وقال الموقع في تقرير للصحفي الإسرائيلي والمختص بالشؤون الاستخبارية، يوسي ميلمان، إن "بومبيو ونتنياهو ضغطا على ولي العهد حتى يخرج إلى العلن، ويقوم بمبادرات أهم وأبلغ رمزية تجاه "إسرائيل"، والموافقة على لقاء علني أو إصدار بيان مشترك. وشرحا له بأنه عندما يصبح جو بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة فسوف يكون المضي قدما في تعزيز العلاقات الثنائية بين "إسرائيل" والسعودية أكبر صعوبة".
من النادر أن تجد سرا يُساء حفظه بهذا الشكل،؛ فبعد ساعات فقط من العودة من لقاء سري آخر مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساعديه بأن "يسربوا" الخبر إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية.
التزم مراقب النشر الإسرائيلي الصمت، وهو الكيان الرسمي الذين تناط به عادة مهمة حظر نشر التقارير الإسرائيلية حول العلاقات مع البلدان التي لا توجد لإسرائيل علاقات دبلوماسية معها، فهم ذلك على نطاق واسع بأنه مؤشر على السماح بنشر المعلومات.
جاء الخبر الذي تم نشره على النحو التالي: نتنياهو، يرافقه ملحقه العسكري اللواء آفي بلوث، ورئيس الموساد يوسي كوهين، ومستشار الأمن القومي مائير بن شابات – غادر مساء الأحد على متن طائرة خاصة مستأجرة من رجل الأعمال الإسرائيلي أودي آنجيل إلى مدينة نيوم المستقبلية، المنتجع السعودي على البحر الأحمر.
وهناك التقوا على مدى ثلاث ساعات مع محمد بن سلمان وخالد بن علي الحميدان، مدير عام مديرية المخابرات العامة في المملكة الخليجية. والذي قام بترتيب اللقاء هو وزير خارجية الولايات المتحدة المغادر مايك بومبيو، الذي كان حاضرا أيضا.
تسريب تحت السيطرة
من حين لآخر، كان رؤساء وزراء "إسرائيل" ورؤساء الموساد، منذ شابتاي شافيت في مطلع تسعينيات القرن العشرين، يلتقون بكبار المسؤولين السعوديين، بما في ذلك رؤساء المخابرات وقيادات الجيش. إلا أن كل تلك اللقاءات السابقة كانت تبقى أسرارا مصانة، حيث كان السعوديون يصرون ويحذرون نظراءهم الإسرائيليين ضد الكشف عن حدوث تلك اللقاءات. وفيما عدا بعض التسريبات العابرة إلى وسائل الإعلام، كانت سرية اللقاءات مكنونة يلتزم كلا الطرفين بالتكتم الشديد حولها.
أخذا بالاعتبار طبيعة تلك اللقاءات السابقة، من الواضح أن الأطراف المعنية كانت تعلم دوما كيف تحول دون حدوث أي تسريب.
ولذلك، فإن الكشف عن الاجتماع الأخير يبدو مؤشرا على أن محمد بن سلمان في الأغلب وافق مسبقا ونسق مع نتنياهو؛ حتى لا تأتي أخبار اللقاء "السري" عبر البيانات الرسمية، وإنما عبر تسريب مصرح به، وبذلك يظل ثمة مجال للإنكار.
بمعنى آخر، انعقاد اللقاء، والاستعداد لإضفاء صفة رسمية عليه برمشة عين، ما هو سوى خطوة أخرى تتخذها المملكة العربية السعودية لتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل".
يأتي ذلك عقب قائمة طويلة من التحركات والمبادرات تجاه "إسرائيل" على مدى سنين، بما في ذلك اللقاءات السرية السابقة، وشراء معدات عالية التقنية وتكنولوجيا سيبرية من "إسرائيل"؛ لتمكين الحكومة السعودية من التجسس على المعارضين، وتبادل الآراء والمعلومات الاستخباراتية عن قرب بشأن نوايا إيران في الإقليم وحول قدراتها النووية، وإعطاء الضوء الأخضر للمواطنين الإسرائيليين من مزدوجي الجنسية لزيارة المملكة لأغراض تجارية أو سياحية أو غير ذلك.
ومع ذلك، لم يثمر اللقاء الليلي مساء الأحد قبل شهرين من مغادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض عن النتائج المرغوبة.
يقال إن بومبيو ونتنياهو ضغطا على ولي العهد حتى يخرج إلى العلن، وأن يقوم بمبادرات أهم وأبلغ رمزية تجاه "إسرائيل". لقد حاولا إقناعه بالموافقة على لقاء علني أو إصدار بيان مشترك. وشرحا له بأنه عندما يصبح جو بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة فسوف يكون المضي قدما في تعزيز العلاقات الثنائية بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية أكبر صعوبة؛ لأن أي تحرك من المحتمل أن يتم تكييفه ليكون جزءا من صفقة أكبر سيكون الفلسطينيون جزءا منها.
إلا أن محمد بن سلمان لم يقتنع بذلك، وليس لأنه مهتم بمصير الفلسطينيين، بل هذا لا يشغل باله. في استطلاع نادر للرأي أجراه في أغسطس/ آب معهد واشنطن المناصر لإسرائيل، طلب من السعوديين انتقاء خيارهم الأول من بين أربع أولويات ممكنة للسياسة الأمريكية في المنطقة، فقط 23 بالمئة منهم اختاروا "الدفع باتجاه حل الدولتين لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي". أما الأغلبية، فانتقوا غير ذلك من الخيارات: احتواء إيران، إنهاء الحرب في اليمن وليبيا، والدفاع عن الشعب السوري.
ولكن محمد بن سلمان يخشى أن التحرك بسرعة كبيرة لإضفاء صفة رسمية على العلاقات مع "إسرائيل" قد تكون له ردود فعل عكسية، خاصة محليا؛ فكثير من السعوديين، بما في ذلك في أوساط رجال الدين والمحافظين، يعتبرون "إسرائيل" عدوا مكروها.
والعامل الآخر المهم الذي يساهم في تردد ولي العهد في إضفاء شرعية على علاقاته بإسرائيل هو والده.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قالت مصادر استخباراتية إسرائيلية وأمريكية لديها دراية بطريقة تفكير عائلة آل سعود إنه طالما ظل الملك سلمان، البالغ من العمر خمسة وثمانين عاما، على قيد الحياة، فسوف يستمر في دعم القضية الفلسطينية، وتقييد ابنه المنقاد لنزواته؛ فالملك، مثله مثل أسلافه، يدعم حل الدولتين الذي يتطلع إلى رؤية "إسرائيل" وفلسطين تعيشان في سلام جنبا إلى جنب.
كما أن الحاكم وابنه ينتظران بقلق ليريا ما القرارات التي ستتخذها إدارة بايدن على الجبهة الإيرانية؛ فأكثر من أي شيء آخر، يخشى القادة السعوديون من أن الزعيم الأمريكي القادم، الذي ينوي فتح محادثات مع إيران، سوف يرفع العقوبات، ويوقع صفقة نووية جديدة مع طهران.
ولهذا؛ فإن محمد بن سلمان حاليا يحتار بين تجاهله للقضية الفلسطينية، ورغبته بل وحاجته لاستخدام إسرائيل من أجل منع التعاون بين بايدن وإيران، ووالده والدوائر المحافظة الذين يرغبون في رؤية "حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
هذا الوضع الحساس، بما فيه من مصالح متعارضة محليا ودوليا، يجبر ولي العهد على الاستمرار في الجلوس عند السياج، وتجنب اتخاذ قرارات دراماتيكية.
من المتوقع أن تستمر المملكة العربية السعودية في سياسة الخطوة خطوة في تعزيز علاقاتها مع "إسرائيل" بحذر.