وبحسب صحيفة الاخبار اللبنانية، ففي بال جنبلاط كلام صدمه قبل أيام، عندما جمعته مع رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، مأدبة في منزل النائب نعمة طعمة. على طاولة طعمة، عرض جعجع على جنبلاط فكرة استقالة نواب حزبيهما من البرلمان، وهو ما رفضه رئيس «الاشتراكي». بعد ذلك، قال جعجع أنه سيمضي في المواجهة ضد حزب الله حتى النهاية، مضيفاً: «لدي 15 ألف مقاتل، ونحن قادرون على مواجهة الحزب الذي بات يعاني من ضعف كبير، نتيجة الأوضاع في لبنان وفي الإقليم» حسب زعمه.
وعندما حذّر جنبلاط محدّثه من خطورة ما يقوله، ردّ جعجع بالقول: نحن اليوم أقوى مما كنا عليه أيام بشير (الجميل)، وحزب الله أضعف مما كان عليه أبو عمار (ياسر عرفات)». وقدّم جعجع قراءته السياسية، وفيها أنه مدعوم من الولايات المتحدة الاميركية، ومن السعودية والإمارات العربية والمتحدة ودول أخرى. أما حزب الله، برأي رئيس «القوات»، فيعاني ويقدّم التنازلات لأنه أضعف ممّا كان عليه يوماً، حسب تعبيره.
لم يوافق جنبلاط جعجع على قراءته، وخرج من اللقاء مذهولاً من تقديرات «القائد الذي لم يفز بمعركة يوماً». وأخبر رئيس «الاشتراكي» بعض أصدقائه بما سمعه، معتبراً أنه ربما يكون مؤشرا خطيراً على أمر يُحضَّر للبنان، وسيفاقم أوضاعه سوءاً.
مغامرة جعجع الجديدة تبدو مزهوّة بالانتشار ذي الطابع الأمني الذي تنفّذه القوات اللبنانية، في عدد من المناطق، منذ ان أعلن «الحكيم» الانضمام إلى انتفاضة 17 تشرين، في اليوم الثاني لاندلاعها. فيوم 18 تشرين الاول 2019، طلب من عناصر حزبه، في موقف علني، المشاركة في التحركات الشعبية، من دون أعلام أو شعارات حزبية.
لاحقاً، نُسي هذا الموقف في زحمة الأحداث، وصار كثيرون يتهكّمون على كل من يشير إلى وجود القوات الأساسي في بعض التحركات، وفي مناطق محددة. هذه الحالة جعلت جعجع يستفيد من تواريه خلف الانتفاضة، لاختبار جاهزية حزبه في «الانتشار والسيطرة» على مناطق مترامية.
بعد ذلك، أتى انفجار المرفأ، ليبدأ القواتيون بإخراج «تنظيمهم السري» إلى العلن: من العراضة شبه العسكرية في الجميزة، إلى الانتشار المسلح بذريعة إطلاق النار في الهواء في تشييع أحد ضحايا انفجار المرفأ في عين الرمانة.
وفي الأشرفية وعين الرمانة وغيرهما من المناطق، يحافظ قواتيون على «انتشار» شبه أمني، ترفض معراب وصفه بذلك، مؤكدة أنه «وجود طبيعي لأبناء المنطقة القواتيين» (راجع «الأخبار»، 7 تشرين الاول 2020).
قبل اليوم بـ 12 سنة، وتحديداً في التاسع من أيار 2008، قال جعجع للسفيرة الأميركية، ميشيل سيسون، «إنه يريد التأكد من أن واشنطن على علم بوجود 7000 إلى 10000 مقاتل مدربين من القوات اللبنانية وجاهزين للتحرك. «يمكننا القتال ضد حزب الله»، أعلن جعجع بكل ثقة مضيفاً، «لكننا بحاجة إلى دعمكم للحصول على أسلحة لهؤلاء المقاتلين. إذا بقي المطار مغلقاً، يمكن تسهيل عمليات الإمداد البرمائية». ذكرت سيسون تلك المحادثة بينها وبين رئيس «القوات» في واحدة من برقيات السفارة الأميركية التي كشفها موقف «ويكيليكس» عام 2011 (نشرتها «الأخبار» في عددها الصادر يوم 5 نيسان 2011).
هذه المرة، لم يقل جعجع لجنبلاط إنه بحاجة إلى سلاح. أوحى بأنه أتمّ التسليح
هذه المرة، لم يقل جعجع لجنبلاط إنه بحاجة إلى سلاح. أوحى بأنه أتمّ التسليح، علماً بأن رئيس حزب القوات اللبنانية لا يزال يعتمد، بصورة شبه كاملة، على أموال الدولة اللبنانية في حماية مقرّ سكنه في معراب، ويكلّف الخزينة العامة مليارات الليرات سنوياً، كرواتب لأكثر من مئة دركي ورتيب وضابط من قوى الأمن الداخلي موضوعين في تصرّفه كقوة حماية، مع سياراتهم العسكرية.
الخطير في كلام جعجع ليس أنه يصدر عن «قائد لم ينتصر يوماً في معركة خاضها لكنه رغم ذلك لا يتّعظ»، بقدر ما هو يؤشر إلى وجود نيّات لدى دول إقليمية أو غربية، بتفجير الأوضاع في لبنان أمنياً، استناداً إلى «روح المغامرة» لدى سمير جعجع، على قاعدة «إما الحصول على لبنان بشروطنا، أو فليسقط على رأس حزب الله وحلفائه». وإضافة إلى الأداء السياسي، ظهرت هذه النيّات ذات الطبيعة التقسيمية في مشروع القانون الذي تقدّم به أعضاء جمهوريون في الكونغرس الأميركي قبل أسبوعين، الذي يطالب الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على المصارف التي تعمل في «مناطق حزب الله» («الأخبار»، 7 تشرين الأول 2020).
جنبلاط يهاجم الحريري
من جهة أخرى، شنّ جنبلاط هجوماً عنيفاً على رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، معتبراً أنه «أصبح اليوم هناك تكليف ذاتي لرئاسة الحكومة، وبدل أن تنزل الكتل النيابية الى المجلس وتطلب البرنامج، أرسل الحريري وفداً إلى الكتل لعرض ما لديه، وهذا انقلاب في الأدوار وآخر ما تبقّى من اتفاق الطائف». وأعلن جنبلاط رفضه استقبال وفد كتلة المستقبل الذي كلفه الحريري بالتشاور مع الكتل النيابية قبل مشاورات تكليف رئيس جديد للحكومة، قائلاً: «ليس هكذا يعامل وليد جنبلاط». كذلك انتقد حديث الحريري عن حكومة تكنوقراط غير سياسية سائلاً: «إنت يا شيخ سعد سياسي، بكرا بدك تجيب ملائكة وزراء؟ وحركة أمل هل رح يجيبوا روّاد الفضاء وزراء؟». ووصف زعيم المختارة السفير مصطفى أديب بـ«الروبوت جابوه وبعدها سحبوه»، لافتاً الى أنه خلال تأليف أديب للحكومة اتصل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي بالنائب وائل أبو فاعور وسمّى له المرشح الدرزي الوحيد في حكومة الـ14 وزيراً.