الى أين تتجه الخلافات بين مصر وأثيوبيا حول مشروع سد النهضة؟

الأحد 31 مايو 2020 - 08:10 بتوقيت مكة
الى أين تتجه الخلافات بين مصر وأثيوبيا حول مشروع سد النهضة؟

مقالات_الكوثر: بعد مضي أكثر من تسع سنوات على بدء بناء إثيوبيا لسد النهضة الكبير على نهر النيل ، شهدنا في الأسابيع الأخيرة ، موجة جديدة من الصراع بين مصر وإثيوبيا حول هذا الأمر.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اجتمع بكبار القادة العسكريين في بلاده رداً على إعلان المسؤولين الإثيوبيين أن حبس المياه وراء سد النهضة لن يتأخر ، وحث المسؤولين العسكريين على أن يكونوا في حالة تأهب قصوى ، وفي هذا الصدد ، بعث وزير الخارجية المصري مؤخراً برسالة إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن ، ينتقد ويشكو فيها من سلوك إثيوبيا ، ويدعو إلى استئناف المفاوضات مع الدول الأخرى بشأن سد النهضة.

وبناءً على ذلك ، يبدو أن قضية سد النهضة قد دخلت مرحلة أكثر جدية وحساسية ، والسؤال الآن ما هو سبب الاختلافات والتوترات الأخيرة ، وهل ستتجه قضية سد النهضة نحو مواجهة عسكرية أم ستبقى سياسية؟

الجذور الرئيسية للخلافات بين القاهرة وأديس أبابا

شرعت إثيوبيا ببناء سد النهضة الكبير منذ عام 2011 لمضاعفة توليد الطاقة الكهرومائية ، والذي يرتبط مباشرة بأمن الطاقة في إثيوبيا ، لأنه في الوقت الحاضر ، فان 60٪ من سكان البلاد لا يتم تزويدهم بالطاقة الكهربائية ، لكن هذا السد يهدد أمن الطاقة في مصر ، وبدرجة أقل في السودان.

ومع ذلك ، أشارت الاتفاقية الأولية للطرفين ، وخاصة اتفاقية عام 2015 ، إلى أن القاهرة قد قبلت ببناء هذا السد وتخزين المياه خلفه ولكن وفق شروط معينة ، وفي الواقع ، أثناء قبول بناء هذا السد ، أخذت مصر في عين الاعتبار الشروط التي تحدد المدة الزمنية لحجز المياه وفتحها وراء السد.

حيث تعتقد القاهرة أنه يجب ملئ السد خلال سبع سنوات على الأقل ، في حين يقول المسؤولون الإثيوبيون إنه لا يوجد سبب لتأخير ملئ السد ، وأنهم يخططون لبدء اختبار تخزين المياه وراء السد في يوليو ، وأخيرًا ، سيملؤون هذا السد في 4 سنوات.

ويأتي هذا القرار خلافا للاتفاق الثلاثي (بين مصر والسودان وإثيوبيا) في عام 2015 ، وهذا هو السبب الجذري للاختلافات الحالية بين الجانبين ، وبالإضافة إلى ذلك فان عدم توقيع أديس أبابا على مسودة اتفاقية مارس ، التي تم اعدادها عقب المحادثات الثلاثية التي جرت بين مصر والسودان وإثيوبيا ، ووافقت عليها الولايات المتحدة الامريكية وصندوق النقد الدولي ، وحتى ان الجانب المصري قد وقع عليها ، ما أدى إلى تصعيد الخلافات بين البلدين وتحول مشروع سد النهضة الى قضية معقدة.

خيارات القاهرة المطروحة واحتمالية العمل العسكري

بشكل عام ، يمكن للقاهرة أن تتبع مسارين لإنهاء الصراع حول قضية سد النهضة ، أحدهما الدبلوماسية والتفاوض من أجل إيجاد حل سياسي لهذه المعضلة ، والآخر هو الحل العسكري.

أعلنت مصر علناً لأول مرة في عام 2013 أن لديها خطة عسكرية لإنهاء بناء سد النهضة ، بما في ذلك قصف السد ، بينما أعلنت القاهرة في الوقت ذاته أن هذا القرار ليس نهائياً بالنسبة لمصر وهو مجرد خيار من الخيارات المطروحة ، ولكن أظهرت اتفاقية 2015 مع إثيوبيا والسودان أن مصر قبلت عمليا بناء هذا السد ولم تعد تسعى لتدميره.

ومع فشل المحادثات الثلاثية التي توسطت فيها الولايات المتحدة الامريكية ، أضافت مصر مرة أخرى الخيار العسكري لمجمل خياراتها المطروحة لحل قضية سد النهضة ، ومع قرار إثيوبيا الأخير ببدء تخزين المياه وراء السد في أقل من شهرين وبدء برنامج ال 4 سنوات لملء خزان السد بالكامل ، أصبح هذا الخيار (العسكري) أكثر احتمالية لمصر.

والامر الذي يعزز العمل العسكري المصري المحتمل هو أن البلاد لديها أقل من أربع سنوات للرد عسكريًا إذا ما اتخذت إثيوبيا إجراءات كاملة لملء السد ، وهذا لأنه إذا تم تدمير سد النهضة ، بعد ملئه بالكامل خلال الأربع سنين التي أعلنت عنها إثيوبيا ، فإن حجم المياه الكبير سيشكل تهديد خطير على مصر والبلدان أخرى في المنطقة.

ومع ذلك ، على الرغم من التفوق العسكري الكبير لمصر على إثيوبيا ، فإنه هناك العديد من العوامل التي من شأنها ان تضعف احتمالية القيام بعمل العسكري وكقرار نهائي للقاهرة ومنها:

1. تورط مصر في القضية الليبية ، يبدو أن هذه القضية، التي تعتبر مهمة جدًا لمصر من عدة نواحٍ وتتصل مباشرة بأمنها القومي ، هي أولوية قصوى للقاهرة ، نظرًا لوجود تركيا المباشر في ليبيا ، والذي يشكل خطرا محتملا على مصر ، بالإضافة إلى إبرام عقود الغاز بين حكومة الوفاق الوطني وتركيا ، والتي تلقي بظلالها أيضًا على احتمال استغلال وتصدير الغاز المصري من حقول غاز البحر الأبيض المتوسط ​​، فإن هذه القضية في طليعة القضايا الحاسمة لمصر وتركيزها الرئيسي ينصب الان على امكانية حلها في أقصر وقت ممكن.

2. إن الديون المتراكمة على الحكومة المصرية والتكلفة العالية للعمل العسكري هي عامل آخر يجعل العمل العسكري صعبًا على القاهرة ، وعلى الرغم من أن مصر لا تسعى إلى حرب شاملة مع إثيوبيا في خططها ، الا انها ستكتفي بقصف وتدمير السد فقط ، ولكن رد الفعل المحتمل لإثيوبيا وإمكانية تدخل أطراف ثالثة ، وخاصة الكيان الصهيوني ، الذي ساعد إثيوبيا في تصميم وتنفيذ مشروع السد ، بالإضافة إلى إنفاق مصر الحالي لدعم خليفة حفتر في ليبيا ، من بين العوامل الأخرى التي تجعل العمل العسكري صعبًا على القاهرة.

وبشكل عام ، على الرغم من بعض المؤشرات من مصر على أن القاهرة يمكن أن تتخذ إجراءات عسكرية في حال وصول المحادثات الى طريق مسدود ، فإن مصر لا تزال تؤمن بتسوية سياسية لقضية سد النهضة ورسالة سامح شكري الأخيرة الى مجلس الأمن الدولي تشير الى أن مصر تسعى لتهديد إثيوبيا بالحرب لإجبارها على العودة إلى المحادثات.

وفي الختام ، يمكن القول ان مصر وافقت على بناء وتخزين المياه وراء سد النهضة من قبل إثيوبيا واختلافها مع أديس أبابا يتمحور فقط حول المجال التشغيلي للسد في المنطقة ، وطالما أنه يمكن حل هذه الخلافات من خلال الدبلوماسية ، فلن تذهب إلى الخيار العسكري ، ومن ناحية أخرى ، فإن تورط مصر في القضية الليبية ، والتي تعتبر ذات أولوية أمنية عليا للبلاد ، والديون المتزايدة للحكومة المصرية والعبء الاقتصادي الذي تسبب به انتشار الفيروس التاجي ، هي من العوامل التي تجعل اتخاذ إجراءات عسكرية ، من قبل القاهرة على المدى القصير أمراً صعبًا للغاية.

ولذلك هددت مصر إثيوبيا وقامت مرة أخرى بوضع الخيار العسكري على الطاولة لإجبار إثيوبيا على العودة إلى المفاوضات.

المصدر: الوقت

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 31 مايو 2020 - 08:10 بتوقيت مكة