ولدت في السنة الخامسة للهجرة الشريفة على أشهر الروايات. تزوجت من أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، بعد سنة 24 للهجرة الشريفة. أولادها العباس أبو الفضل، وعبد الله، وجعفر، وعثمان..استشهدوا جميعاً تحت راية الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، أشهرهم العباس وقد كان حامل لواء أخيه الحسين عليه السلام، وساقي عطاشى كر بلاء، وهو أكبرهم عليه السلام.
نشأت أم البنين في حضانة والدين شفيقين حنونين هما حزام بن خالد بن ربيعة، وثمامة بنت سهيل بن عامر، وكانت ثمامة أديبة كاملة عاقلة، فأدبت ابنتها بآداب العرب والاسلام وعلمتها بما ينبغي أن تعلمها من آداب المنزل وتأدية الحقوق الزوجية.
عرف بني كلاب بأنهم فرسان العرب، ولهم الذكريات المجيدة والمواقف البطولية الرائعة في المغازي بالفروسية والبسالة والزعامة والسؤدد حتى اذعن لهم الملوك، وهم الذين قال عنهم عقيل بن أبي طالب (ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس).
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأخيه عقيل عنه وكان نسابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم: أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا فقال له تزوج أم البنين الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها فتزوجها...
فعاشت مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفاء وإخلاص، وعاشت بعد شهادته عليه السلام مدّة طويلة لم تتزوج من غيره، إذ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث ، فامتنعت .
وذكر بعض أصحاب السير أن شفقتها على أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة -العباس وأخوته عليهم السلام- بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، والتضحية دونه والاستشهاد بين يديه .
لهذه السّيّدة الزّكية مكانة متميّزة عند أهل البيت عليهم السّلام، فقد أكبروا إخلاصها وولاءها للإمام الحسين عليهم السّلام، وأكبروا تضحيات أبنائها المكرمين في سبيل سيّد الشّهداء عليه السّلام ، يقول الشّهيد الأول وهو من كبار فقهاء الإمامية:
كانت أُمّ البنين من النّساء الفاضلات، العارفات بحقّ أهل البيت عليهم السّلام، مخلصة في ولائهم، ممحضة في مودّتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه، والمحلّ الرّفيع، وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها الأربعة، كما كانت تعزّيها أيام العيد...
وإنّ زيارة حفيدة الرّسول صلّى الله عليه وآله وشريكة الإمام الحُسين عليه السّلام في نهضته زينب الكبرى عليها السّلام لأمّ البنين، ومواساتها لها بمصابها الأليم بفقد السّادة الطّيبين من أبنائها، مما يدلّ على أهميّة أُمّ البنين وسموّ مكانتها عند أهل البيت عليهم السّلام.
رعايتها للحسن والحسين عليهم السّلام
وقامت السّيّدة أُمّ البنين برعاية سبطي رسول الله صلّى الله عليه وآله وريحانتيه وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحُسين عليهما السّلام، وقد وجدا عندها من العطف والحنان ما عوّضهما من الخسارة الأليمة التّي منيابها بفقد أمّهما سيّدة نساء العالمين فقد توفّيت، وعمرها كعمر الزّهور فقد ترك فقدها اللوعة والحزن في نفسيهما.
لقد كانت السّيدة أُمّ البنين تكنّ في نفسها من المودّه والحبّ للحسن والحسين عليهما السّلام ما لا تكنّه لأولادها الذّين كانوا ملء العين في كمالهم وآدابهم.
لقد قدّمت أُمّ البنين أبناء رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، على أبنائها في الخدمة والرّعاية، ولم يعرف التّاريخ أن إمرأة تخلص لأبناء زوجها وتقدّمهم على أبنائها منه وتضحي بأولادها کقرابين للذب عنهم سوى هذه السّيّدة الزّكيّة، فقد كانت ترى ذلك واجبا دينيا حيث الله أمر بمودّة السبطين في كتابه الكريم، وهما وديعة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وريحانتاه، وقد عرفت أُمّ البنين ذلك فوفت بحقّهما وقامت بخدمتهما خير قيام.
فأم البنين عليها السّلام هذه الشّخصية التّاريخية الباهرة الفذة قد أفنت حياتها كلها في تربية الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة عليهما السّلام.
وفاتها :
وبعد خدمتها لسيد الأوصياء عليه السلام وولديه الإمامين عليهما السلام، سبطَي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدي شباب أهل الجنة، وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى عليها السلام بعد عمرٍ طاهر قضته أم البنين عليها السلام بين عبادة لله جل وعلا وأحزان طويلة على فقد أولياء الله سبحانه، وفجائع مذهلة من استشهاد الامام علي بي ابي طالب في محرابه، وشهادة أربعة أولاد لها في ساعة واحدة صونا لحرمة حبيب الله وريحانة رسوله وسبطه الشهيد الإمام الحسين عليه السلام بعد ذلك كله ،كانت وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة 64 هـ منتقلة الى رحمة باريها عز وجل .
مرقدها عليها السّلام:
دفنت أُمّ البنين عليها السّلام في مقبرة البقيع بالقرب من إبراهيم، وزينب، وام كلثوم، وعبد الله، والقاسم،...، وغيرهم من الأصحاب والشّهداء، وقد تم هدم قبرها من قبل النواصب مع قبور ائمة أهل بيت النبوة، الإمام الحسن المجتبى والإمام علي بن الحسين زين العابدين والإمام محمد بن علي الباقر والامام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام.
فسلامٌ على تلك المرأة النجيبة الطاهرة ، الوفيّة المخلصة ، التي اقتفت خطی سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام شرعة ومنهاجا، فهنيئاً لها ولكل من اقتدين بها من المؤمنات الصالحات .