يرسل العرب مجتمعين 17 مليون تغريدة يوميا عبر تويتر. قد يبدو هذا الرقم مرتفعا لكنه في الحقيقة لا يغير الكثير في واقع يظهر تأخر المحتوى العربي على الإنترنت إلى حدوده الدنيا، نتيجة عوامل عديدة.
بكلمات أخرى، لا يحسن العرب استخدام أحد أهم وسائل التأثير، كونهم يستهلكون المحتوى الأجنبي ويجتزؤنه في عمليات نقل ركيكة إلى العربية، من دون التفكير بصناعة محتوى أصيل ينقل ثقافتهم وحضارتهم إلى الآخرين.
وبحسب ما تظهر تقارير "الإسكوا" فإن العرب ينتجون ما لا يتجاوز ثلاثة في المئة من إجمالي المحتوى المتداول عبر الإنترنت.
و يتداول 48 مليون مستخدم عربي المحتوى المصنوع بلغتهم الأم في حين أن الناطقين بالبرتغالية، والبالغ عددهم 204 ملايين أي أقل من نصف عدد العرب الذين يقدرون بـ430 مليونا، يساهمون في إنتاج ضعفي المحتوى العربي.
ولنأخذ مثالا آخر هو روسيا التي يتحدث فيها عشرات ملايين الأشخاص عبر العالم، فهي تحل في المرتبة الثانية عالميا لناحية أكثر اللغات انتشارا عبر الإنترنت، بالرغم من أنها في الواقع ليست ثاني أكثر اللغات انتشارا عالميا. ويعود سبب قوة الروسية عبر الإنترنت إلى وجود منصات موازية لمحرك بحث "غوغل" و "فايسبوك" باللغة الروسية، فضلا عن اهتمام الحكومة بدعم وسائل إعلامها المحلية لتصل إلى أوسع شرائح ممكنة.
وفي حين تحل الإنكليزية في المرتبة الأولى لناحية المحتوى الأكثر انتشارا على الشبكة العنكبوتية بنسبة 53 %، فإن أرقام بقية اللغات تؤكد أن المحتوى مرتبطٌ بشكل لصيق بتقدم الدول صناعيا واقتصاديا وفكريا لا بعدد الناطقين باللغة فقط. فالصين، على سبيل المثال، لا تنتج أكثر من 6 في المئة من إجمالي محتوى الإنترنت مع أن عدد سكانها يناهز خمس عدد البشرية كلها.
ما دلالات هذه الأرقام؟ ولما يجب علينا التوقف عند النسبة المنخفضة للمحتوى العربي؟ وماذا عن نوعيته؟
تعتبر اللغة وعاء الفكر، فهي، عدا عن كونها أداة التعبير الرئيسة، تعتبر المنصة التي تحمل معها الثقافة والفنون والقيم إلى الآخرين، وبالتالي هي الوسيلة الأهم لنقل المصالح السياسية والاقتصادية أيضا. ولكن المحتوى العربي على الإنترنت يكاد لا يخرج عن مضمون الترفيه بشقه السطحي وعن بعض المحاولات في النقل عن اللغة الإنكليزية مع إضفاء جرعات عالية من الترويج المبالغ فيه. يكفي تصفح أكثر قنوات "يوتيوب" شعبية في العالم العربي لتلحظ عناوين "هل تعلم.."، "أفضل 10.."، "شاهد فضيحة الممثلة.."، "شاهد قبل الحذف.." وغيرها من العناوين الفارغة تماما من أية قيمة علمية أو معرفية مرموقة.
وفي حين يعتبر العرب متابعين من الدرجة الأولى للمواقع الإخبارية السياسية، فإن حتى هذا النوع من المواقع لا يخرج في أفضل الحالات عن النقل من وكالات الأنباء والمواقع الأجنبية، في ظل انعدام نموذج تجاري قادر على صناعة محتوى خاص قادر على بناء قنوات تمويل متنوعة وثقافة استهلاك جديدة لدى المستخدمين.
وهكذا ترواح وسائل الإعلام العربية مكانها في استدرار عطف التمويل السياسي وتربط مصيرها وواقعها به، كونها ببساطة لم تحترف التصنيع لمنتجات أصيلة.
في العام 2011، أطلقت "غوغل" تعديلا جوهريا على خوارزمية محرك البحث الخاص بها. عرف التعديل باسم "باندا" وهو يدعم تصنيف المحتوى الأصلي والفريد في صدارة نتائج البحث. هذه الخطوة حتمية بالنسبة إلى محرك بحث بحجم "غوغل" كون نظرية أن "المحتوى هو الملك" لم تعد كافية، بل الدقيق والمطلوب في ظل تحول وسائل الإعلام إلى المنصات الرقمية وشبكات التواصل هو محتوى خاص وفريد ليكون ملكا!
ما بين العامين 2011 و 2018، شهد المحتوى العربي انخفاضا قياسيا في ترتيب اللغات الأكثر انتشارا على الإنترنت، فهبط من المرتبة السابعة إلى المرتبة السابعة عشر. كان أحد أهم أسباب هذا الانخفاض، إغلاق مدونات "مكتوب" المملوكة لشركة "ياهو"، فضلا عن التعديلات التي قامت بها الموسوعة المفتوحة "ويكيبيديا" على أساليب إدخال وتعديل المعلومات على صفحاتها.
ومع استمرار العرب في استخدام المنصات الأجنبية لنشر محتواهم، سيظل المحتوى العربي في مراكز متأخرة، ولن يتقدم بأية حال إلى المرحلة التي سنكتفي فيها بالبحث عن أي موضوع باللغة العربية فقط.
يضاف إلى ذلك غياب الموارد الضرورية لدعم صناعة المحتوى العربي، كقوانين حماية الملكية الفكرية وقوانين الحكومة.