وفي حديث صحافي، شدد بري على أنّ “زيارة بومبيو صارت من الماضي، أي انّها صفحة وطُويت بكلّ ما تخلّلها، ولن يطول الوقت إلّا وينساها اللبنانيون، شأنها شأن الكثير من المحطات الأميركية السابقة، الّتي لا تخرج هذه الزيارة عن سياقها، سواء لناحية موقف واشنطن المتناغم من الموقف الإسرائيلي في ما خصّ الحدود البحرية او لناحية الموقف الهجومي ضدّ حزب الله".
وأوضح الرئيس بري أنّ “كلّ تلك المحطات، معطوفة على بيان بومبيو في وزارة الخارجية والمغتربين، اصطدمت بموقف لبناني رسمي واحد يعكس الحرص على إبقاء “الأوكسيجين” قائمًا في لبنان، الّذي يوفّره التقاءُ المكوّنات السياسية والحزبية، ولو بالإكراه، تحت سقف معادلة داخلية وتوازنات لا تحتمل أيّ خلل”.
وذكر أنّ الموقف الرسمي”، ليس خافيًا أنّ البلد منقسمٌ على نفسه، وهذه الصورة كانت ماثلة أمام بومبيو، الّذي لم تستطع دبلوماسيتُه الخشنة أن تبدّل فيها شيئًا، فلا هو قدّم للبنانيين أو لبعضهم، أكثر من بيان مصاغ بلغة حربية ضدّ “حزب الله”، ولا أخذ من اللبنانيّين ما يطمئنه بأنّ لبيانه ترجمته على أرض الواقع اللبناني، وفق ما يشتهي”. وبيّن أنّ “أمام التجرُّؤ الفاقع على المقاومة، كان لا بدّ من إسماع الوزير الأميركي ما يجب أن يسمعه، ممّا لا يعجبه، حيال “حزب الله” كحزب لبناني، سياسي، مقاوم، فاعل وقوي”.
كما نوّه الرئيس بري إلى أنّ “أوّل مَن حذّر من إسرائيل وأطماعها هما ميشال شيحا وشارل مالك، حدودنا البحرية الّتي يتعدّون عليها ويحاولون اقتناصها، قصتها محلولة منذ أيام “نيو كامب” وجرى تأكيدُها سنة 1949، وقد أبلغت بومبيو صراحة أنّني شخصيًّا أتولّى مقاربة ومتابعة هذا الملف بكلّ تفاصيله وكلّ ما يحيط به منذ ما يزيد على الخمس سنوات، فعندما تقولون إنّ الولايات المتحدة الأميركية راغبة في المساعدة مع جهود الأمم المتحدة لمعالجة موضوع الحدود البحرية، فهو أمر ليس جديدًا، ففي الماضي جاء أحد الضباط الأميركيين مع الأمم المتحدة اسمه “الكولونيل ليمبتون”، شارك في اتفاق الهدنة، كما شارك بترسيم الحدود بما يؤكّد حقَّ لبنان الّذي تريد إسرائيل أن تنتزعه، وبالتالي المطلوب فقط أن يأخذ لبنان حقّه”.
وأكّد أنّ “هذه المسألة ستبقى محلّ أولوية متقدّمة في الموقف السياسي، وفي المتابعات على كلّ المستويات، وما ينبغي الالتفات إليه هو أنّ موقف لبنان الّذي ينبغي الإصرار عليه ليس المطالبة بترسيم الحدود، بل بالمطالبة بتأكيد الترسيم الّذي حصل”، وعمّا إذا كان يستطيع لبنان أن يحقّق ما يريده، ويحصّل حقّه في حدوده وبالتالي حقّه في الثروة الّتي تخزّنها هذه الحدود من النفط والغاز، وهل يستطيع أن يصمد أمام الضغط الخارجي وتحديدًا الأميركي الّذي يعبّر فقط عن إسرائيل، ركّز الرئيس بري على أنّ “لا همّ لي بالخارج أبدًا ولا يهمّني الخارج، الّذي يهمّني هو بلدي، فماذا يفيدني لو ربحت الخارج كلّه وخسرت بلدي؟ أريد أن أربح بلدي وأنا مستعدّ لأن أخسر كلّ الخارج، ولا أن يخسر بلدي ولو جزءًا بسيطًا وصغيرًا منه، أو تتضرّر مصلحته أو تُمسّ سيادته؛ هنا بلدنا وهنا وجودنا وهنا مصيرنا”.
وأعلن أنّ “من الخطأ أن نُسأل إن كنّا سنصمد، ذلك أنّ هذا هو قدرنا، قدرنا أن نصمد ونستمرّ في التصدي لهذا الملف الّذي يعني لبنان وكلّ أجياله. سنبقى على موقفنا ونسعى بكل ما أوتينا لتحصيل حقّنا”، مشيرًا إلى أنّ “حفلة التبرعات الّتي يقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لم يسبقه إليها أحد كما لا سابقة لها، بحيث يتبرّع من أكياس غيره ويقدّم لغيره ما لا يملكه، ومعنى ذلك أنّه يمكن أن تتوقع منه أيَّ شيء”.
وفسّر أنّ “في الأمس، كانت القدس وقدّمها ترامب لإسرائيل تحت عنوان نقل السفارة الأميركية إليها، واليوم الجولان، فمَن يضمن ألّا يدفعه “كرَمه” على إسرائيل في أيّ لحظة إلى أن يقول هذه مزارع شبعا وتلال كفرشوبا أرض إسرائيلية، وهذه الحدود الجنوبية بالمساحة البحرية الّتي تحاول إسرائيل السطو عليها، مياه إسرائيلية؟”. أفاد بأنّ “في أيّ حال، ما نؤكّد عليه هو أن نكون في يقظة تامّة وأن ننتبّه حتّى لا يأتي يوم نؤكل فيه كما أكل الثور الأبيض».
ونصح الرئيس بري بـ”عدم الالتهاء بزيارة بومبيو، بل الأهم منها هو أن يعود اللبنانيون إلى حياتهم الطبيعية، والانصراف إلى المقاربات الجدّية لأولويّاتهم وملفاتهم الحيوية والحياتية الّتي تستأهل المتابعة والاهتمام وتستوجب العلاج والإنعاش قبل أيّ أمر آخر”.