رئيس جمعية "الفكر والحياة" في المنية صالح حامد، يبدو الاسم لكثيرين مغمورًا، لكنه ليس كذلك لأبناء المنطقة وطرابلس. يُعرف الرجل هناك بأنه "ابن السفارات". يقال إن السفيرة الأميركية زارته مرّتين في منزله، وهو لا يخفي ذلك. على صفحته على "فيسبوك" صور له مع عدد من السفراء العرب والأوروبيين، ورجال دين. محسوب على "تيار المستقبل" وله صور عديدة مع أحمد الحريري وفؤاد السنيورة وأحمد فتفت.
كان يلقب بالشيخ قبل أن يخلع عنه هذا الرداء ويُفضل مناداته بالأستاذ. "الشيخ" لم تعد تليق برتبته كأحد رموز المجتمع المدني الذين تراهن عليهم السفارة الأميركية في لبنان. له آراء عديدة محبّة للسلام وتدعو للمحبة بين البشر والانفتاح وتمقت الحرب والحقد وخطاب الكراهية، باختصار، عناوين محقة وجاذبة وبرّاقة تخفي في طياتها مآرب خبيثة كما عادة خطابات جماعات الـ USAID. بطبيعة الحال، هو مشارك في المظاهرات التي خرجت ضد فساد الطبقة الحاكمة في لبنان، في ساحات طرابلس. لكن، ما مناسبة الحديث عنه؟
اسم حامد ظهر في صحيفة "نيويورك تايمز" تحت عنوان "المفكرون العرب يدعون الى التطبيع وعدم مقاطعة اسرائيل". المؤتمر الذي يروج للتطبيع مع العدو- الأمر الذي يعارض القانون اللبناني- عقد في لندن بمشاركة من حامد وأشخاص من عدة دول عربية، وتحدّث خلاله الرجل مطوّلًا عن الأديان والتسامح والحب والحياة، ليصل الى نتيجة واحدة: لليهود الحق في إقامة دولتهم.
هو ليس غاضبًا على "إسرائيل العدو" التي اغتصبت أرضًا عربية وارتكبت المجازر واستحلّت الحرمات ودنّست المقدّسات وأسّست للشر في عالمنا العربي، بل هو مجرّد "آسف" فقط لأن "إسرائيل" لم تتلقف المبادرات العربية بإيجابية. "السلام الداخلي" الذي يعيشه الرجل دفعه نحو استخدام "لم تتلقف بايجابية" عوضًا عن "تلقفت بسلبية". يا له من مسالم! يكمل في سرد "الفظائع" الاسرائيلية، فيقول: "أضاعت الكثير من الفرص ولم تقم بخطوات جدية ومنها إزالة الحواجز والمعابر والمستوطنات والتخفيف عن معاناة الفلسطينيين وتطبيق حق العودة"! هكذا إذًا! هل مشكلة العالم العربي مع الكيان الاسرائيلي أنه لم يخفف من معاناة الفلسطينيين أم أنه تسبب بها؟ هل مشكلة العالم العربي مع الكيان الاسرائيلي أنه لم يطبق حق العودة أم أنه احتلّ الأرض وهجّر أهلها وقتل منهم واحتل قدسهم؟
من خطاب حامد خلال المؤتمر
أين هو مشروع "اسرائيل" التوسعي في خطاب حامد وأمثاله؟ لماذا تغيب عن محاضراتهم مصطلحات مثل "العدوانية" الاسرائيلية، والمجازر الاسرائيلية، والقتل الاسرائيلي، والاحتلال الاسرائيلي، والمعتقلات الاسرائيلية؟ لقد قدّم ابن المجتمع المدني في المؤتمر عريضة طويلة تحدث فيها كثيرا عن التسامح بين الأديان وثقافة الحقد، ليخلط في النهاية بين اليهود كديانة، وبين "اسرائيل" ككيان عدواني، ويقنعنا بشكل مبطن أن على العرب التخلص من خطاب الحقد والكراهية ضد "اليهود" قاصدًا بذلك العدو الاسرائيلي، متغافلًا قصدًا عن الحقائق الدامغة، مروّجًا لخطاب منمّق يراد به باطل.
تقول "نيويورك تايمز" في مقال نشرته حول المؤتمر في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 "أثنى المشاركون على مشاركة رجل الدين اللبناني من طرابلس، صالح حامد، الذي حضر على الرغم من إمكانية الانتقام عند عودته"، في إشارة الى أن الرجل الذي ينادي للسلام في بلاد العرب يلاقي الانتقام والعدوان.
تتابع الصحيفة: "نحن لا ننكر حقوق اليهود في أن يكون لهم بلد"، قال الشيخ حامد، مستشهدا بلطف النبي محمد تجاه اليهود. لكنه كان حريصًا على إضافة أنه "يجب أن يكون للفلسطينيين أراضيهم وفقًا لحدود 1967". وفي هذا السياق، أشادت مذيعة الأخبار السعودية في دبي سكينة مشايخ بـ"رجل مؤمن قادم من دولة يحكمها حزب الله وهو يتحدث بكل شجاعة" في وقت نرى فيه المسؤولين اللبنانيين يخرجون فجأة من اجتماع في سان فرانسيسكو عندما علموا أن مضيفيهم من اليهود".
المحامي محمد منير ملص ابن طرابلس، غاظه أن يكون ابن مدينته في موقع المروّج للتطبيع، ومن موقع المسؤولية، يؤكّد لموقع "العهد" الاخباري أنه سيتقدم الاثنين 25 تشرين الثاني/ نوفمبر باخبار الى القضاء المختص بتهمة الترويج للتطبيع مع "اسرائيل" والسلام.
لدى الأجهزة الأمنية علم بالقضية لكنها لم تتحرك، لذلك يجد ملص نفسه أمام مسؤولية تقديم الإخبار "لشرح الوقائع التي تدين هذا العمل، فالتطبيع والتواصل يسهلان للكيان الانغماس في مجتمعنا" مشددًاعلى أن "القضاء أمام مسؤولية لأخذ الموضوع بجدية".
العهد الاخباري