ولادة علي الأكبر عليه السلام
ولد علي الأكبر في الحادي عشر من شهر شعبان(1) سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة قبل مقتل عثمان بسنتين.
فيكون له يوم الطف ما يقارب سبعا وعشرين سنة ويؤيّده اتّفاق المؤرّخين وأرباب النسب على أنّه أكبر من الإمام السجاد عليه السلام الذي له يوم الطف ثلاث وعشرون سنة.
كنيته عليه السلام
جاء في زيارة علي الأكبر المروية عن أبي حمزة الثمالي أن الإمام الصادق عليه السلام قال له:
(ضع خدّك على القبر وقل:
صلّى الله عليك يا أبا الحسن ثلاثا)(2).
وكما يحتمل أن تكون الكنية للتفاؤل بالولد الحسن، يحتمل أنها صدرت بعد أن كان له ولد سمّي (الحسن)، والإمام الصادق في نفس الزيارة يقول أيضا:
(صلّى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأمّهاتك الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا).
ولفظ الأبناء جمع يدلّ على ان لعلي الأكبر عليه السلام أكثر من الولدين الاثنين.
كما أن قوله عليه السلام (وعلى عترتك) دالّ عليه أيضا فإن عترة الرجل ذريته فلو لم يكن له ذرية لما صحّ استعمال هذا اللفظ وورود هذه الجملة في لسان الإمام العارف بخواص البلاغة ومقتضيات الأحوال أقوى برهان.
وغير خافٍ أن هذه الرواية رواها الشيخ الجليل ابن قولويه في (كامل الزيارة) بسند صحيح ورجال ثقات.
لقبه عليه السلام
لقّب السيد الشهيد (بالأكبر) لكونه أكبر من الإمام زين العابدين وقد صرّح بذلك السجاد عليه السلام حين قال له ابن زياد: أليس قتل الله عليّا؟ فقال الإمام: كان أخ أكبر مني، يسمّى عليا فقتلتموه(3).
ولقد وصف السجاد بالأصغر والشهيد بالأكبر جماعة من المؤرخين منهم:
1 ـــ قال ابن قتيبة في المعارف ص 93: ولد الحسين عليا الأكبر أمّه بنت أبي مرّة وعليا الأصغر أمه أم ولد. وفي ص 94 قال: وأما علي بن الحسين الأصغر فليس له عقب إلا منه.
2 ـــ قال الدينوري في الأخبار الطوال ص 256: لم ينج من أصحاب الحسين وولده وولد أخيه إلا ابنه علي الأصغر.
3 ـــ قال السهيلي في الروض الأنف ج 2، ص 326: قتل معه بالطف علي الأكبر وأما علي الأصغر لم يقتل معه، أمّه أم ولد اسمها سلافة بنت كسرى يزدجرد.
4 ـــ قال الديار بكري في تاريخ الخميس ج 2، ص 319: كان زين العابدين ابن ثلاث وعشرين سنة وهو علي الأصغر وأما علي الأكبر فإنّه قتل مع أبيه.
شبهه عليه السلام بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
لم ينص المؤرخون على مشابهة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له في جميع الصفات إلا في ولده الأكبر.
فعن جابر الأنصاري أن فاطمة الزهراء عليها السلام تشبه أباها في المشية.
ورواية الصدوق تشهد بأن الحسن شابه جده في الهيبة والسؤدد والحسين في الجود والشجاعة(4)، وأخرج الحاكم النيسابوري عن علي عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لجعفر الطيار: أشبهت خلقي وخلقي(5).
ويحدث الشيخ الجليل الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب أن الحسين قال في حق الرضيع: اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسول الله محمد عليه السلام.
وهذه الشواهد كلها لا تدل على مشابهة العترة الطاهرة للرسول في جميع الصفات الكريمة.
لكن كلمة الحسين الذهبية في حق ولده الأكبر:
اللهم اشهد أنه برز إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقا برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه(6).
ترشدنا إلى أن فقيد بيت النبوة كان في وقته مرآة الجمال النبوي وانموذجا من منطقه البليغ الرائع، حتى أن أباه عليه السلام إذا اشتاق إلى رؤية ذلك المحيا الأبهج الذي يقول فيه حسان مصرحا بالحقيقة غير مبالغ:
وأحسن منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقـــت مبــــــرأً عـــــن كـــل عيب
كأنـــــك قد خلقت كما تشاء
صفاته عليه السلام
إن من مكارم الأخلاق أن يتحلى المرء بالصفات الحميدة ويتخلى من العادات الذميمة وهذه الأخلاق سواء أكانت حميدة أم ذميمة يكتسبها المرء وراثيا، وبيتيا، ومجتمعا. وشرائع السماء التي بعثها الله سبحانه وتعالى لخلقه عن طريق رسله وأنبيائه كلها تدعو إلى مكارم الأخلاق، لا سيما رسالة سيد الأنبياء ورسله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: صلى الله عليه وآله وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فهو يريد أن يجعل حياة البشرية كلها حياة هانئة رغيدة خالدة، لا تبيدها الحقب والأعوام لأن رسالته خاتمة الرسالات.
وعلي الأكبر عليه السلام هو ربيب ذلك البيت الطاهر الذي هو خلاصة الوجود من طيب الأرومة ومكارم الأخلاق، من حلم، وعلم، وشجاعة، وكرم، وتواضع، وبلاغة. وما إلى ذلك من المكارم التي ليس من العجيب ان يرثها عن آبائه.
محاورة علي الأكبر مع أبيه الحسين عليه السلام
في حديث لعقبة بن سمعان قال: (لما كان السحر من الليلة التي بات الحسين عليه السلام فيها بقصر بني مقاتل أمرنا بالاستسقاء ثم ارتحلنا، فبينا هو يسير إذ خفق الإمام الحسين عليه السلام برأسه خفقة وانتبه وهو يسترجع ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين كرر ذلك ثلاثا.
فأقبل إليه ابنه علي الأكبر وكان على فرس له، وقال له جعلت فداك مم استرجعت وحمدت الله؟ فقال الحسين عليه السلام خفقت برأسي خفقة فعرض لي فارس يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا. قال علي الأكبر عليه السلام يا أبت ألسنا على الحق؟ فقال الحسين عليه السلام: بلى والذي إليه مرجع العباد. فقال علي الأكبر عليه السلام: إذاً لا نبالي أن نموت محقين.
فقال الحسين عليه السلام:
جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده)(7).
قبره الطاهر عليه السلام
إذا نظرنا إلى فعل الإمام زين العابدين في وضع (علي الأكبر) قريبا من أبيه الحسين عليه السلام نعرف من ذلك الغرض الباعث له، وهو تعريف الناس وعلى مر العصور بما حواه علي الأكبر عليه السلام من مزايا جليلة وصفات فاضلة، وأنه أقرب من بقية الشهداء إلى المهيمن تعالى لما حواه من ملكات لا تدركها أحلام البشر.
قال الإمام الصادق عليه السلام لحماد البصري: (إن الحسين بن علي غريب مدفون بأرض غريبة يبكيه
ويحزن له من لم يزره ويحترق له من لم يشهده ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجليه في أرض فلاة ولا حميم قربه ولا قريب ثم منع الحق وتوازر عليه أهل الردة حتى قتلوه وضيعوه وعرضوه للسباع ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب وضيعوا حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيته به وبأهل بيته فأمسى مجفواً في حفرته صريعا بين قرابته وشيعته بين أطباق الثرى قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جده والمنزل الذي لا يأتيه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وعرفه حقنا. ولقد حدّثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل من مصلّ عليه من الملائكة أو من الجن والأنس أو من الوحش وما من شيء إلا ويغبط زائره ويتمسح به ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره.وإن الله ليباهي الملائكة بزائريه.وأما ما له عندنا فالترحم كل صباح ومساء. ولقد بلغني أن قوما من أهل الكوفة وناسا من غيرهم يأتونه في النصف من شعبان فبين قارئ يقرأ وقاص يقص ونادب يندب ونساء يندبنه وقائل يقول المراثي. فقال حماد: قد شهدت بعض ما تصف.قال الصادق (عليه السلام): الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا وجعل عدونا يطعن عليهم ويقبح ما يصنعون).
زيارة علي الأكبر عليه السلام
السلام عليك يابن رسول الله، السلام عليك يابن نبي الله، السلام عليك يابن أمير المؤمنين، السلام عليك يابن الحسين الشهيد، السلام عليك أيها الشهيد، السلام عليك أيها المظلوم وابن المظلوم، لعن الله أمة قتلتك، ولعن الله أمة ظلمتك، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به(8).
المراجع:
(1) أنيس الشيعة للحجة السيد محمد عبدالحسين بن محمد عبدالهادي الجعفري الطياري الهندي الكربلائي. ألفه باسم السلطان فتح علي شاه سنة 1241 هـ، قال الحجة الشيخ آغا بزرك في الذريعة، ج 2، ص 458: رأيت الكتاب في النجف عند السيد آغا التستري وهو بالفارسية.
(2) كامل الزيارة لابن قولويه ص 240.
(3) المناقب: ج 2، ص 112، إيران.
(4) الخصال: ج 1، ص 39.
(5) مستدرك الحاكم: ج 3، ص 211.
(6) اللهوف للسيد ابن طاووس ص 63 صيدا.
(7) لواعج الأشجان للسيد محسن الأمين ص98 .
(8) مزار البحار: ص 124، عن كامل الزيارة.