لكن هل فعلاً هذه هي وظيفة القوات العسكرية الأميركية في قاعدة التنف وشرق الفرات، ووظيفة 400 جندي أميركي الذين سيظلون في سورية بعد تنفيذ قرار الانسحاب الذي كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اتخذه في وقت سابق؟
ميدانياً ومن الناحية الواقعية هذا الهدف لم يعد قائماً منذ اللحظة الأولى التي التقى فيها مقاتلو الحشد الشعبي وجنود الجيش السوري وحلفاؤه وسيطرتهم على مقطع واسع من الحدود العراقية – السورية المشتركة، بما في ذلك معبر البوكمال – القائم.
وإذا كان الطريق البري عبر هذا المعبر الحدودي لم يفتح بعد أمام التجارة بين سورية والعراق، وربما بين سورية والعراق وإيران، إلا أنّ الطريق العسكري مفتوح، وإذا كان الهدف من بقاء القوات الأميركية في سورية منع نقل أسلحة إيرانية براً إلى سورية وإلى حزب الله، فهذا الهدف غير قابل للتحقيق لأنّ الحشد الشعبي، حليف إيران، ينتشر على جزءٍ من الحدود العراقية – السورية، والجيش السوري وحلفاؤه الإيرانيون والمقاومة اللبنانية ينتشرون في الجهة المقابلة للحشد الشعبي من الحدود السورية – العراقية، وبالتالي يؤمّنون نقل الأسلحة ولم يسجل أيّ هجوم أميركي على تحركات القوات العسكرية على الحدود، وحتى الاعتداءات «الإسرائيلية» بذريعة منع نقل الأسلحة لا تتمّ قرب الحدود السورية – العراقية، وكانت أقرب نقطة لهذه الاعتداءات الاعتداء على مطار «تي فور» والذي ردّ عليه حلف المقاومة بما بات يعرف بـ «ليلة الصواريخ» التي استهدفت مجموعة من المواقع «الإسرائيلية» في الجولان، ومنذ ذلك الوقت لم تجرؤ تل أبيب على شنّ اعتداءات في عمق المنطقة القريبة من الحدود السورية – العراقية.
يمكن القول بناءً على كلّ ما تقدّم إنّ الوجود العسكري الأميركي في التنف وشرق الفرات له ثلاث وظائف سياسية، الأولى، جعله ورقةً للتفاوض على طبيعة الحلّ السياسي النهائي، ولا سيما لجهة أن يتضمّن الحلّ عدم تمركز عسكري لإيران وحزب الله في سورية لا سيما بالقرب من خط وقف إطلاق النار بالجولان، وهذا ما بات يصرّح به مسؤولون أميركيون وصهاينة. الوظيفة الثانية، تشجيع الأكراد في شرق الفرات على عدم التفاوض مع الحكومة السورية، والتخلي عن الواقع التقسيمي الشاذ القائم الآن، لأنّ سحب القوات الأميركية من هناك وفي ظلّ تهديدات أنقرة باجتياح المنطقة سوف يدفع الأكراد إلى الالتحاق بالحكومة السورية والتخلي عن الإدارة التي أقاموها شرق الفرات، لكي لا تلقَ مناطق الانتشار الكردي في هذه المنطقة المصير الذي حلّ بعفرين.
الوظيفة الثالثة، استخدام الوجود العسكري الأميركي في سورية ورقة مساومة مع روسيا ربما حول ملفات لا تتعلق بسورية مباشرةً، وإنما تتعدّى ذلك إلى ملفاتٍ إقليمية ودولية عديدة، بدءاً من أوكرانيا، وفنزويلا، مروراً بانتشار الأطلسي على تخوم روسيا، وانتهاءً بصفقة صواريخ «أس 400» مع تركيا، وربما حتى بشأن الحصول على ضمانات لـ «إسرائيل» من روسيا، إذا تعذر الحؤول دون منع وجود قوات عسكرية إيرانية ومن حزب الله في سورية.
*حميدي العبدالله / البناء