وأضاف إبن سلمان: "العديد من الدول حول العالم، وفي أوروبا، لم تدرك مدى خطورة هتلر حتى حدث ما حدث. لا أريد أن أرى نفس الأحداث تتكرّر في الشرق الأوسط"! وبعد أيام معدودة، أعاد بن سلمان تكرار اتهامه لإيران بأنها "تسعى لامتلاك أسلحة نووية، حتى يتسنّى لها التصرف بحريّة في الشرق الأوسط دون خوف من العقاب"! وتابع: "إن مشاهدة الإيرانيين وهم يسعون نحو امتلاك القنبلة النووية أشبه بانتظار رصاصة تصل إلى رأسك.. لذا علينا التحرّك من اليوم"! وجدّد إبن سلمان انتقاده للاتفاق النووي الإيراني، مؤكداً أن الاتفاق سيؤخّر إيران عن الحصول على أسلحة نووية، لكنه لن يمنعها، داعياً للاستعاضة عنه باتفاق آخر يضمن ألاّ تحصل إيران مطلقاً على سلاح نووي، ويتصدّى لأنشطة إيران الأخرى الزعزعة للاستقرار في المنطقة"!
الباحث والكاتب اللبناني حسن صعب واستناداً إلى مواقف إبن سلمان هذه، وردود الفعل الباهتة حيالها، خاصة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، يمكن "تظهير" عدّة دلالات سلبية، تمسّ بشدّة "البنيان" السياسي – الأخلاقي، الذي يدّعي "المجتمع الدولي" بأنه يرتكز عليه في صنع سياساته ومواقفه حيال الدول أو الأزمات التي تواجه العالم منذ تأسيس هيئة الأمم المتحدة وتشكيل مجلس الأمن الدولي وبقيّة المؤسسات المرتبطة بهما، في أربعينيات القرن الماضي:
أوّلاً – إن تهديد إبن سلمان العلني بصنع أو امتلاك قنبلة نووية، بغضّ النظر عن مبرّراته أو دوافعه أو جديّته، يُعدّ خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، ولمعاهدة منع أو حظر الانتشار النووي، ولقواعد العلاقات الدولية، ولمساعي الأمم المتحدة الحثيثة لإقامة عالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط؛ وذلك بتأييد معظم دول العالم، ومنها الدول العربية. مع الإشارة هنا إلى موقفٍ مماثلٍ لما أعلنه محمد بن سلمان، كان قد أطلقه "العاهل" السعودي "الراحل" الملك عبدالله بن عبد العزيز، بإبلاغه المسؤولين الأمريكيين مرّات عدّة، منذ عام 2003، بأنه إذا حصلت إيران على قنبلة نووية فإن المملكة ستحذو حذوها، مهما كانت التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي!
ثانياً – إن رغبة السعوديين الدفينة في امتلاك سلاح نووي، والتي تتجاوز هدف تحقيق توازن ردع متوهم مع إيران، تقوّض "القاعدة الأخلاقية" التي يدّعي "المجتمع الدولي"، وفي طليعته الولايات المتحدة وبقيّة الدول الكبرى وأوروبا، الالتزام بها منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تجسّدها مبادئ هيئة الأمم المتحدة والإعلانات الصادرة عن مؤسساتها المختلفة؛ وكلّها تؤكد على حماية السلم والاستقرار الدوليين، وترفض أيّ تهديد للمجتمعات البشرية، سواء بتصنيع أو امتلاك أسلحة دمار شامل، أو بشنّ الحروب وتغذية النزاعات التي تؤدّي إلى سقوط الضحايا وتدمّر المنجزات التي حقّقتها الإنسانية على مدى العقود الأخيرة.
ثالثاً – إن الطموح السعودي النووي، العسكري تحديداً، يُنذر بإطلاق تسلّح في الشرق الأوسط، سيؤدّي إلى استنزاف موارد دول المنطقة في غير مواضعها المفترضة، في الإنماء والازدهار، وإلى زعزعة الاستقرار وتصعيد النزاعات البينية والإقليمية، وتهديد السلم العالمي؛ وبما يتناقض مع المواقف التي يُعلن المسؤولون السعوديون من خلالها التزامهم الثابت بالقانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة الخاصة بحماية السلم والاستقرار الدوليين، وبالأخص لجهة عدم امتلاك أسلحة دمار شامل، وتوقيعهم على الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة.
رابعاً – إن تذرّع وليّ عهد السعودية بسعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، على الرغم من توقيع الأخيرة على اتفاق دولي مُلزم، مع الدول الخمس الكبرى وألمانيا، يمنعها من تحقيق هكذا هدف، وهو غير موجود بالأصل حسب الاستراتيجية النووية الإيرانية المعلنة، والتي تُشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذريّة؛ هذا التذرّع واهن في شكله ومضمونه، لأنه يستند إلى مزاعم وليس إلى وقائع أو حقائق مثبتة على صعيد دولي وأممي.
والمثير للاستغراب أن قادة المملكة السعودية لم يُبدوا في يومٍ من الأيام رغبتهم بامتلاك قنبلة نووية لردع الكيان الإسرائيلي، والذي يمتلك منذ ستينيات القرن الماضي عشرات القنابل النووية، مع أسلحة إطلاقها، براً وبحراً وجواً (الصواريخ والطائرات والغوّاصات الحربية)؛ وهي تستهدف، حسب الاستراتيجية النووية للكيان، كلّ الدول العربية والإسلامية، وغيرها من دول العالم، والتي يمكن أن تشكّل تهديداً لوجود الكيان الإسرائيلي، وتحت أيّ ظرفٍ كان.
خامساً – تكشف المواقف الأمريكية المزدوجة أو المتناقضة حيال الطموح السعودي النووي، مدى استخفاف إدارة دونالد ترامب تحديداً بالمخاطر الناجمة عن التعاون الأمريكي مع السعودية في المجال النووي، وتركيزها على تحقيق صفقات مربحة، جرّاء التزام الولايات المتحدة ببناء محطات نووية في السعودية، مع السماح لها بتخصيب غير مقيّد لليورانيوم؛ بل وصل الأمر بالرئيس الأمريكي ترامب حدّ القبول بمملكة نووية في المستقبل، لردع إيران، وبشرط عدم تهديدها لـ"إسرائيل"! وعلى الرغم من عدم حسم مسألة طبيعة وحدود التعاون الأمريكي النووي مع السعوديين، بسبب اعتراضات جديّة من داخل الكونغرس ترتبط بالقلق على أمن "إسرائيل" واحتمال إطلاق سباق تسلح نووي غير مأمون العواقب في المنطقة، فإن ذلك لا ينفي خرق الإدارة الأمريكية للقانون الدولي وللمعاهدات ذات الصلة بمنع الانتشار النووي وحظر أسلحة الدمار الشامل؛ وهي التي تدّعي استنادها إليهما في تعاملها مع ملف إيران النووي، والذي انتهى بفضيحة إلغاء الإدارة الأمريكية للاتفاق النووي (الأممي) مع إيران في العام الماضي، والذي عُدّ على المستوى العالمي كإنجاز تاريخي يمكن البناء عليه في إرساء علاقات سلمية متينة بين الدول، وكنموذج لحلّ قضايا وأزمات خطيرة تهدّد أمن واستقرار الشعوب.
وقد ورد أخيراً أن وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري أعلن أن إدارته أعطت الضوء الأخضر لشركات أمريكية للعمل على ستة مشاريع نووية في السعودية، رغم خشية المشرّعين من إمكان سعي المملكة لامتلاك أسلحة نووية.. وهو أعرب لأعضاء مجلس الشيوخ عن مخاوفه من أنه إذا لم تكن الولايات المتحدة هي الشريك مع السعودية أو الأردن "فسيذهبان إلى روسيا أو الصين من أجل التقنية النووية المدنية". وقال: "أؤكد لكم أن هذين البلدين لا يباليان بمنع انتشار السلاح النووي"؛ وأضاف: "لدينا تاريخ في مسألة حظر انتشار السلاح النووي، ولن يقوم أحد أفضل منّا في العالم"! لكنّ المشرّعين الديمقراطيين حذّروا من أن ترامب يندفع سراً للموافقة على مشاريع للطاقة النووية المدنية في السعودية، رغم أن المملكة لم تسع لعقد اتفاق حول المادة 123 من قانون الطاقة النووية الأمريكي، والذي بموجبه تتعهد الدول بالاستخدام السلمي لهذه التقنية.
ولا يغيّر من المسار الأمريكي المذكور كثيراً الموقف الذي أعلنه أخيراً وزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيو، الذي اّدعى أن واشنطن لن تسمح للسعودية بأن تصبح قوّة نووية تهدّد الولايات المتحدة و"إسرائيل". وشدّد بومبيو قائلاً: "لن نسمح بحدوث ذلك في أي مكان في العالم.. الرئيس يفهم تهديد الانتشار"! وختم: "لم نكتب أبداً شيكاً بقيمة 150 مليار دولار للسعودية ونسلّمها القدرة على تهديد "إسرائيل" والولايات المتحدة بأسلحة نووية".
وهذا الموقف الموارب من بومبيو من تسلّح السعودية النووي لا يقفل الباب أمام هكذا تطوّر إذا ما كان موجّهاً بشكل حصري ضدّ إيران وليس ضدّ أمريكا والكيان الإسرائيلي.
سادساً – أما من جهة الكيان الإسرائيلي، فهو يُظهر رفضه لإنشاء مفاعلات نووية في السعودية، سواء من قِبل الولايات المتحدة أو غيرها (أوروبا، كوريا الشمالية، روسيا، الصين..)، مخافة أن يتّجه السعوديون لتصنيع أسلحة نووية بواسطة هذه المفاعلات، والتي قد تقع في "أيدٍ غير أمينة" في المستقبل؛ والمقصود هو جماعات أو دول معادية لـ"إسرائيل" قد تتمكن من إسقاط النظام السعودي والسيطرة على مفاعلاته النووية! وبالنسبة لمسألة ردع إيران "النووية"، والتي تفترض إدارة ترامب أنها ستتحقق بامتلاك السعودية لسلاح نووي، فإن قادة الكيان الإسرائيلي يقدّرون بأن قدرات الكيان النووية كافية لردع إيران، وهي التي لا تمتلك حتى الساعة هكذا قدرات، وأن لا حاجة لامتلاك السعوديين لقنبلة نووية، قد يؤدّي إلى سباق تسلّح "نووي" في المنطقة لن يخدم سوى أعداء "إسرائيل" فيها، وهم كثر! لكنّ المسؤولين الإسرائيليين لا يصلون برفضهم المعلن لأيّ تسلح سعودي نووي حدّ التصادم مع الراعي الأمريكي لكيانهم، والضامن له من الأخطار النووية وغيرها؛ وهم يسعون لتحذير إدارة ترامب من تفعيل وتوسيع التعاون النووي مع السعودية فحسب، مع أخذهم بعين الاعتبار مصالح إدارة ترامب والرؤية الأمريكية عموماً لهذه المسألة. وهذا الموقف الإسرائيلي يُعدّ في المحصّلة موقفاً براغماتياً أو حتى منافقاً، في ظلّ واقع امتلاك الكيان الحصري في المنطقة لأسلحة نووية وأسلحة دمار شامل أخرى، مع رفضه القاطع لمسار إيران النووي السلمي، والذي أثبتته مراراً وتكراراً الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، وشرعنة الاتفاق النووي بين إيران والدول الست في العام 2015.
سابعاً – بالنسبة للسعودية نفسها، فإن تتبّع مسارها السياسي والعملي المرتبط بإنشاء مفاعلات نووية داخل البلاد، يكشف عن رغبة دفينة (ضمنية) لدى السعوديين لتصنيع أو امتلاك قنبلة نووية، موازاة الأهداف التنموية والاقتصادية التي ستتحقق بعد إنجاز هذه المفاعلات.
ولا يمكن التقليل من شأن الرغبة السعودية الجامحة بامتلاك أسلحة نووية، بدعوى أنها ستكون موجّهة ضد إيران، لأن حكّام السعودية، وتحديداً وليّ العهد الحالي محمد بن سلمان، الذي "اشتهر" بعدائه المطلق لإيران، وبدمويته التي جسّدها داخل وخارج المملكة منذ تسلمه هذا المنصب؛ هؤلاء الحكّام ليسوا "مؤهّلين" لامتلاك أسلحة نووية، استناداً إلى خلفياتهم الفكرية المتطرفة (المذهب الوهّابي التكفيري) وتاريخهم السياسي الحافل بإبادة الخصوم والأعداء بأية طريقة متاحة20، كما كشفت جريمة قتل الصحافي السعودي المعارض للنظام، جمال خاشقجي، قبل عدّة أشهر داخل القنصلية السعودية في تركيا.
ولا يمكن الركون إلى المقولة التي تفيد بإمكانية التعايش مع "سعودية نووية"، كما هي الحال مع واقع الدول الكبرى وكوريا الشمالية وباكستان والهند، لأن خصوصيات المنطقة المسمّاة بـ"الشرق الأوسط" ونشوء كيانين نوويين متطرّفين فيها، أي "إسرائيل" والسعودية، قد يطيح بقواعد اللعبة في المنطقة، ويؤدّي إلى سباق تسلح نووي غير مقيّد، لأن الدول المعادية لأحد هذين الكيانين المتطرفين أو لكليهما، لن تبقى مكتوفة الأيدي، وقد تسعى لحماية نفسها بأية وسيلة كانت! وفي تأكيد على خطورة التوجهات النووية العسكرية للسعودية، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية أخيراً بناءً صناعياً في موقع المفاعل النووي في مدينة الرياض السعودية، الذي تريد المملكة بدء تشغيله هذا العام.
وبحسب وكالة "بلومبرغ"، توشك المملكة السعودية على الانتهاء من أوّل مفاعل نووي لها، إذ أظهرت صور الأقمار الصناعية المنشأة. ويقع "المرفق البحثي في الركن الجنوبي الغربي لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض؛ ووفقاً للصور التي نشرتها Google Earth, فإن البرنامج يتقدم، حيث يظهر أن البناء على وشك الانتهاء في وعاء عمودي يحتوي على وقود ذرّي.
وتقول الوكالة إن هذا التقدم "يثير قلق خبراء الحدّ من التسلّح، لأن المملكة العربية السعودية لم توقّع بعد على الإطار الدولي للقواعد التي تتّبعها القوى النووية الأخرى لضمان عدم استخدام البرامج النووية المدنية لصنع أسلحة". وبحسب "بلومبرغ"، لن يتحرك مزوّدو الوقود النووي لتزويد الوحدة السعودية حتى يتم إنهاء ترتيبات المراقبة الجديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية في فييّنا".
وتكشف الوكالة أن المزيد من الخبراء في الحدّ من التسلّح يبحثون النشاط النووي للمملكة، بسبب التصريحات الرسمية بأن المملكة قد تحاول الحصول على أسلحة نووية". وعليه، فإن مسؤولية كبرى تقع على عاتق "المجتمع الدولي" حيال تهديد محمد بن سلمان الأخير بامتلاك أو صنع قنبلة نووية.
وإن طغيان الاعتبارات المادية (المالية) والكيدية (السياسية)، لدى قادة الولايات المتحدة بالخصوص، في إطار التعامل المزدوج مع ملفّي السعودية وإيران النوويين، ناهيك عن حمايتهم المباشرة لأسلحة "إسرائيل" النووية، سيؤدّي إلى تداعيات خطيرة على أمن وسلامة شعوب المنطقة والعالم، في ظل تسلّح السعوديين (المفترض أو المتوقع) بقدرات نووية عسكرية؛ مع العلم بأن هكذا قدرات لن تنفعهم في ردع أو مواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران، لأنها ستقع بأيدي "مجاهدي الإسلام في وقتٍ غير بعيد"، كما أعلن قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي أخيراً.
* حسن صعب - مرآة الجزيرة