاءت إلى الإدارة الأمريكية وتصريحاتهم السابقة وحتى في جلسات الاستماع إليهم في مجلس الشيوخ الأمريكي؛ يمكنه أن يخرج بنتيجة ان العراق سيواجه تحديات أمنية جديدة .
نعرف ان بايدن هو صاحب فكرة تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم ، لكن في الوقت نفسه لاحظنا ان وزير خارجية أمريكا أثناء جلسة الاستماع إليه في مجلس الشيوخ كان قد أشار إلى سياسة وعلاقات واشنطن بدول مثل الصين وروسيا وايران ، وفلسطين وموضوع حل الدولتين ،والتفاوض مع طالبان في افغانستان .
الأسئلة كانت تطرح عليه ولم تأت على ذكر العراق لحساسية موضوعه شعبيا وأمنيا ، ولأنه بلد أسباب وليس بلد مسببات وهو يتأثر بمن حوله ، لكن هذا الوزير قد تطرق بشكل مبطن إلى العراق وغيره عندما ذكر التفاوض مع ايران بجزئية( انشطتها المزعزعة للإستقرار في الشرق الأوسط ). ان هذه العبارة تشير إلى حلفاء ايران (محور المقاومة)والذين سيكونون في ضمن الاهتمامات الأمنية والسياسية لامريكا في المرحلة المقبلة ، لاسيما وأنه أشار إلى ( أننا سنلجأ ..إلى حلفائنا وشركائنا الذين سيكونون مجددا إلى جانبنا).
هناك جزئية تطرق إليها الوزير بلينكن حول الاتفاق مع حركة طالبان ومن الممكن أن تسري هذه الجزئية على العراق أيضا وهي أنه يريد تعديل الاتفاق مع طالبان ويريد أن ( يبقي في أفغانستان على قدرات معينة لمكافحة الإرهاب ) وأظن أنه سوف يتفاوض مع العراق أيضا في الإبقاء على قوات معينة من أجل التدريب ومكافحة الإرهاب ، لكن هذا الزعم الأمريكي يحتاج إلى مبررات واقعية على الأرض، وها نحن شاهدنا تلك العصابات التكفيرية المرتبطة بهم ولو بعشرين واسطة تمهد الأرضية بأعمالها الاجرامية تحقيقا لبقائهم .
ان إبقاء جزء من القوات الأمريكية في العراق هو مطلب وزير الدفاع لويد أوستن أيضا ؛ فهذا الوزير كان سابقا من المطالبين بضرورة ابقاء جزء من القوات الأمريكية في العراق ونقلا عن موقع روسيا (RT )؛ فقد تولى في العقدين الأخيرين مناصب مهمة في الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق وغيره، وفي سنة ٢٠١٠م تولى قيادة القوات الأمريكية في العراق .
وكان زير الدفاع أوستن من المطالبين آنذاك بزيادة التواجد الأمريكي في العراق ، وأيضا عارض الإنسحاب الامريكي بالكامل ، وكان يصر على ضرورة ابقاء عشرة آلاف جندي في العراق بعد سنة ٢٠١١م .
وكان منخرطا في المشاورات الداخلية الأمريكية ، ثم المفاوضات مع الحكومة العراقية .
لاشك ان وزير الدفاع الأمريكي الذي كان يقول بالابقاء على جزء من القوات الأمريكية في العراق تتطابق رؤيته مع رؤية وزير الخارجية الذي يقول بالإبقاء على قوات معينة في أفغانستان وسيقومون بنسيج خيوط تلك الأفكار وإلباسها على بلدان المنطقة .
بتصوري ان كلمات بايدن في توصيف وزير الدفاع بأنه ( مؤهل بشكل فريد لمواجهة التحديات والأزمات التي نواجهها) ، وفي نفس الاتجاه كلمات أوستن نفسه والذي أعلن أن البنتاغون على ( إستعداد لمواجهة أي تحدي وإننا نواصل تقديم رادع ذي مصداقية ).
هذه الكلمات تشير إلى أنهم يريدون العمل على خلق أوضاع غير مستقرة في منطقتنا خصوصا وأن هذا الوزير مطلع بشكل خاص على أوضاعها الأمنية والعسكرية .
من المهم التنبيه إلى وبهذا الصدد أود التعرض إلى ماقاله الأستاذ زياد الحافظ في مقاله القيم (إشكاليات السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة) ؛ حيث أشار ونبه الى نقطة في غاية الأهمية والواقعية ؛ وهي أن الامريكي يعيش حالة إنكار بنيوية في العقل الأمريكي فيما يتعلق بدورها في العالم والمبني على وهم القدرة الاستثنائية وأنها تقوم بما تشاء بغير حساب ، لكن الواقع ان أمريكا وأهدافها لم تعد تملك تلك القدرات ؛ بل أصبح لخصومها قدرات تمكنهم من ردعها والتصدي لها .
نعم أمريكا ستجرب مرة أخرى تجربة الخسائر البشرية والمادية ، وستفشل سياستها القائمة على خلق الأزمات والعداوات والحروب في المنطقة ، لأن المعادلة قد تغيرت ووسائل الردع قد تعددت .
د.محمد العبادي