شَهِد يوم (الاحد) تدفّق الآلاف من المُتظاهرين العِراقيين من أنصار الحشد الشعبي وغيرهم، إلى السّفارة الأمريكيّة في المِنطقة الخضراء ببغداد واقتَحموا بوّاباتها ووصلوا إلى باحتها احتِجاجًا على الغارات التي شنّتها الطّائرات الأمريكيّة على قاعدةٍ عسكريّةٍ لكتائب حزب الله العِراقي وأدّت إلى استِشهاد 25 عُنصُرًا وإصابة العشَرات.
اللّافت أنّ الطّائرات الأمريكيّة لم تشُن أيّ غارات انتقاميّة على أهدافٍ في العُمق الإيرانيّ احتِجاجًا على إسقاط صاروخ لطائرة “غلوبال هوك” الأمريكيّة اخترقت الأجواء الإيرانيّة فوق مضيق هرمز في شهر حزيران (يونيو) الماضي، بينما لا تتردّد لحظةً في إرسال طائراتها لضرب كتائب “حزب الله” ردًّا على مقتل مُتعهّد أمريكيّ وإصابة بضعة جنود في هُجومٍ صاروخيٍّ (10 صواريخ) استهدفت قاعدة “K1” الأمريكيّة العسكريّة قُرب كركوك.
***
السّبب بَسيطٌ، وهو أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تُريد خوض حربٍ بالإنابة ضِد إيران على الأراضي العِراقيّة فقط، في الوقت الرّاهن على الأقل، تَجنُّبًا لانتقامٍ إيرانيٍّ تتوقّع هذه الإدارة أنّه سيكون مُفاجئًا في ضخامته، وقد يجرّها إلى حربٍ مُوسّعةٍ تكون الخاسر الأكبر فيها، لأنّ إسقاط طائرة بصاروخٍ على هذه الدّرجة من الدقّة، وعلى ارتفاعٍ لم تتوقّعه، أصابها بحالةٍ من الرّعب، لأنّ هذا الصّاروخ جرى اعتباره بأنّه قمّة الثّلج لصناعةٍ عسكريّةٍ إيرانيّةٍ مُتطوّرةٍ جِدًّا وحافِلة بإنتاج المُفاجآت.
النّقطة الأُخرى التي نَجِد لِزامًا التوقّف عندها هي أنّ الرئيس ترامب الذي يتوعّد بالدّفاع عن حُلفائه بالقوّة العسكريّة، لم يرُد على استِهداف مُنشآت أرامكو النفطيّة في بقيق وخريس في المملكة العربيّة السعوديّة بصواريخٍ حُوثيّةٍ قادمةٍ من اليمن وجرى اتّهام إيران بالوقوف خلفها.
لا نعتقد أن ردّ فصائل الحشد الشعبي على هذا العُدوان الأمريكيّ الصّريح سيقتصر على مُظاهرات احتجاجيّة أمام السّفارة الأمريكيّة، ولا نَستبعِد هجَمات صاروخيّة مُؤلِمة على القوّات الأمريكيّة المُنتَشِرة في غرب وشِمال العِراق تَضُم أكثر من 5200 جُندي في الأيّام القليلة المُقبِلة.
ترامب بهذه الغارة على قاعدة كتائب “حزب الله” العِراق، فتح أبواب جهنّم على قوّاته ومصالح بلاده، ليس في العِراق فحسب، وإنّما في مِنطقة الخليج (الفارسي)، والشرق الأوسط كلها، فمِن الواضح أنّه لا يعرِف الشّعب العِراقي، وإدارة القِتال لدى فصائل المُقاومة على أرضه، ولا يتعلّم من دُورس هزائم بلاده المُذلّة التي أجبَرت سلفه الرئيس باراك أوباما على سحب جميع قوّات بلاده مع نِهاية عام 2011 لتقليص الخسائر الماديّة والبشريّة معًا.
***
العِراق اليوم لم يعُد ضعيفًا خارجًا من حِصارٍ تجويعيٍّ ظالم استمرّ 13 عامًا مثلَما كان عليه حاله عِندما تعرّض للغزو والعُدوان والاحتِلال الأمريكيّ عام 2003، العِراق اليوم أقوى تسليحًا، وباتَ عُضوًا في محور مُقاومة يملك اليَد العُليا في المِنطقة وفي حوزته أكثر من نِصف مِليون صاروخ من مُختَلف الأحجام والأبعاد والرّؤوس المُتفجّرة.
مِثلَما أرّخَ عام 2011 لهزيمة أمريكا وإجبارها على سحب قوّاتها هُروبًا من العِراق، لا نستبعد أن يكون عام 2020 هو عام الهزيمة الثّانية، وهُروب ستّة آلاف جندي أمريكي من العِراق وسورية، إيثارًا للسّلامة.. والأيّام بيننا.
عبد الباري عطون - رأي اليوم