ولا شك أن قرار اغلاق مكاتب القنوات المشار اليها، ومنعها من العمل داخل العراق، يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، في اطار مواجهة المشاريع والأجندات التخريبية والتدميرية، الساعية الى اغراق العراق في دوامة العنف والفوضى والتناحر الداخلي. وقد وجدت هذه القنوات في موضوعة المظاهرات الجماهيرية فرصة ذهبية لصب الزيت على النار، من خلال السعي المحموم لابراز كل الجوانب والممارسات السلبية فيها، ناهيك عن فبركة الأخبار والمعلومات الزائفة، من أجل خلق الفتن، وايجاد الاجواء والمناخات المناسبة للتصادم بين القوات الأمنية الحكومية من جهة والمتظاهرين السلميين من جهة أخرى.
ولم يعد خافيًا، أن قناة "الحرة عراق" و"العربية" و"العربية الحدث"، وقنوات أخرى، لم تتبنَّ في أي وقت من الأوقات منهجًا اعلاميًا موضوعيًا محاديًا، حيال أحداث ووقائع المشهد العراقي، وهي كانت على طول الخط، تعبر عن حقيقة التوجهات الاميركية والصهيونية المعادية للعراق، التي دأبت على ضرب واستهداف مكامن القوة فيه، كالمرجعية الدينية الرشيدة، والحشد الشعبي، والقوى والشخصيات السياسية الوطنية.
ومن يراجع اداء تلك القنوات خلال الشهور القليلة الماضية تحديدًا، يستطيع أن يلمس ويشخص حجم التحريض والتزييف الذي انساقت فيه، ليبلغ ذروته خلال التظاهرات الجماهيرية التي اندلعت بالعاصمة بغداد وعدد من المدن العراقية مطلع شهر تشرين الاول - اكتوبر الماضي.
ويخطئ من يتصور أو يفترض أن "قنوات الفتنة" تعمل وفق اجتهادات وتقديرات خاصة، بل إن هناك جهات خارجية تخطط وتوجه وتحدد المسارات المطلوبة، وما تطرحه وتسوقه تلك القنوات، لا يتعدى كونه جزءًا صغيرًا من الحرب الاعلامية الناعمة متعددة الأبعاد والجوانب والاتجاهات.
فالوثائق التي تداولتها بعض وسائل الاعلام مؤخرًا توضح دور السفارة الأميركية في بغداد بتأزيم الأوضاع وبث الفتن وخلق أجواء الاقتتال والصراع الداخلي.
وبحسب الوثائق، هناك فريق للعمليات النفسية، يعمل على إرسال التهديدات الإعلامية لإحداث التأثير النفسي وكسر معنويات الطاقم الحكومي وأفراد الجهاز الأمني، وبثّ الشائعات بغزارة إلى الجمهور وتعبئة المتظاهرين ضد الحكومة، وهناك فريق للتحشيد الإلكتروني وهو جيش إلكتروني مدرّب ومنظّم يهتمّ بصناعة المعارضين الإلكترونيين، وتعبئة الشارع، وإيصال التعليمات كافة حول طرق واتجاهات القواطع والنزول والانطلاق الميداني، وهو يدير صفحات ناشطة مؤثرة وأخرى عادية.
الى جانب ذلك، تؤكد الوثائق، وجود فريق توثيق للانتهاكات، تلقى تدريبات خاصة في كل من أربيل وعمّان، وهو يعمل على رصد الانتهاكات وفبركتها وتضخيم الأخطاء الأمنية. كما يتولّى إعداد تقارير مدعومة بالوثائق والشهادات تثبت قيام الأجهزة الأمنية بانتهاكات جسيمة ومخالفة لمعايير حرية التعبير، واعتقال المتظاهرين، وقتل وإصابة وتعذيب وغير ذلك، اضافة الى إعداد التقارير التي تؤكد التزام المتظاهرين بقواعد التظاهر السلمي.
وكل ذلك لا بد من أن تكون أحد أهم مفاصله وسائل الاعلام المرئية الى جانب الفضاء الالكتروني، المتمثل بمواقع التواصل الاجتماعي. وطبيعي أن وسائل الاعلام التي يمكن توظيفها لتنفيذ مثل تلك المخططات، هي تلك التابعة والممولة من اصحاب الاجندات والمشاريع والمخططات الكبرى. ولا شك أن "الحرة" و"العربية" و"العربية الحدث" ومعها قنوات أخرى مثل "سكاي نيوز العربية"، خير من يؤدي الدور المطلوب في هذا السياق.
ولم يعد الأمر صعبًا على الفهم والتحليل والتفسير، بالنسبة لأي شخص مهما كان مستواه الثقافي والسياسي والعلمي.
وفي هذا الاتجاه، يؤكد السفير القطري في الاردن سعود بن ناصر آل ثاني وجود جهات عربية وخارجية تتحرك من وراء الكواليس لأجل صب المزيد من الزيت على نار الاضطرابات في العراق واستغلال مطالبات الشعب العراقي المشروعة.
ولعل اوجه التشابه في طبيعة الحراك السياسي والشعبي في كل من العراق ولبنان ودول أخرى في المنطقة، يمكن أن تكون مؤشرًا كافيًا على انه الى جانب الظروف المتقاربة، هناك محركات وأهداف وأجندات واحدة، وبالتالي فإن مواجهتها تتطلب رؤية عميقة، وفهمًا واسعًا، وخارطة طريق واضحة، واجراءات حازمة لا تنتهي عند اغلاق مكاتب، أو اصدار بيانات ادانة واستنكار، بل لا بد أن تكون أكبر من ذلك بكثير.