يوم التروية هو أحد الأيام العشر من ذي الحجة التي لها مكانة عند المسلمين، وهو اليوم 8 من شهر ذي الحجة، يستعد خلاله الحجاج لصعود جبل عرفة، عن طريق المبيت في منى.
وسمي بهذا الاسم لأن منى كانت محطة بين مكة وجبل عرفات "يرتوي" فيها المسلمون بالمياه، ويستريحون قبل توجههم إلى صعيد عرفات لقضاء الركن الأعظم.
وفي هذا اليوم يتوجه الحجاج إلى منى، القريبة من مكة، قبل الزوال (أي قبل صلاة الظهر)،الى فجر يوم عرفات.
وبعد طلوع شمس يوم التاسع من ذي حجة، الذي يوافق هذه السنة يوم الخميس، يتوجه الحجاج إلى عرفات ملبين ومكبرين وذاكرين الله للوقوف على صعيدها وتأدية أهم ركن من أركان الحج.
8 ذو الحجة يوم التروية
عن عبيد الله بن علي الحلبي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: سألته لم سُمّي يوم التروية يوم التروية؟ قال: «لأنّه لم يكن بعرفات ماء، وكانوا يستقون من مكّة من الماء لريّهم، وكان يقول بعضهم لبعض: ترويتم ترويتم، فسُمّي يوم التروية لذلك».
وقال الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ إبراهيم(عليه السلام) أتاه جبرائيل عند زوال الشمس من يوم التروية فقال: يا إبراهيم ارتوِ من الماء لك ولأهلك، ولم يكن بين مكّة وعرفات ماء، فسُمّيت التروية بذلك."
ورد في كتاب لسان العرب: «وتَرَوّى القوم ورووا: تزوّدوا بالماء، ويوم التروية: يوم قبل يوم عرفة، وهو الثامن من ذي الحجّة، سُمّي به لأنّ الحُجّاج يَتَروّوْن فيه من الماء وينهضون إلى مِنىً، ولا ماء بها فيتزوّدون ريّهم من الماء، أي يسقون ويستقون».
ما أن ينتهي يوم السابع من ذي الحجة، يبدأ حجاج بيت الله الحرام في التوافد إلى مشعر منى في أول أيام مناسك الحج لقضاء يوم التروية هناك، حيث ترتفع أكفّ الضراعة إلى الله عز وجل في المشاعر المقدسة وخارجها في كل بقعة من بقاع الأرض تتوسّل إلى الله وتسأله الرحمة والمغفرة.
وتبلغ مساحة مشعر منى بحدوده الشرعية 16،8 كم2، ويقع بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة على بعد سبعة كيلو مترات شمال شرق المسجد الحرام، وهو حد من حدود الحرم تحيطه الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكَن إلا مدة الحج، ويحَدُّه من جهة مكة جمرة العقبة، ومن جهة مشعر مزدلفة وادي «محسر».
ولمشعر منى مكانة تاريخية ودينية، به رمى نبي الله إبراهيم- عليه السلام- الجمار، وذبح فدي إسماعيل عليه السلام، ثم أكد نبي الهدى- صلى الله عليه وسلم- هذا الفعل في حجة الوداع وحلق، وأستن المسلمون بسنته يرمون الجمرات ويذبحون هديهم ويحلقون .
وما القصد من الحج و من هذه المشاعر ؟
الحج يمثل أعلى مراحل التوحيد ونفي الشرك، وفضلاً عن الاخلاص في العبودية لله تعالى فهو مليء بالدروس والعبر التي يستلهمها المسلم لبناء الجانب المعنوي في حياته، والمتأمل في هذه الدروس يجد فيها المعنى السامي والهدف الرفيع الذي من اجله فرض الله تعالى على المسلم هذه الفريضة الشريفة.
"وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ*" (الحج 27/28).
الحج يمثل أعلى مراحل التوحيد ونفي الشرك، وفضلاً عن الاخلاص في العبودية لله تعالى فهو مليء بالدروس والعبر التي يستلهمها المسلم لبناء الجانب المعنوي في حياته، والمتأمل في هذه الدروس يجد فيها المعنى السامي والهدف الرفيع الذي من اجله فرض الله تعالى على المسلم هذه الفريضة الشريفة ونجد في خطبة أمير المؤمنين (علیه السلام) ما يوضح هذه الدروس التي تغذّي المسلم تغذية روحية عندما يقول: (وفرض عليكم حج بيته الحرام الذي جعله قبلة للأنام، يردونه ويألهون اليه وله الحمام، جعله سبحانه علامة لتواضعكم لعظمته، واذعانكم لعزته، وأختار من خلقه سماعاً اجابوا اليه دعوته وصدقوا كلمته، و وقفوا مواقف انبيائه، وتشبهوا بملائكته المطوفين بعرشه، يحرزون الارباح في متجر عبادته ويتبادرون عند موعد مغفرته، جعله سبحانه وتعالى للاسلام علماء وللعائذين حرماً، فرض حجه، وأوجب حقه، وكتب عليكم وفادته فقال سبحانه، ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً).
ويتضح من خلال هذه الكلمات لأمير المؤمنين (علیه السلام) معنى سامياً في الحج وهو أن الله سبحانه وتعالى يريد للمسلم ان يرتقي في تواضعه لعظمة الله ويسمو في اذعانه لعزة الله فهو عندما يقف في ذلك الموقف فأنه يتشبه بالانبياء والملائكة فلا يفكر في تجارة سوى عبادة الله ومغفرته ورضوانه فهو في حرم الله وأمنه.
وهناك معنى آخر من معاني فرض الحج تطرق اليه أمير المؤمنين (علیه السلام) في بعض كلماته حينما قال: (فرض الله الايمان تطهيراً من الشرك والصلاة تنزيهاً عن الكبر والزكاة تسبباً للرزق والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق والحج تقوية الدين).
ولا يخفى هنا المعنى العظيم للحج حيث ان قوة المسلمين والدين تكون في توحدهم وتكاتفهم وهذا ما يعطيهم الهيبة في نفوس اعدائهم وهو ما يتحقق في الحج فضلاً عن ما يتحقق من خلال اجتماعاتهم من التآلف ونبذ الفرقة والعمل على جمع الصفوف.
وهذا المعنى تطرقت اليه السيدة فاطمة الزهراء (علیه السلام) في خطبتها عندما قالت: وفرض عليكم الحج (تشييداً للدين) ونجد هذا المعنى يتجسد في قول الامام الصادق (علیه السلام) ايضاً في قوله: (لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة).
وقد اكدت الاحاديث الشريفة للنبي الاكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) والائمة الطاهرين على اهمية الحج كونه يمثل احدى دعائم الاسلام الخمس وهي الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج والولاية لأهل البيت كما في قول الامام الباقر (علیه السلام): "فترك الحج عند الاستطاعة نظير ترك الصلاة أو الزكاة أو الصوم".
و نتمنى للجميع حجاج العالم حجاً مقبولاً وسعياً مشكورا و الصحة و السلامة و ندعو الله تعالى ان ينقذ العالم وخاصة حجاج هذا الموسوم من "وباء كورونا" وان يعودو الى اوطانهم سالمين غانمين امين يا رب العالمين .