ولولا اكتشاف النفط في السعودية لكانت الدول العربية اليوم في وضع افضل بكثير من وضعها الان، ولولا امتلاك السعوديين لهذه الثروة النفطية لما كانت "اسرائيل" تستمر بحياتها الى الان، فالاموال المستحصلة من بيع النفط استخدمت ضد كل حركات التحرر العربية والاسلامية، واستخدمت في ضرب القضية الفلسطينية، وفي ضرب المقاومة الاسلامية، وفي نشر الفتن الطائفية، ومحاربة تطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والاستقلال.
ولم يخف على احد الدور الكارثي للمال السعودي في الاساءة الى الشعوب العربية عبر محاربة ثوراتها وتحركاتها وتظاهراتها التي انطلقت خلال السنوات الاخيرة ضد الاستبداد والفساد بهدف التغيير والاصلاح، فتم وأد العديد من الثورات والحراكات العربية، كما في مصر وليبيا والبحرين والسودان.
لكن اليوم وخلال اقل من شهر لمست الشعوب العربية مجددا ولا سيما الشعبان اللبناني والعراقي الإساءة لها بشكل آخر والتي يقف خلفها المال السعودي، حيث اريد حرف التظاهرات المطلبية ضد تردي الاوضاع الاقتصادية ولاجتماعية في كل من لبنان والعراق، واظهارها على انها موجهة نحو محور المقاومة الذي حارب الصهيونية والتكفيريين والهيمنة الامريكية.
جهات متخصصة كانت بالمرصاد للسعودية التي كانت تعتقد ان بامكانها ان تدق سفينا بين الشعبين اللبناني والعراقي وبين قياداتهما الدينية والوطنية ومقاومتهما التي اذلت اسياد السعودية من امريكيين وصهاينة، ومرتزقة السعودية من تكفيريين وطائفيين حاقدين، فمع انطلاق التظاهرات الاحتجاجية في لبنان ضد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والطبقة السياسية الحاكمة، كان لمواقع التواصل الإجتماعي دور كبير في هذه التظاهرات، غير أن كثرة الهاشتاغات المستخدمة، وتحوّل بعضها عن الهدف المعلن في بداية التحركات استرعى متابعة المختصين في تحليل البيانات ليرصدوا ويتابعوا ويحللوا أرقام التفاعل مع الهاشتاغات المختلفة، كما بين تقرير لقناة "الميادين" اللبنانية، اشار الى ان المظاهرات على الأرض استخدمت عددا من الشعارات كان أبرزها وأكثرها انتشاراً "لبنان ينتفض"، لكن شعارات أخرى وجدت طريقها للعلن، منها "كلن يعني كلن"، في إشارة إلى أن الاحتجاج يطال جميع رموز السلطة الحاكمة دون استثناء، إلا أن البعض وجدها طريقة للنيل من حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله، باستهدافه من خلال وسوم و"هاشتاغات" ظهرت في اليومين الفائتين، أبرزها الوسمان #نصرالله_واحد_منن و#حل_عنا_انت_وسلاحك، اللذان راجا على موقع "تويتر"، ليبتيّن لاحقاً بأنّ الحملة مفبركة بحسب تغريدات نشرها محلل البيانات والمتخصص بكشف الحسابات الكاذبة على "تويتر"، مارك اوين جونز.
ومن خلال تحليل قرابة 6500 تغريدة استخدمت الوسمين، تبيّن أنّ مصدرها 4500 حساب فردي، أكد جونز أنّ الكثير من التغريدات التي هاجمت السيد نصر الله مصدرها الخليج الفارسي ، خاصة السعوديّة.
أظهرت الأرقام وأيضاً أوضح جونز، أن 35% من أصل 2297 حساباً مصدرهم السعودية، كانوا خلف الحملة التحريضية ضد الأمين العام لحزب الله، بصورة توحي بأنّ المتظاهرين اللبنانيين يقفون خلفها.
وبيّن التقريران النسبة الأعلى من تلك الحسابات التي تمّ إنشاؤها في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي أي قبل المظاهرات اللبنانيّة، ما يؤكد أنّ التحضير لمثل هذه الحملات الموجهة تمّ التخطيط له قبل فترة. كما أنّ عددا من هذه الحسابات تقوم بإعادة التغريد بتغريدات موالية للنظام في السعودية. وعلى الرغم من كونها حسابات حديثة إلا أنها غردت بأكثر من 10 آلاف تغريدة خلال شهر ونصف فقط.
هذا الدور التخريبي الذي قام به الذباب الالكتروني السعودي، بحق التظاهرات المطلبية للشعب اللبناني، كان قد قام به لضرب التظاهرات المطلبية التي شهدها العراق مؤخرا، والتي حاولت السعودية تسويقها على انها تظاهرات ضد ايران وضد الشعائر الحسينية وضد الحشد الشعبي، حيث وصلت وسوم التظاهرات العراقية على "تويتر" الى الترند العالمي (الهاشتاغات الاكثر تداولا عالميا) لكن ليس من العراق بل من السعودية، فكان نصيب "تويتر" السعودية 79% من هذه التغريدات وأما نصيب العراق فكان 6% فحسب.
تحليل البيانات كشف عن وجود فريق سيبراني يقف وراء تلك التغريدات، خاصة ان وسوم التظاهرات في العراق كانت موضوعة على تغريدات غير مرتبطة تماما بها، وكان الهدف الاصلي منها هو رفع هذه الوسوم، التي لم تكن ضمن الترند في "تويتر" السعودية فحسب بل انتقلت الى لبنان والبحرين، والمثير هنا أنها لم تبق سوى 4 ساعات ضمن ترند لبنان، فيما بقيت ضمن الوسوم الاكثر تداولا في البحرين لمدة 24 ساعة، ما يؤكد ان السعودية لديها أكثر من فريق سيبراني يعمل في الدول العربية ايضا وهو ما يكسبها قدرة على التلاعب بأحاسيس الجماهير في هذه الدول.
هناك من يبرر هذه الاساليب السعودية البائسة، بانها تأتي في اطار صراعها مع ايران، كما يذهب الى ذلك بعض اللبنانيين والعراقيين من "المسعودين"، ولكنهم يتناسون تحت ضغط ارتزاقهم على "الدولار النفطي" القذر، ان هذا التدخل السعودي هو في الواقع اهانة للشعبين اللبناني والعراقي، وتخريب لمساعي اللبنانيين والعراقيين لاصلاح اوضاعهم الاقتصادية والسياسية، والتضحية بها من اجل مصلحة امريكا و"اسرائيل" والرجعية العربية، والتي تجسدها السعودية افضل تجسيد.