وبحسب موقع "عربي21"، فإن الموظفين التابعين لمكتب التحقيقات الفدرالي قاموا بزيارة المعارضين السعوديين وغيرهم من المواطنين الذين لهم صلة بالصحفي المقتول جمال خاشقجي. وكانت هذه الزيارات في الأسابيع التي تلت عملية القتل، كما كانت تهدف إلى تحذيرهم من تهديد محتمل لحياتهم من المملكة العربية السعودية.
ووفقًا لتصريحات العديد من الأشخاص المطلعين على تفاصيل هذه الزيارات لموقع ميدل إيست آي، بدأ الموظفون الأمريكيون بالتوافد بعد شهر فقط من عملية قطع أوصال خاشقجي من طرف فريق من القتلة السعوديين داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. واستمرت هذه الزيارات من قبل المكتب الفدرالي حتى توقفها منذ ستة أسابيع فقط.
وتلقى ما لا يقل عن أربعة سعوديين يقطنون في أماكن متفرقة في البلاد زيارات من طرف مكتب التحقيقات الفيدرالي، في حين تلقى ناشط عربي من جنسية غير سعودية تحذيرا بسبب صلاته مع الصحفي جمال خاشقجي. والجدير بالذكر أن أحد الناشطين الذين تلقوا هذه التحذيرات يدير قناة على موقع يوتيوب ويحظى بعدد كبير من المتابعين، و التي ينتقد فيها الحكومة السعودية. وشارك الناشط الثاني في مؤتمر معارض للسعودية، في حين كان الثالث يعمل مع خاشقجي على مشروع لمحاربة المتصيدين الإلكترونيين السعوديين على الإنترنت.
الجدير بالذكر أن جميع الأشخاص الذين تحدثوا إلى موقع ميدل إيست آي البريطاني اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم وعدم الإفصاح عن مواقعهم بسبب المخاوف الأمنية. وفي هذا الصدد، قال الناشط السعودي الذي كان يعمل مع خاشقجي :"لقد كانوا يقولون لي أنهم قلقون على سلامتي، وأن إسمي وُضِع في الإدارات الأمريكية وفي بعض الدوائر المعينة في أوروبا".
من المعروف أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووكالات الاستخبارات الأجنبية قد تواصلت مع الناشطين المقربين من خاشقجي في كل من الولايات المتحدة والنرويج وكندا بسبب مخاوف بأن حياتهم معرضة للخطر. في المقابل، هذه هي المرة الأولى التي يتم خلالها الإبلاغ عن تورط مكتب التحقيقات الفيدرالي في الأمر.
وفي رسالة إلكترونية أرسلها إلى موقع ميدل إيست آي، أخبر متحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي أنهم يعملون على بناء رابطة قوامها الثقة المتبادلة لحماية المواطنين الأمريكيين. ووفقًا لتوجيهات صادرة سنة 2015، تكون وكالة المخابرات المركزية ملزمة بموجب القانون بإبلاغ المواطنين الأمريكيين وغير الأمريكيين بالتهديدات بالقتل العمد والإصابات الجسدية الخطيرة والخطف الموجهة لهم.
ومن جهته، رفض المتحدث الرسمي باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي التعليق حول ما إذا كانت هذه الزيارات تتمحور حول سبب محدد عدا اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، أو أنها قد أُجريت بموجب امتثال المكتب للتوجيهات الصادرة سنة 2015.
"ينتابني شعور بالخوف إزاء التعامل معكم"
لم يصرح أي من الأشخاص الذين تحدثوا إلى موقع ميدل إيست آي أنهم كانوا على دراية بهذه التهديدات في بادئ الأمر. وفي بعض الحالات، قالوا إن موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي عمدوا إلى تهدئتهم واتصلوا بهم أولا ثم رتبوا لقاء معهم في مكان عمومي بالقرب من أماكن إقامتهم، وغالبًا في أحد محلات "ستاربكس".
بالنسبة لأحد المعارضين السعوديين الذين تلقوا هذه التحذيرات، أخبره موظفو المكتب الفيدرالي أنهم يشعرون بالأسف إزاء مقتل خاشقجي الذي كان مواطنًا أمريكيا، وأنهم سيبذلون ما في وسعهم لتقصي الحقيقة الكاملة إزاء هذا الأمر. وفي حديثهم إلى معارض آخر، ارتأى الموظفون التشديد على أنهم لا يمتون لإدارة ترامب بصلة.
حيال زيارة الموظفين الأمريكيين في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال أحد الناشطين السعوديين :" قلت لهم ينتابني شعور بالخوف إزاء التعامل معكم، وذلك لأن حكومتكم الحالية عملت عن كثب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والحكومة السعودية". وقابل الموظفون الأمريكيون هذا القول بطمأنة الناشط السعودي والقول "نحن هنا لحماية الناس من كل مكان، لا يهم من في البيت الأبيض".
في المقابل، أفاد المعارض السعودي أنه شعر بالقلق إزاء اقتراح مكتب التحقيقات الفيدرالي أن يساعدهم مقابل منحه بعض التسهيلات إزاء طلب اللجوء الذي تقدم به. وقال أحد المعارضين أن الموظفين استفسروا أيضا حول إمكانية زيارتهم له مرة أخرى، حيث كانت إجابته :"إذا كانت هذه الزيارة من أجل تبادل أطراف الحديث أو شيء مماثل فأنا لست موافقًا"، حيث لم يُرِد إجراء محادثات دورية معهم.
علاوة على ذلك، قل أحد المعارضين أنه كان يحاول شراء تذكرة للسفر نحو بلد آخر، حينها بادر موظفو مكتب التحقيقات الفيدرالي بالاتصال به وإخباره بأنه لن يكون آمنا في حال زيارته لبعض الوجهات في الخارج. وأضاف المعارض السعودي أنه شعر بالأمان عقب هذه الزيارة، وبأنه كان مرتاحا في أغلب الأوقات نظير تواجده على الأراضي الأمريكية.
وأشار المعارض السعودي إلى بعض المخاوف التي أثارتها تحقيقات قامت بها كل من صحيفة "ذا أوريجونيان" وموقع "بروببليكا" الإخباري في وقت سابق من السنة الحالية. وتفيد هذه التحقيقات بأن المملكة العربية السعودية ساعدت ما لا يقل عن 20 سعوديًا يعيشون في الولايات المتحدة على تجنب الملاحقة القضائية والفرار من البلاد منذ سنة 1988.
شملت بعض التهم الموجة ضد المواطنين السعوديين القتل والاغتصاب، والذي كان أغلبهم من الطلاب المتحصلين على منح من طرف حكومة بلادهم. وبدلًا من المثول أمام المحكمة، خلص التقرير إلى أن المتهمين نُقلوا إلى خارج البلاد من قبل موظفي القنصليات السعودية. وعلى الرغم من علم وكالات إنفاذ القانون الأمريكية بهذه التجاوزات، إلا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة فشلت في الضغط على الحكومة السعودية خوفًا من تعطيل تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين.
وتابع المعارض السعودي القول إنه:" عندما أرى الإدارة الحالية لا أكون متأكدا إزاء كوني آمنا أم لا. أنا أرى كيف يتمكن الأطفال السعوديون من الهرب من البلاد بعد قتل الأمريكيين دون مساءلة على الإطلاق، كما أن وزير الخارجية يغض الطرف عن هذا الأمر، هذا يجعلني مشككا في كل شيء".
"حليف رائع"
إن الكشف عن مخاوف مكتب التحقيقات الفيدرالي حول سلامة المعارضين السعوديين على الأراضي الأمريكية سيثير المزيد من الأسئلة حول التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السابق، والتي تقلل من دور محمد بن سلمان في اغتيال خاشقجي.
عندما كان موظفو مكتب التحقيقات الفيدرالي يزورون المعارضين السعوديين في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كان ترامب يشدد على أهمية العلاقات "الثابتة" بين الرياض وواشنطن. وتجدر الإشارة إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي كانت بعد ثلاثة أيام فقط من إبلاغ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للبيت الأبيض بأنها خلصت إلى أن عملية الاغتيال كانت بأمر من ولي العهد السعودي.
وبعد ثلاثة أيام فقط من إصدار وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لتقريرها إزاء جريمة اغتيال خاشقجي، أي في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب:" من المرجح أن ولي العهد السعودي قد أحاط علمًا بهذا الحدث المأساوي، ربما فعل ذلك وربما لم يفعل".
وتابع ترامب آنذاك بالقول :" على كل حال، إن علاقتنا هي مع المملكة العربية السعودية. لقد كانوا حليفًا كبيرًا في معركتنا المهمة للغاية ضد إيران. تنوي الولايات المتحدة أن تظل شريكا ثابتا للمملكة العربية السعودية لضمان مصالح بلدنا و"إسرائيل" وجميع الشركاء الآخرين في المنطقة ".
في حديثه إلى الصحفيين بعد لقاءه مع محمد بن سلمان في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في اليابان، وصف ترامب المملكة العربية السعودية بأنها "حليف رائع" مرة أخرى. وقال الرئيس الأمريكي أنه :" لم يقم أي شخص بتوجيه اتهام مباشر إلى الملك المستقبلي للمملكة العربية السعودية". ومن جهته، لم يستجب البيت الأبيض إلى طلب موقع ميدل إيست آي للتعليق على بعض الأمور، بما في ذلك ما إذا كان ترامب قد اطلع على مخاوف مكتب التحقيقات الفيدرالي، أو وقت حدوث ذلك إذا كان قد حدث.
زيادة في طلبات اللجوء
وفقًا لإحصائيات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة، شهد عدد المواطنين السعوديين الذين يقدمون طلبات لجوء ارتفاعًا مطردا منذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، حيث ازداد من 575 سنة 2015 إلى 1256 سنة 2017. ولا يشمل عدد مقدمي هذه الطلبات الصحفي الراحل جمال خاشقجي لأنه اختار العيش في المنفى بصفة طوعية.
بعد فترة وجيزة من اغتيال خاشقجي، عرض مسؤول سعودي وثائق المخابرات الداخلية على وكالة رويترز للأنباء، والتي ظهر فيها أن بلاده كانت تحاول إعادة المعارضين إلى البلاد، بمن فيهم الصحفي خاشقجي. ونقلت رويترز عن المسؤول السعودي قوله إن:" هناك أمر دائم بإجراء مفاوضات مع المعارضين لحثهم على العودة للسعودية بشكل سلمي، وهو ما يمنح المسؤولين السعوديين السلطة للتصرف دون الرجوع إلى القيادة العليا".
ويشك العديد من الناشطين الفارين في مدى سلامتهم في الولايات المتحدة ويرون أن الخطر ليس قادمًا من المملكة العربية السعودية وحدها. وفي حديثهم إلى موقع ميدل إيست آي الأسبوع الحالي، قال بعضهم أنهم لم يعودوا يعتبرون الولايات المتحدة خيارًا بسبب علاقة ترامب بمحمد بن سلمان.
وفي تصريحه إلى موقع ميدل إيست آي، قال سامي شدوخي، الوكيل العقاري البالغ من العمر 37 سنة، أنه قضى خمس سنوات في السجن في المملكة العربية السعودية بسبب "الحديث عن السياسة". وفور خروجه من السجن، سلط النظام السعودي عليه حظر سفر دام لخمس سنوات قبل أن يفر إلى ألمانيا ويطلب اللجوء منذ حوالي ثلاثة أشهر فقط.
قال الشدوخي إن ترامب يفكر بالمال أكثر من حياة الناس أو حقوقهم أو أي شيء آخر، واقتبس عنه قوله "لقد قام بن سلمان بقتل جمال خاشقجي، حسنا، ليس هناك أي مشكلة، فنحن نستفيد هنا من المال ونوفر الوظائف، الكثير من الوظائف".
من جهته، صرح الناشط البارز في مجال حقوق الإنسان، إياد البغدادي، أن حقيقة تحويل وكالة المخابرات المركزية للموارد في سبيل وقف النشاط السعودي المحتمل يعكس مدى قلقها إزاء هذا الأمر. والجدير بالذكر أن البغدادي تلقى اتصالا من وكالة المخابرات المركزية في وقت سابق على خلفية تهديدات لحياته من طرف المملكة العربية السعودية.
تابع البغدادي بالقول :"المخابرات الأمريكية تعلم أن محمد بن سلمان يمثل مشكلة كبرى وحليفا مروعا، لقد قام هذا الحليف بترويع الناس على أراضيكم بالله عليكم. أي نوع من الحلفاء قد يفعل مثل هذا الأمر؟".
وخلص الموقع إلى نقل تصريح الناشط السعودي ذو 37 سنة، والذي ورد فيه أنه:" في نهاية المطاف، ما الذي تظهره حقيقة عجز الوكالة الاستخباراتية عن إخبار إقناع الرجل في البيت الأبيض أن هذا الأمر يمثل مشكلة؟ إن ذلك يخبرنا بأن وكالة المخابرات المركزية تعلم تماما أن بن سلمان مثير للمتاعب وأن السبب الذي يحثه على مواصلة ما يقوم به هو جاريد كوشنر ودونالد ترامب".