وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها، أن عنصرية الرجل المسلح وصيحاته في وجه الخطر الذي يتعرض له البيض الذين يواجهون تهديد "استبدال" المسلمين بهم، ليست إلا جزءا من الكراهية التي يتبناها قتلة عنصريون آخرون في أماكن وأوقات مختلفة. ونظرا لقضائه أياما وهو يتسلل إلى مستنقع الإنترنت ويتواصل مع أشباهه في شبكات التواصل الاجتماعي، تسلطت الأضواء على جريمته خلال فترة ما بعد الحداثة.
لكن، تعد القوى التي حركته ضاربة في القدم، حيث اتضح من بيانه الثوري صفات الجهل والتعصب والقبلية المتعطشة للدماء. في الآن ذاته، لم تخترع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الشر، ولم تحاربه. في المقابل، جعلتها في متناول الجميع، بكل مظاهرها المبتذلة والشائكة.
أما بالنسبة للرغبة الواضحة للمشتبه فيه في إثارة الفتنة وزرع الانقسامات، فقد تأخرت قليلا في الظهور للعلن، فقد كتب الإرهابي أنه يريد "التحريض على العنف والانتقام وزرع المزيد من الانقسام. كما أعرب عن أمله في أن يؤدي تنفيذه لمذبحة بسلاح ناري إلى إثارة النقاش الدائر في الولايات المتحدة حول الأسلحة.
مع ذلك، من المهم أن يدين قادة العالم بوضوح ودقة هذا العمل البشع. وعلى وجه الخصوص، يعتبر الهجوم على المساجد، كما هو الحال على أي مكان للعبادة، من الأعمال الخبيثة والخطيرة. لكن، احتفى العنصريون عبر الإنترنت بالقاتل باعتباره بطلا بالنسبة لهم، وهللوا بعملية القتل التي ارتكبها بينما كان ينقلها على الهواء مباشرة. وفي الواقع، يعد منفذ الهجوم وحشا ذبح الأبرياء، الآباء والأطفال؛ كبارا وصغارا.
لا يعدّ الرئيس ترامب مسؤولا عن هذه المأساة، على الرغم من تاريخه الخاص الحافل بالتصريحات المعادية للإسلام، وقرارات حظر السفر التي استهدفت الدول ذات الغالبية المسلمة. ومع ذلك، كان على الرئيس أن يوجه خطابه إلى مستوى أبعد مما وصل إليه. ومن الضروري أن يكون ذلك، أولا، عبر إدانة القاتل، الذي وصف المهاجرين "بالغزاة"، وهاجم "الهجرة الجماعية"، وكتب أنه يأمل في "الحد بشكل مباشر من معدلات الهجرة". وفي الحقيقة، يتداخل الخطاب العدائي الذي اعتمده القاتل مع التصريحات التي يلقيها الرئيس. وتحديدا، يوم الجمعة، أشار ترامب إلى "غزو" المهاجرين لتبرير إعلان الطوارئ الوطني لبناء جدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
علاوة على ذلك، قال ترامب، الذي لم يستطع أن ينتقد القوميين البيض في شارلوتسفيل الذين هتفوا أن الأقليات (اليهود، في هذه الحالة) "لن تحل محلنا"، خلال يوم الجمعة، إنه لا يعتبر القومية البيضاء مشكلة. وهنا تكمن الرسالة الخاطئة. بدلا من ذلك، كان يجب عليه أن يعلن بشكل لا لبس فيه أن أيديولوجية "الاستبدال" التي يتبناها المشتبه به في نيوزيلندا هي عبارة غير مقبولة في الخطاب الحضاري.
في المقابل، تبقى كيفية حصول القاتل على سلاحه نصف الآلي الذي استخدمه لتطهير الضحايا من الجوانب المجهولة. وتجدر الإشارة إلى أن قوانين الأسلحة النيوزيلندية تعد أكثر تساهلا من تلك الموجودة في مسقط رأسه، أستراليا. وفي ظل هذا الوضع، ألهمت المذبحة في المساجد في كرايستشيرش بالفعل دعوات لسن قوانين أكثر صرامة. في الوقت ذاته، يجب أن يحظى هذا النقاش بالاهتمام من جانب الأمريكيين، الذين أصبح الكثير منهم الآن، للأسف، يواجهون خطر القتل الجماعي.
وفي الختام، نوجه كامل الأسى للضحايا وعائلاتهم، ولمجتمع من اللاجئين المسلمين والمهاجرين الذين رُحِّب بهم بأياد مفتوحة في منزل جديد قد يبدو الآن مهددا، ولنيوزيلندا أيضا، حليفة للولايات المتحدة التي لم تكن فيها الصورة البشعة لعنف الأسلحة النارية سائدة في السابق.