عاشت السيدة فاطمة المعصومة في كنف والديها الكريمين، تكتسب منهما الفضائل والمكارم، إذ كان أبوها إماما معصوما وليس له في الفضائل والتقى كفوا أحد، وأمها «نجمة» أيضا من النساء الصالحات المؤمنات التي تعلمت في مدرسة زوجة الإمام الصادق (عليه السلام). وكانت معروفة بالتقوى في ذلك الزمان. ومن هنا فقد أشارت «حميدة» أم الإمام الكاظم (عليه السلام) على ابنها الإمام بالزواج من«حميدة».
كانت السيدة المعصومة تستفيد كل يوم من والدها وأخيها المعصومين (عليهما السلام) وامها التقية العالمة بحيث وصلت إلى مقام رفيع من العلم والفضيلة وصارت عارفة بالكثير من العلوم والمسائل الإسلامية في أيام صباها.
في أحد تلك الأيام أتى جمع من الشيعة إلى المدينة المنورة لكي يعرضوا بعض أسئلتهم الدينية على الإمام الكاظم (عليه السلام) ويأخذوا العلم من معدنه، ولكن كان الإمام الكاظم وكذلك الإمام الرضا (عليه السلام) مسافرين، ولم يكونا حاضرين في المدينة. فاغتم الجمع، لأنهم لم يجدوا حجة الله ومن يقدر على جواب مسائلهم، واضطروا للتفكير بالرجوع إلى بلدهم. وعندما رأت السيدة المعصومة (عليها السلام) حزن هؤلاء النفر أخذت منهم أسئلتهم التي كانت مكتوبة، وأجابت عليها، وعندئذ تبدل حزن الجماعة بفرح شديد ورجعوا ـ مع ظفرهم بجواب مسائلهم ـ إلى ديارهم راجحين مفلحين. ولكنهم في الطريق وفي خارج المدينة التقوا بالإمام الكاظم (عليه السلام) وحدثوه بما جرى عليهم. وبعد ما رأى الإمام جواب ابنته على تلك المسائل أثنى على بنته بعبارة مختصرة قائلا: «فداها أبوها».
بعد استشهاد الإمام الكاظم (عليه السلام) انتقلت الإمامة إلى ابنه علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الذي كان في الخامسة والثلاثين من عمره الشريف. وكان (عليه السلام) بالإضافة إلى إمامته الإلهية وهداية الأمة الإسلامية الوصي الوحيد لأبيه الكاظم (عليه السلام) الذي يتولى مسؤولية أبناء الإمام الكاظم (عليه السلام) إخوانه وأخواته.
وبعد تولي المأمون الخلافة بعد وفاة ابيه هارون العباسي، استدعى الامام الرضا عليه السلام الى مدينة مرو، وعند الوصول استقبل المأمون للإمام الرضا وأصر عليه بقبول ولاية العهد. لكن الإمام (عليه السلام) كان مقيما على رأيه مظهرا عدم قبوله لها. فاستمر النـزاع بين الإمام والخليفة حول مسألة ولاية العهد لمدة شهرين، وفي النهاية اجبر الإمام بسبب تهديدات المأمون على القبول، وفي السابع من شهر رمضان المبارك سنة 201 ه.ق. مع حزن عميق وقلب كئيب قبل ولاية العهد، لكنه شرط أن لا يتدخل في أي قرار من قرارات السلطة. والمأمون قبل منه الشرط.
حركة السيدة المعصومة (عليها السلام) من المدينة إلى مرو..
وبعد مضي سنة على سفر الإمام الرضا (عليه السلام) إلى مرو، طلب من خته السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، القدوم الى محل اقامته في مدينة مرو، فسافرت السيدة المعصومة مع عدد من اخوتها واخواتها، وعندما وصلت القافلة إلى مدينة ساوة. مرضت السيدة المعصومة مرضا شديدا بحيث لم تقدر على إدامة المسير. وعلى أية حال، قررت السيدة بعد ذلك الذهاب إلى «قم»، وسألت من معها: «كم بيني وبين قم؟» أجابوها: عشرة فراسخ. وعند ذلك أمرتهم بالتوجه إلى قم.
كانت قم في خلال الوقت ملجأ الشيعة، مع أن مذهب التشيع لم يكن شائعا في إيران، لكن بسبب هجرة الأشعريين العرب من الكوفة إلى قم فهذه المدينة كانت مدينة شيعية وجميع ساكنيها من محبي أهل بيت الرسول(عليهم السلام).
الأشعريون ـ وبسبب ظلم عمال بني أمية الذين تجاوزوا الحد في عداوتهم لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ولشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ قد هاجروا من الكوفة وسكنوا هنا وبنوا مدينة قم وأسسوها. ولما بلغ خبر وصول السيدة المعصومة إلى ساوة ومرضها هناك، إلى أهل قم، أجمع كل أهل المدينة أن يذهبوا إلى السيدة ويطلبوا منها الإقامة في قم. ولكن ذهب «موسى بن خزرج» ممثلاً من أهل قم إلى بنت الإمام الكاظم(عليه السلام) وأخبرها برغبة القميين وفرط اشتياقهم بزيارتها، وأجابت السيدة المعصومة طلبهم وأمرت بالحركة نحو قم.
في 23 ربيع الأول سنة 201 ه.ق. وصلت قافلة السيدة المعصومة إلى مدينة قم، واستقبلها الناس بحفاوة بالغة، وكانوا مسرورين لدخول السيدة ديارهم.
ثم اتخذت السيدة فاطمة المعصومة معبداً لها في منـزل موسى بن خزرج لكي تبتهل إلى الله وتعبده وتناجيه وتشكو إليه آلامها وتستعينه على ما ألم بها. وهذا المعبد باق إلى الآن ويسمى بـ«بيت النور».
أقلق مرض بنت الإمام الكاظم مرافقيها وأهالي قم كثيرا، مع أنهم لم يبخلوا عليها بشيء من العلاج، إلا أن حالها يزداد سوءا يوما بعد يوم.
وفي العاشر من ربيع الثاني 201 ه.ق. توفيت السيدة المعصومة (عليها السلام) دون أن ترى أخاها. ودمعة عينها وغم فؤادها لم تسكن ولم تنقض لفراقه.
على طول التاريخ كان المرقد الطاهر للسيدة المعصومة ملاذا للشيعة وسبب خير وبركة لأهل قم.
هذا و قد إزدهرت ببركة وجود مرقدها، مدينة قم المقدسة و التي هي من معاقل شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) منذ زمن بعيد، و تأسست فيها حوزة علمية تشعُّ منها أنوار علوم العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) .
وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: «إنها تدخل كل شيعتنا الجنة بشفاعتها».
والسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حيا.