إن الحقد الأسود الذي جُبلت عليه قلوبهم على النبي (ص) وأهل بيته (ع) قادهم إلى ارتكاب جريمة بشعة لا يكاد المسلم المؤمن بالله وبرسوله يسمع بها حتى يقشعر جلده من هولها ! ألا وهي جريمة هدم قبور الأئمة المعصومين من أهل البيت (ع) في البقيع وهدم قبور الصحابة والأولياء وكل آثار الإسلام التي تعد مصدر فخر واعتزاز للمسلمين.
وقد بررّوا لهذا الفعل الإجرامي الجبان بما نتجت لهم ماكنتهم من أحاديث موضوعة مبتدعة وفتاوى ضالة وكاذبة خالفوا بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وجميع آراء وعقائد المذاهب الإسلامية وانتزعوا اعترافات مشايخ المدينة بالترغيب والترهيب، وكان مضمون فتواهم الضالة أن زيارة هذه القبور هي (شرك بالله) !
فيا أيها المسلمون في مشرق الأرض ومغربها أنصفوا وانتصفوا لدينكم وليسأل المسلم نفسه بغض النظر عن مذهبه، هل يجد لهذا الرأي سنداً في القرآن الكريم أو في السنة الشريفة أو في كتبه الفقهية التي يستقي منها ؟ وهل قال به أحد من علماء المسلمين كافة على اختلاف مذاهبهم عبر أربعة عشر قرناً من تاريخ الإسلام غير الوهابية ؟
فليبحث المسلم ويحقق ويدقق ويفحص في الكتب التي يأخذ عنها فقهه ودينه, فهل يجد من قال بهذه البدعة الضالة غير هؤلاء الهمج ؟ أم يجد العكس ؟ حينها فليحكم بنفسه بعد أن تبين له الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الحق.
جواز زيارة القبور في القرآن الكريم
لقد نبذ هؤلاء الضّالون كل المذاهب الإسلامية وكفّروها وقاتلوها وخالفوا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وكل علماء المسلمين بقولهم هذا، فمخالفتهم للقرآن الكريم واضحة وجلية، فالقرآن أجاز البناء على قبور الأولياء والصالحين بقوله تعالى في سورة الكهف: (إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا)
وقد اتفقت التفاسير على أن المسجد الذي بناه المسلمون على الكهف هو لعبادة الله والتبرك بأهل الكهف يقول الرازي في تفسير هذه الآية: (لنتخذن عليهم مسجداً يعني نعبد الله فيه ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد). (1)
وقال الطبري في تفسيره: (عمَّى الله على الذين أعثرهم على أصحاب الكهف مكانهم، فلم يهتدوا، فقال المشركون: نبني عليهم بنياناً، فإنهم أبناء آبائنا، ونعبد الله فيها، وقال المسلمون: بل نحن أحق بهم، هم منا، نبني عليهم مسجداً نصلي فيه، ونعبد الله فيه). (2)
وهل أحق قولاً من الله ؟ بل وهل بعد قول الله قول ؟ قاتلهم الله أنى يؤفكون، فمن يدين بدين الوهابية فهو مخالف للقرآن إذن بنص القرآن.
جواز زيارة القبور في السُنة المطهرة
كما أكدت السنة النبوية الشريفة على جواز زيارة القبور واستحبابها للمسلم وقد فعلها رسول الله (ص)، وهل أحد أحق بأن يقتدي به المسلم من رسول الله وقد روت جميع السِيَر بشقيها السني والشيعي مانصه: وهو أنه (ص): (لما رجع من غزوة بني لحيان في اليوم الأخير من شهر ربيع الأول من عام (6هـ) زار قبر أمه آمنة بنت وهب (ع)، فتوضّأ ثم بكى، وبكى الناس لبكائه ثم صلى ركعتين، ولم ير باكياً أكثر من يومئذ، ثم أصلح قبرها بعد ذلك)..
وتشير جميع المصادر إلى أن هذه الزيارة ليست الوحيدة التي يزور فيها النبي (ص) قبر أمه آمنة (ع)، فقد زاره بعد رجوعه من عمرة الحديبية، وبعد فتح مكة، وبعد غزوة تبوك، وبعد حجة الوداع..
وقد وردت هذه الرواية في صحيح مسلم بهذا اللفظ: (زار النبي قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله... وقال: استأذنت ربي في أن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت) (3).
وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن النبي (ص) أنه قال: (كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة) (4) وروى هذا الحديث أيضاً مسلم والترمذي في صحيحيهما وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهم.
وفي صحيح البخاري عن عائشة عن النبي (ص) قال مانصه: (إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون) (5).
وروى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد).
وهناك كثير من الأحاديث والروايات عنه (ص) تدل على جواز زيارة القبور فمن شاء فليراجعها من مصادرها.
ثم أن مراقد الأنبياء كانت موجودة في مكة المكرمة والمدينة المنوّرة في أيّام رسول الله (ص) فلم يأمر بهدمها أو نهى عن زيارتها، بل عُدّت جزءاً من الشعائر المهمّة، ففي مكة قبر لهاجر زوجة النبي إبراهيم (سلام الله عليهما) وكذلك قبر ابنه إسماعيل (سلام الله عليه)، وفوقه بناء وهو المسمى اليوم بحجر إسماعيل، وهكذا قبور كثير من الأنبياء (سلام الله عليهم).
ونكتفي بهذا القدر من الروايات عن السنة الشريفة فهو يكفي للدلالة على مخالفة الوهابيين للسنة النبويّة المطهّرة والقرآن الكريم وابتداعهم لهذه البدعة التي سيحملون وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة, وسنبيّن أيضاً مخالفتهم لجميع المذاهب الإسلامية في هذا الشأن
جواز زيارة القبور بإجماع مذاهب المسلمين
لقد أخذ الوهابيون دينهم عن رجل ضال هو ابن تيمية الذي كان منحرفاً في دينه مبتدعاً يضع الضلالات والأكاذيب ويدّعي إنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل فأفتى بحرمة البناء على القبور وزيارتها مع أن أحمد بن حنبل نفسه كان يزور قبر أبي حنيفة ويتوسّل به، وكان إمام الحنابلة وشيخهم (أبو علي الخلال) الحسن بن إبراهيم يقول: (ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به إلا سهّل الله تعالى لي ما أحب) (6).
ولم ينفرد البغدادي بنقل أقوال أئمة المذاهب كافة حول جواز زيارة القبور فهذا ابن حجر الهيتمي يقول مانصه: (إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسّل بالإمام أبي حنيفة ويجيئ إلى ضريحه يزور فيسلم عليه ثم يتوسّل إلى الله تعالى به في قضاء حاجاته). (7)
وكان الإمام أحمد بن حنبل يتوسّل بقبر الإمام الشافعي كما نقل ذلك السيد أحمد زيني دحلان مفتى مكة فقال مانصه: (قد ثبت أن الإمام أحمد توسل بالإمام الشافعي حتى تعجّب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد فقال له أبوه: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن). (8)
وقال أيضاً: ولما بلغ الإمام الشافعي: (أن أهل المغرب يتوسّلون بالامام مالك لم ينكر عليهم).
وقال ابن خلكان عن قبر أبي حنيفة: (قبره مشهور يُزار بُنِيَ عليه المشهد والقبة سنة (459هـ) (9)
وقال ابن جبير في رحلته (ص180): (وبالرصافة مشهد حفيل البنيان له قبة بيضاء سامية في الهواء فيه قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه). (10)
وقال ابن بطوطة: (قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه عليه قبة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ما عدا هذه الزاوية) ثم عد جملة من قبور المشايخ ببغداد فقال: (وأهل بغداد لهم في كل جمعة لزيارة شيخ من هؤلاء المشايخ ويوم لشيخ آخر يليه هكذا إلى آخر الأسبوع). (11)
و قال الذهبي: (وقبره ـ أي أبي حنيفة ـ عليه مشهد كبير وقبة عالية ببغداد) (12)
وذكر مثله ابن الجوزي في ترجمة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) (13)
وروى الخطيب البغدادي عن علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: (إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيئ إلى قبره في كل يوم - زائراً - فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد حتى تقضى). (14)
وقال الكوثري معلّقاً على هذه الرواية: (توسّل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أوائل تاريخ الخطيب بسند صحيح).وقد ذكره الخوارزمي (15) والكردري في مناقبه (16).
ومثل هذه الأحاديث والروايات كثيرة جداً تجلّ عن الحصر في كتب كل المذاهب الإسلامية
أقوال أئمة الهدى في جواز زيارة القبور
وفضلاً عما جاء في كتب السنة في جواز زيارة القبور فقد وافقتها كتب الشيعة ورواياتهم التي وردت عن أئمة الهدى (ع) حول زيارة القبور وخاصة قبورهم (ع) لما لها من الأجر العظيم عند الله تعالى ننقل بعضاً منها:
ففي الكافي للكليني عن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (ع): (ما لمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال: (كمن زار الله عزّ وجلّ فوق عرشه)، قال: قلت فما لمن زار أحداً منكم ؟ قال: (كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). (17)
وذكر الشيخ المفيد عن الإمام الصادق (ع) عن رسول الله (ص) أنَّه قال: (من زار علياً بعد وفاته، فله الجنة). (18)
كما جاء في نفس المصدر عدة روايات عنهم (ع) منها: عن الإمام الصادق (ع) عن آبائه (ع) أنّهم قالوا: (بينا الحسن ذات يوم في حجر رسول الله (ص) إذ رفع رأسه، فقال: يا أبت، ما لمن زارك بعد موتك ؟ قال: يا بنيّ، من أتاني زائراً بعد موتي، فله الجنة، ومن أتاك زائراً بعد موتك، فله الجنة).
ومنها: عن الإمام الباقر (ع) أنَّه قال: (مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (ع), فإنّ إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين (ع) بالإمامة من الله).
ومنها: عن بشير الدهان قال: قلت لأبي عبد الله (ع): (ربما فاتني الحجّ، فأعرف عند قبر الحسين عليه السلام ؟ فقال: أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسين (ع) عارفاً بحقّه في غير يوم عيد، كتب الله له عشرين حجّة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات، وعشرين حجّة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مئة حجّة ومئة عمرة ومئة غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عدل)
ومنها: في زيارة أئمّة البقيع (ع) عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (من زار إماماً من الأئمّة، وصلّى عنده أربع ركعات، كتبت له حجّة وعمرة).
وقيل للصادق (ع): (ما حكم من زار أحدكم ؟ قال: يكون كمن زار رسول الله (ص).
وقد حمل الشيخ المفيد (رحمه الله) هذين الحديثين على كونهما في خصوص أئمّة البقيع (ع).
وقال الإمام الرضا (ع) من زار قبر أبي ببغداد، كمن زار قبر رسول الله (ص) وقبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه، إلا أنّ لرسول الله ولأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما).
وروي عن أبي جعفر الجواد (ع) أنَّه قال: (من زار قبر أبي بطوس، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر).
وعن الإمام الرضا (ع) قال: (من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن، حتى أخلّصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً، وعند الصراط، وعند الميزان)
وعنه (ع) أيضاً قال: (إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة).
ونكتفي بهذا القدر من الروايات الكثيرة التي دلّت على جواز زيارة القبور بإفتاء أئمة كل المذاهب الإسلامية وخاصة زيارة قبور أئمة أهل البيت (ع) لما لها من الأجر العظيم عند الله تعالى ومن شاء أن يتحرّى حول هذا الموضوع فسيجد كمّاً هائلاً من أحاديث الرسول (ص) وأئمة المسلمين كافة باتفاقهم على هذا الأمر وكلها تقول بجواز زيارة القبور واستحبابها، وله بعد أن يطّلع على هذه الأحاديث أن يبقى على وهابيته بشرط أن يخرج من الإسلام.
مخالفة الوهابيين للقرآن والسنة والإجماع
لقد ترك الوهابيون كل هذه الآيات الشريفة والأحاديث المعتبرة والروايات المسندة واتبعوا شخصاً منحرفاً في عقيدته، مطعوناً في دينه، ضالاً في رأيه، وهو ابن تيمية الحرّاني الذي لقبوه بـ (شيخ الإسلام) !!
اسمع واعجب !! وإن كان ذلك ليس بعجيب على الإسلام الأموي الذي ابتُلي به المسلمون، فأبو سفيان ألد أعداء الإسلام والرسول, والذي لم يسلم حتى مات كافراً هو (من كبار المؤمنين) ! ومعاوية المجرم الذي قتل خيار صحابة رسول الله (ص) هو (خال المؤمنين) ! ويزيد الفاسق الفاجر قاتل سيد شباب أهل الجنة هو (مغفور له) ! والحجاج الوحش الدموي هو (الرجل المُفترى عليه) ! والطامة الكبرى ابن تيمية (شيخ الإسلام) فعلى الإسلام السلام !
ابن تيمية الذي يقول (إن علي بن أبي طالب لم يصح إسلامه لأنه أسلم صبياً) !!!.
فاعجب من صلافته وخبثه وعدائه الصريح لأهل البيت (ع) بهذا القول !! وهل قام الإسلام لولا علي ؟
لقد كان هذا المأفون الذي أطلقوا عليه لقب (شيخ الإسلام) عدوّاً للإسلام بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى, والعجيب من يطلق عليه هذا اللقب دون أن يعرف تاريخه المُخزي !
شؤم ابن تيمية على الإسلام
كانت ولادة هذا الضال المشؤومة عام (661هـ) أي في القرن السابع الهجري فهو من المتأخرين كثيراً قياساً بأصحاب المذاهب الأربعة ومن تبعهم، واسمه أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية، وقد جاهر بانحرافه فناظره علماء الشافعية والمالكية والحنفية وأنكروا عليه آراءه الشاذة وأفتوا بضلالته وخروجه من الملة، وقد ذكر ابن حجر الهيتمي بعضاً من الذين ناظروه وهم: تقي الدين السبكي، وتاج الدين السبكي، وابن جماعة، وكان منهم أيضاً ابن حجر الهيتمي نفسه وحكموا عليه بخروجه من الملة بابتداعه أمور لم يقل بها أحد قبله منها النهي عن زيارة قبور الأنبياء، وشد الرحال لزيارة القبور، والتوسل بأصحابها، وللقارئ أن يلاحظ تاريخ ولادة ابن تيمية فإن ماقاله حول هذه الأمور لم يقله أحد من علماء المسلمين طوال سبعة قرون وفي هذه القرون السبعة عاش أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم من كبار علماء المسلمين فممن استقى هذا الضال رأيه ؟
وبقي ابن تيمية ينشر بدعه الضالة حتى اشتكوا عليه في مصر فطُلِبَ هناك وعُقِدَ مجلس لمناظرته ومحاكمته حضره القضاة وأكابر رجال الدولة والعلماء فحكموا عليه وحبسوه في قلعة الجبل سنة ونصف مع أخويه ثم عاد إلى دمشق ثم أعيد إلى مصر وحبس في برج الإسكندرية ثمانية أشهر وأقام في القاهرة مدة ثم عاد إلى دمشق وعاد فقهاء دمشق إلى مناظرته في ما يخالفهم فيه وتقرر حبسه في قلعة دمشق إلى أن أهلكه الله في سجن قلعة دمشق عن (67) عاماً.
التحالف الشيطاني
بهذا الضّال المُضِل اقتدى مؤسس الوهابية محمد عبد الوهاب الذي لم تختلف سيرته عن سيرة ابن تيمية في اختلاق البدع والضلالات فكان مهووساً بقراءة أخبار مدّعي النبوة كمسيلمة الكذاب وسجاح والأسود العنزي وطليحة بن خويلد ولما رأى منه أخوه سليمان بن عبد الوهاب هذا الشذوذ انتقده ورد عليه فالف كتاباً رد فيه على عقائد أخيه الفاسدة أسماه: (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) كما حذر منه أبوه لسوء عقيدته وكانت ولادة هذا المشؤوم سنة (1111هـ) وهلاكه سنة (1207هـ).
لقد كان هدف محمد عبد الوهاب هو إكمال ما بدأه ابن تيمية في القضاء على روح الإسلام وهدم حضارته فتحالف مع آل سعود وارتكبوا أبشع المجازر بحق المسلمين وكفّروا كل المذاهب الإسلامية، وبعدما استولى آل سعود على مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وضواحيهما، بدأت الفكرة الشيطانية تراودهم بهدم المراقد المقدّسة في البقيع، ومحو آثار أهل البيت (ع) والصحابة، وكان يمنعهم من ذلك خوفهم من غضب المسلمين في الحجاز وفي عامّة البلاد الإسلامية، فاستفتوا علماء المدينة المنوّرة حول حُرمة البناء على القبور، فكتبوا استفتاءً ذهب به قاضي قضاة الوهابيين سليمان بن بليهد مستفتياً علماء المدينة، فاجتمع مع العلماء أوّلاً وتباحث معهم، وتحت التهديد والترهيب وقّع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحُرمة البناء على القبور, تأييداً لرأي الجماعة التي كتبت الاستفتاء وكان ذلك في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة (1344ﻫ).
هدم الإسلام
هوت معاول الشرك والكفر الوهابية على قبور آل الرسول (ص) في الثامن من شوّال من نفس السنة أي عام (1344ﻫ /1925م) فهدّموا قبور الأئمّة الأطهار(ع) والصحابة الأخيار في البقيع، وسوّوها بالأرض منتهكين بذلك حرمة وقدسية هذه المزارات ونهبوا كلّ ما كان في تلك المزارات المقدّسة من فرش وهدايا وآثار قيّمة وغيرها، وحَوّلوا ذلك المزار المقدّس إلى أرضٍ موحشة مقفرة.
وكان لهذا العمل الإجرامي المشين والمهين ردود أفعال قوية، ففور انتشار خبر تهديم القبور، استنكر المسلمون في جميع بقاع العالم على أنّه عمل إجرامي يسيء إلى أولياء الله ويحطّ من قدرهم، كما يحطّ من قدر آل الرسول (ص) وأصحابه الأبرار، وأخذ الرأي العام في داخل الحجاز والعالم الإسلامي، بتفنيد هذه الفتوى المخالفة لجميع الشرائع السماوية فضلاً عن الشريعة الإسلامية.
المساعي الشريفة
كانت هناك مساعٍ وجهود من قبل الكثير من العلماء والفقهاء والوجهاء ومختلف المؤمنين وحتى بعض القادة السياسيين لبناء البقيع، وفي مقدمة العلماء آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) الذي بذل جهوداً كبيرة في سبيل إعادة بناء قبور البقيع عبر الحوار مُتّخذاً من الآية الشريفة (وجادلهم باللتي هي أحسن) منطلقاً لهدفه فأثبت لهم بما يمتلكه من علمية كبيرة جواز البناء على تلك القبور الطاهرة ولكن الوهابيين كانوا كالأنعام بل أضل سبيلا.
يقول أخوه آية الله السيد محمد الشيرازي (قدس سره): (وكان (رحمه الله) يذهب إلى الحج كل سنة تلبية لنداء الرحمن (عز وجل) ولأهداف تبليغية عالية، وقد التقى بالسعوديين وضغط عليهم لأجل تعمير البقيع الغرقد ووعدوه بالسماح بتعمير البقيع، وذلك بعد جهد وتعب كثير ومناقشات ومحاورات مع كبار رجالهم وفقهائهم، لكن بعض الجهات في العراق منعت عن ذلك بالمال الكثير والإغراء وما أشبه، وتعاضدها في ذلك الحكومة العراقية). (19)
الكتب التي وصفت الجريمة
ألفت الكثير من الكتب التي وصفت هذه الجريمة البشعة منها:
1 ـ كتاب (فضائل البقيع) للشيخ حسن الصالحي الحائري بن الشيخ علي نقي بن الشيخ حسن بن محمد صالح البرغاني الحائري،المتوفى سنة (1401هـ)
2 ـ كتاب (جنة البقيع) باللغة الأوردية للسيد ابن الحسن بن مهدي حسين النجفي ولد سنة (1347ه) في مدينة لكنهو طبع الكتاب في لاهور.
3 ـ كتاب (البقيع الغرقد) للسيد محمد الحسيني الشيرازي،المولود سنة (1347هـ) بالنجف الأشرف والمتوفى عام (1422هـ) بقم المقدسة.
4 ـ كتاب (قبور أئمة البقيع قبل تهديمها) للسيد عبد الحسين السيد حبيب الحيدري الموسوي وصف لها من شاهد عيان كان قد زارها قبل ثلاثمائة عام.
5 ـ (كتاب (تاريخ جنة البقيع) للشيخ حسن رضا غديري باللغة الأردوية.
6 ـ (كتاب (فاجعة البقيع) للشيخ جلال معاش.
7 ـ كتاب (موسوعة العتبات المقدسة) للأستاذ جعفر الخليلي (قسم المدينة المنورة)
8 ـ كتاب (كشف الإرتياب في أتباع محمد عبد الوهاب) للسيد محسن الأمين العاملي
لم تكن الأولى ..
لقد ارتكب الوهابيون هذه الجريمة البشعة التي تضاف إلى سجل جرائمهم السوداء وتاريخهم البشع للمرة الثانية فقد سبق لهم أن قاموا بهذا الجريمة النكراء عام (1220هـ/1801م) عند قيام الدولة السعودية المشؤومة الأولى حيث قام آل سعود بأول هدم للبقيع، وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيأة من تبرعات المسلمين، فبُنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.
القبور والمساجد والمعالم الدينية التي هدمت
وقد شمل التهديم قبور أئمة الهدى من أهل البيت (صلوات الله عليهم) وقبور الصحابة الأخيار وهذه أبرز تلك القبور والمراقد والمساجد التي هدمت:
1 ـ قبر الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة
2 ـ قبر الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
3 ـ قبر الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
4 ـ قبر الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه والسلام)
5 ـ قبر العباس بن عبد المطلب عم النبي (صلى الله عليه وآله).
6 ـ قبر سيدنا إبراهيم بن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
7 ـ قبور أمّهات المؤمنين أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
8 ـ قبور عمّات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
9 ـ قبر حليمة السعدية (رضوان الله عليها) مرضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
10 ـ قبر سيدنا إسماعيل ابن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
11 ـ قبر الصحابي أبي سعيد الخدري.
12 ـ قبر السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) أم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
13 ـ قبر عبد الله والد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
14 ـ قبور بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) زينب وأم كلثوم ورقية.
15 ـ قبر الصحابي الجليل عثمان بن مظعون (رضوان الله تعالى عليه).
16 ـ قبر أم البنين فاطمة الكلابية زوجة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأم أبي الفضل العباس (عليهم السلام)
17 ـ قبر سيدنا الحمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء.
18 ـ قبر سيدنا علي العريضي ابن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام).
19 ـ قبر زكي الدين.
20 ـ قبر الصحابي مالك أبي سعد من شهداء أحد.
21 ـ موضع الثنايا.
22 ـ قبر عقيل بن أبي طالب
23 ـ بيت الأحزان لفاطمة الزهراء.
24 ـ مسجد الكوثر
25 ـ مسجد الجن
26 ـ مسجد أبي القبيس
27 ـ مسجد جبل النور
28 ـ مسجد الكبش
29 ـ قبر عبد المطلب جد النبي (صلى الله عليه وآله)
30 ـ قبر أبي طالب عم الرسول (صلى الله عليه وآله)
كما هدموا ما لا حصر له من المنائر والمزارات المقدسة الأخرى التي يتبرك بها المسلمون كموضع مولد النبي (ص) ومولد فاطمة الزهراء (ع) وقبر حواء أم البشر (ع) وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها والطائف ونواحيها وجدة ونواحيها من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها
شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم