وفي قاعدة "إسبيرانزا" الأرجنتينية للأبحاث بالقارة القطبية الجنوبية، اضطر العلماء العاملين هناك إلى خلع بدلاتهم المعدة خصيصًا لتحمل البرودة، بعدما ارتفعت درجة الحرارة.
وسجلت القارة الجنوبية أعلى حرارة عند 18.3 درجة مئوية، وهو أعلى مستوى في المنطقة التي نادرًا ما كانت تسجل حرارة فوق 10 درجات حتى في فترات الصيف الدافئة. وفي الوقت نفسه، وجد العلماء أدلة جديدة على ذوبان الجليد بشكل أسرع من المتوقع في غرب القارة.
تسارع الذوبان كان ملحوظًا في النهر المتجمد ثوايتيس الذي تبلغ مساحته 74 ألف ميل مربع (ما يعادل حجم ولاية فلوريدا الأمريكية)، ويعرف أيضًا باسم "نهر يوم القيامة". كما أن جبل "إيه 68" البالغ خمس مرات مساحة هونغ كونغ ويتكون من تريليون طن من الجليد، بدأ يميل نحو جنوب المحيط الأطلسي، بحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست".
توقعات صادمة
ويقول الباحث، ديفيد دودويل: "يبدو من الصعب الشعور بالقلق عندما يقول العلماء إن ذوبان جليد القارة القطبية يرفع مستوى سطح البحر بمقدار 3 مليمترات سنويًا، لكن بمرور الوقت يجب أن نخاف، فمع تزايد الأدلة على تسارع ذوبان الجليد، يشير المختصون إلى أن المحيطات سترتفع ما بين متر إلى مترين بنهاية هذا القرن".
بالنظر في جهود ترسيم الخرائط التي تقوم بها مؤسسة "المناخ المركزي" –مجموعة مستقلة من العلماء والصحفيين الذين يبحثون ويحللون الحقائق بشأن التغير المناخي- تبدو التهديدات صارخة، ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تكون مناطق يعيش بها نحو 300 مليون شخص دون المستوى المتوسط السنوي للفيضانات.
المدن في آسيا هي الأكثر عرضة للخطر، وحول شنغهاي الصينية يمكن أن تغمر المياه مناطق بامتداد 570 كيلومترًا، بالإضافة إلى المنطقة الغربية من هونغ كونغ بدءًا من شنتشن ودونغ قوان إلى جيانغمن وحتى قوانغتشو، وذلك خلال 30 عامًا من الآن.
كما يُعتقد أن الفيضانات ستمتد على مسافة 100 كيلومتر إلى هانوي شمالي فيتنام، فيما ستكون المنطقة بأكملها على بعد 200 كيلومتر جنوب مدينة هو تشي تحت المياه، بحسب الصحيفة الصينية.
نزوح وخسائر اقتصادية
تعتقد مؤسسة "المناخ المركزي" أن هناك مايزيد على 230 مليون شخص يواجهون خطر النزوح، منهم 93 مليون شخص في الصين إلى جانب 42 مليونًا في بنغلاديش و36 مليونًا في الهند و31 مليونًا في فيتنام و23 مليونًا في إندونيسيا و12 مليون في تايلاند.
ويحذر بنك التنمية الآسيوي من أن التكاليف الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحر ستصل إلى 864 مليار دولار في 23 مدينة شرق آسيوية أكثر عرضة للخطر، ويقول إن الخسائر الناجمة عن الفيضانات سترتفع من 6 مليارات دولار في عام 2005 إلى 52 مليار دولار بحلول عام 2050.
بحسب دودويل، قد تكون هذه التوقعات متحفظة، بالنظر إلى الأضرار الناجمة عن إعصار كاترينا عام 2005، والذي بلغت خسائره 250 مليار دولار -161 مليار دولار في الولايات المتحدة فقط- كما تسببت أعصاير هارفي وماريا وإرما عام 2017 في أضرار قيمتها 265 مليار دولار.
النموذج الهولندي
في هولندا، أنفقت الحكومة سنويًا، نحو مليار يورو (1.1 مليار دولار) على مدار عقود على سياسة "الأقدام الجافة"، والتي من أهم إنجازاتها حاجز "ميزلانتكيرينج" البالغة قيمته 450 مليون يورو، والذي يحمي روتردام من أضرار الفيضانات التي يمكن أن تصل إلى مئات المليارات.
مع ذوبان المزيد من الجليد، وتعاظم حدة العواصف الموسمية، تصبح أضرار الفيضانات أكثر قوة، وعلى المدن الآسيوية الاختيار بين سياسة "الإصلاح والإنقاذ" أو نموذج "الأرض المستصلحة من البحر" كما في هولندا.
لكن شدة التحدي المستقبلي يثير قلقًا متزايدًا، وبعد دراسة ما تعلمه العالم من النهج الهولندي في الحماية من الفيضانات، كانت هناك استنتاجات مقلقة، ويشكك بعض المعلقين أمثال الصحفي سيمون كوبر لدى "فايننشال تايمز" في أن هولندا ستكون قادرة في حماية نفسها باستخدام هذه الطرق التي اعتمدت عليها لفترة.
إذا استمرت المحيطات في الارتفاع بمعدل 3 مليمترات سنويًا، سيكون هناك وقتًا كافيًا للاستعداد، لكن يبدو أن بعض المناطق في شرق آسيا مثل شنغهاي وتيانجين وهوشي منه وبانكوك ليس لديها وقت لتضيعه.