وإذ نقدّم التعازي للامة الاسلامية ولحفيده منقذ البشرية الامام المهدي عليه السلام نسال الله تعالى ان يعظم أجورنا بذكرى وفاة خاتم الأنبياء وسيد خلق الله محمّد بن عبد الله(ص).
في الثامن والعشرين من صفر المظفر'>صفر المظفر سنة احدى عشرة للهجرة، رحل النبي المصطفى محمد(ص)، بعد ان أحكم دعائم دولته الاسلامية وبعد ان أتمّ تبليغ الرسالة بتنصيب الإمام علي بن ابي طالب(ع) هاديا وإماما للمسلمين على الرغم من حراجة الظروف وصعوبتها، ليكون النائب الاول لرسول الله (ص) حين غيابه عن مسرح الحياة بأمر من الله سبحانه وتعالى.
عندما تحقق النبي (ص) من دنو أجله، مخاف توثب المنافقون على الامر، فجعل يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكد وصايتهم بالتمسك والاجماع عليها والوفاق ويحثهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والاعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الاختلاف والارتداد.
وابدى الرسول(ص) في السنة الاخيرة من حياته اهتماما كبيرا للحدود الشمالية للدولة الاسلامية حيث تتواجد دولة الروم المنظمة وصاحبة الجيش القوي. ولم تكن دولة فارس ذات اثر مُقلق على الدولة الاسلامية لأن علامات الانهيار كانت قد بدت عليها، لذا قام صلى الله عليه آله باعداد جيش كبير ضم وجوه كبار الصحابة ما خلا عليا وبعض المخلصين معه، فاراد النبي (ص) من هذه الخطوة ان يخلو الجو السياسي من امور قد تعيق عملية انتقال السلطة الى علي بن أبي طالب(ع) للقيام بمهام الخلافة من بعده، بعد أن لمس النبي(ص) تحسّسا وانزعاجا من بعض الأطراف بعد تأكيده المستمر على مرجعية علي(ع) وصلاحيته لإتمام مسيرة النبي(ص) وخصوصا بعد بيعة الغدير، فأراد ان تخلو الظروف من التوتر السياسي في المدينة ليتم استلام الامام علي(ع) لزمام الدولة من بعده دون صدام وشجار، ولهذا عقد النبي الاكرم (ص) لواء وسلّمة الى اُسامة بن زيد-القائد الشاب الذي نصبه الرسول (ص) في اشارة بليغة إلى أهمية الكفاءة في القيادة وجعل تحت إمرته شيوخ الانصار والمهاجرين وقال له «سر إلى موضع قتل أبيك فاوطئهم الخيل فقد ولّيتك هذ الجيش فاُغز صباحا على أهل اُبنى». ولكن روح التمرد والطمع في السلطان وقلة الانصباط دفعت بعض العناصر الى عدم التسليم التام لامر النبي (ص) ولعلها كانت عارفة بالاهداف التي قصدها الرسول(ص) ومن هنا حاولت ان تؤخر حركة الجيش المجتمع في معسكر «الجرف» وبلغ النبي (ص) ذلك فغضب وخرج الى المسجد وقد ألمت به الحمى التي اصابته، فصعد المنبر ثم حمد الله واثنى عليه وقال «أما بعد ايها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة، ولئن طعنتم في إمارتي اسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم الله إن كان للامارة لخليقا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن احب الناس اليّ وانهما لمخيلان لكل خير واستوصوا به خيرا فإنه من خياركم». واشتدت الحمى برسول الله (ص) ولم يُغفله ثقل المرض من الاهتمام الكبير لخروج الجيش فكان يقول «جهّزوا جيش اُسامة» لكل من كان يعوده من اصحابة ويزيد من إصرارا بقوله «جهّزوا جيش اسامة لعن الله من تخلف عنه».
وأوصل بعض المسلمين انباء تدهور صحة النبي (ص) الى معسكر المسلمين في الجرف فرجع اسامة ليعود النبي (ص) فحثه على المضي نحو هدفه الذي رسمه له وقال له «اُغد على بركة الله». فعاد اُسامة مسرعا الى جيشه يحثه على الرحيل والتوجه للقيام بالمهمة المخوّله اليه ولكن المتقاعسين وذوي الاطماع في الخلافة تمكنوا من عرقلة مسيرة الجيش زاعمين أن النبي(ص) يحتضر، بالرغم من تاكيد الرسول(ص) بالتعجيل في المسير وعدم التردد في المهنة التي جعلها على عاتق جيش اسامة.
ورغم ثقل الحمى وألم المرض خرج النبي(ص) مستندا على علي(ع) والفضل بن العباس ليصلي بالناس ويقطع بذلك الطريق على الوصوليين الذين خططوا لمصادرة الخلافة والزعامة التي طمحوا لها من قبل حيث تمردوا على اوامر الرسول(ص) بالخروج مع جيش اُسامة بكل بساطة، والتفت النبي(ص) بعد الصلاة إلى الناس فقال: ايها الناس سُعّرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، وإني والله ما تمسكون عليّ بشيء، إني لم احل إلا ما أحل الله، ولم اُحرم إلا ما حرّم الله «فاطلق بقوله هذا تحذيرا آخر أن لا يعصوه وان لاحت في الافق النوايا السيئة التي ستجلب الويلات للامة حين يتزعمها جهّالها».
واشتد مرض النبي(ص) واجتمع الصحابة في داره ولحق بهم من تخلف عن جيش اسامة فلامهم النبي(ص) على تخلّفهم واعتذروا باعذار واهية، وحاول النبي(ص) بطريقة واخرى أن يصون الامة من التردي والسقوط فقال لهم: «إتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لاتضلون بعده» فقال عمر ابن الخطاب: إن الرسول قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، وهكذا وقع التنازع والاختلاف ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: «قوموا عني لاينبغي عندي التنازع».
وكم كانت الامة بحاجة ماسة الى كتاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذا، حتى أن إبن عباس كان يأسف كلما يذّكر ذلك ويقول: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبني كتاب رسول الله”. وكان علي (ع) ملازماً للرسول(ص) ملازمة ذي الظل لظلّه حتى آخر لحظات حياته الشريفة وهو يوصيه ويعلّمه ويضع سرّه عنده. وفي الساعة الأخيرة قال رسول الله (ص): ادعوا لي أخي ـ وكان(ص) قد بعثه في حاجة فجاءه بعض المسلمين فلم يعبأ بهم الرسول (ص) حتى جاء علي (ع) فقال (صلى الله عليه وآله) له: اُدن مني. فدنا علي (ع) فاستند إليه فلم يزل مستنداً إليه يكلّمه حتى بدت عليه صلى الله عليه وآله علامات الاحتضار، وتوفّي رسول الله(ص) وهو في حجر علي(ع). ولم يكن حول النبي (صلى الله عليه وآله) في اللحظات الأخيرة إلاّ علي بن أبي طالب وبنو هاشم ونساؤه. وقد علم الناس بوفاته (صلى الله عليه وآله) من الضجيج والصراخ الذي علا من بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) حزناً على فراق الحبيب، وخفقت القلوب هلعة لرحيل أشرف خلق الله.
وانتشر خبر الوفاة في المدينة انتشار النار في الهشيم ودخل الناس في حزن وذهول رغم أنه (صلى الله عليه وآله) كان قد مهّد لذلك ونعى نفسه الشريفة عدّة مرات وأوصى الاُمة بما يلزمها من طاعة وليّها وخليفته من بعده علي ابن أبي طالب. لقد كانت وفاته صدمة عنيفة هزّت وجدان المسلمين، وقف علي (ع) بحيال رسول الله(ص) وهو يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنّا نشهد أن قد بلّغ ما اُنزل اليه ونصح لاُمته وجاهد في سبيل الله حتى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتّبع ما أنزل الله إليه وثبّتنا بعده واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين، حتى صلّى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان. ولم يحضر دفن النبي (صلى الله عليه وآله) والصلاة عليه أحد من الصحابة الذين ذهبوا الى السقيفة.
فسلامٌ عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً.